أحد أعضاء جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يحضر مظاهرات مسيرة العودة الكبرى في 27 ابريل 2018لتقديم الدعم الصحي للمصابين
أحد أعضاء جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يحضر مظاهرات مسيرة العودة الكبرى في 27 ابريل 2018لتقديم الدعم الصحي للمصابين

بعد مضيّ عامين: الأشخاص الذين أُصيبوا بجروح وصدمات خلال "مسيرة العودة الكبرى" لا يزالون يكافحون

لا غنى عن تأمين الدعم المستدام لمعالجة الاحتياجات الصحية واحتياجات الحماية

أصيبَ محمد، البالغ من العمر 35 عاماً وهو أب لثلاثة أطفال من بيت حانون، بالذخيرة الحية في رِجله خلال أول مظاهرة جرت في سياق "مسيرة العودة الكبرى" في يوم 30 آذار/مارس 2018. وصرّح محمد لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "خضعتُ لـ25 عملية جراحية، ولكنني ما زلت أعاني من الألم". وفقدَ محمد عمله كعامل بناء نتيجةً لإعاقته وبدأ الوضع الإقتصادي لأسرته يتدهور. "لم يكن في وسع زوجتي أن تتحمّل وضعي والفقر، فتطلّقنا. لا شيء في حياتي سوى البؤس."

وقد عُلِّقت مظاهرات مسيرة العودة الكبرى في أواخر العام 2019. ومع ذلك، فلا يزال الآلاف من أمثال محمد ممن أصيبوا بجروح أو صدمات يعانون من تبعات إصاباتهم. وأطلقت الوكالات الإنسانية مناشدة لتقديم مبلغ قدره 13.5 مليون دولار لتنفيذ طائفة من التدخلات خلال العام 2020، من أجل تأمين الدعم لإعادة تأهيل هؤلاء المصابين والتخفيف من الآثار الواقعة عليهم وعلى أسرهم.[1] ولم يجرِ تأمين سوى 16 بالمائة من هذا المبلغ حتى الآن.

ولا يشكّل نقص التمويل العقبة الوحيدة التي تقف في وجه الإستجابة للاحتياجات الصحية لدى الأشخاص المتضررين. فالعديد من المرضى الذين يعانون من إصابات معقدة، والذين أُحيلوا للعلاج المتخصص في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية (وفي إسرائيل في بعض الحالات)، لم تمنحهم السلطات الإسرائيلية التصاريح اللازمة للخروج. وبالنظر إلى القيود العسيرة التي يرزح النظام الصحي في غزة تحت وطأتها، فلن تكُفّ هذه السياسة عن تقويض الإمكانيات المتاحة أمام هؤلاء المرضى للتعافي من إصاباتهم، ما لم ينعكس مسارها.

وتثير الطرق التي تعتمدها القوات الإسرائيلية في السيطرة على الحشود خلال مسيرة العودة الكبرى قلقًا بالغاً إزاء الإستخدام المفرط للقوة، والذي يقترن بغياب التحقيقات وإجراءات المساءلة الفعالة. ومما يبعث على القلق أيضاً المؤشرات التي تقول إن سلطات حماس لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات لحماية الأطفال الذين يشاركون في المظاهرات والحيلولة دون تعرُّضهم لخطر العنف أو استغلالهم كأداة من أدوات العمل السياسي. وبالنظر إلى أن مظاهرات مسيرة العودة الكبرى، أو غيرها، ستُستأنف في المستقبل،[2] فإن الضرورة تقتضي أن تعدل السلطات الإسرائيلية وسلطات حماس هذه السياسات والممارسات لتفادي وقوع المزيد من الضحايا والمعاناة التي لا لزوم لها.

إصابة فلسطيني خلال مظاهرة احتجاج على الحصار البحري على الشاطئ بالقرب من السياج، شمال غرب بيت لاهيا-سبتمبر 2018. تصوير أشرف عمرة

حصيلة الضحايا

منذ يوم 30 آذار/مارس 2018، لا يزال الفلسطينيون ينظمون المظاهرات في سياق مسيرة العودة الكبرى، حيث يدعون فيها إلى الحق الفلسطينيي في العودة ووضع حد للحصار الإسرائيلي. وشارك الآلاف في التجمعات التي تُعقد في كل يوم جمعة وفي أيام خاصة في خمسة مواقع بمحاذاة السياج الحدودي. كما جرت احتجاجات أصغر في نطاقها خلال الأسبوع على الشاطئ وفي مواقع مختلفة بالقرب من السياج في الليل.

وبينما تصرفت الغالبية الساحقة من المحتجين بصورة سلمية، فقد اقترب العشرات من السياج خلال معظم المظاهرات وحاولوا تدميره، وأحرقوا الإطارات، وألقوا الحجارة والزجاجات الحارقة على القوات الإسرائيلية، وأطلقوا الطائرات الورقية والبالونات الحارقة باتجاه الأراضي الإسرائيلية. وقد ألحقت هذه الطائرات والبالونات أضراراً فادحة بالأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية داخل إسرائيل وعرّضت حياة المدنيين الإسرائيليين للخطر. كما أشارت التقارير إلى بعض الحوادث التي شهدت إطلاق النار وإلقاء العبوات الناسفة.

وردّت القوات الإسرائيلية بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، والتي أسقطت بعضاً منها من الطائرات المسيرة دون طيار، والأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، والذخيرة الحية التي أطلقها القناصة في معظم الحالات. ونتيجةً لذلك، قُتل 214 فلسطينياً، من بينهم 46 طفلاً، وأصيب ما يربو على 36,100 آخرين، بمن فيهم نحو 8,800 طفل، بجروح. وقد أصيبَ واحد من كل خمسة من بين هؤلاء (أكثر من 8,000 مصاب) بالذخيرة الحية.[3] وخلال الفترة نفسها، قُتل جندي إسرائيلي واحد وأصيبَ سبعة آخرون بجروح خلال هذه المظاهرات.

الضحايا الفلسطينيون خلال مسيرة العودة الكبرى 2018-2019

الفلسطينيون المصابون خلال مظاهرات العودة الكبرى حسب السلاح

أكثر من 1,200 شخص يحتاجون إلى إعادة تأهيل مكلف وطويل الأمد

بلغ عدد الإصابات في الأطراف ما يزيد عن 7,000 إصابة سبّبتها الذخيرة الحية (نحو 88 بالمائة من الإصابات)، وتلتها الإصابات في البطن والحوض. وقد أفضت 156 إصابة من هذه الإصابات إلى بتر الأطراف المصابة (126حالة بتر في الأطراف السفلية و30 حالة في الأطراف العلوية). ومن هذه الحالات، شملت 94 حالة على الأقل عمليات بتر ثانوية أُجريت بسبب الإلتهابات التي أصابت العظام في وقت لاحق.

وعادةً ما تحدث هذه الإلتهابات عندما يتفاقم الجرح الذي يصيب الطرف بضرر جسيم في الجلد والأنسجة والأعصاب والأوعية الدموية. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 25 إلى 40 بالمائة من المرضى الذين يعانون من هذه المضاعفات ينتهي بهم المطاف إلى الإصابة بشكل من أشكال التهاب العظم على مدى فترة تصل إلى 12 شهراً بعد إصابتهم. وفي حالات أخرى، يؤدي الجرح إلى كسر مفتوح لا يشفى أو يترك فجوات في العظم، وهو ما يستدعي إجراء عمليات جراحية ترميمية وتجميلية متخصصة للعظام. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 1,200 مصاب على الأقل من بين أولئك المصابين بجروح في أطرافهم قد استهلّوا العلاج المتخصص لترميم أطرافهم، أو ينتظرون الخضوع له.

أحد أعضاء جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يحضر مظاهرات مسيرة العودة الكبرى في 27 ابريل 2018لتقديم الدعم الصحي للمصابين

وعادةً ما يمتد علاج ترميم الأطراف وإعادة التأهيل من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، حسب خطورة الحالة، ويشمل ما يتراوح من عمليتين إلى ثماني عمليات و12 إلى 30 جلسة من جلسات العلاج الطبيعي. وقد تصل تكلفة علاج كل حالة على حدة إلى 40,000 دولار.

وتتأثر حياة الأشخاص الذين يعانون من هذه الإصابات المعقدة تأثراً هائلاً. فمعظمهم فقدوا أعمالهم بسبب الإعاقات التي ألمّت بهم، وأصبحوا  يشكّلون عبئاً إضافياً على كاهل أُسرهم الضعيفة في الأصل. ولن يتسنى للغالبية من هؤلاء أن يتعافوا دون دعم الخدمات العامة ومجتمع العمل الإنساني.

وقال محمد: "بعد طلاقي، لم أستطع أن أُطعم أطفالي. واضطررتُ، بسبب ذلك، إلى أن أرسل أحدهم ليعيش مع أمي، وآخر مع شقيقي وآخر مع شقيقتي. ولم يكن في وسعي أن أحرّك رجلي لمدة عام ونصف. والان انا أستطيع المشي مجدداً بفضل جلسات العلاج الطبيعي، غير أني لست قادراً على العمل. ولا أريد عن أجلس في البيت ولا أحرّك ساكناً. ومنذ انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، توقفت الفرق الطبية عن زيارتي، وبات وضع رجلي يزداد سوءاً".

وقد تقوّض النظام الصحي في غزة بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ ما يربو على عقد من الزمان، والإنقسام الداخلي الفلسطيني، والعجز المزمن في إمدادات الكهرباء ونقص الكوادر المتخصصة والأدوية والمعدات. ونتيجةً لذلك، يجري تحويل الأشخاص الذين يعانون من إصابات معقدة في حالات كثيرة إلى المنشآت الأكثر تقدماً في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل في بعض الأحيان. وللوصول إلى هذه المنشآت، يقدّم المرضى طلبات للحصول على تصاريح الخروج من السلطات الإسرائيلية، التي لا تمنحها في جميع الحالات أو لا تمنحها في الوقت المطلوب.

فمن بين 604 طلبات قدّمها المصابون في مظاهرات مسيرة العودة الكبرى بغية الحصول على تصاريح، لم تصدر الموافقة إلا على ما نسبته 17 بالمائة منها، ورُفض 28 بالمائة من تلك الطلبات ولم يصدر أي ردّ بشأن 55 بالمائة منها بحلول التواريخ المقرّرة للمواعيد الطبية المقررة لأصحابها.[4] وتقل هذه النسبة عن معدلات الموافقة على جميع طلبات التصاريح التي قدّمها المرضى في العامين 2018 و2019، والتي كانت تبلغ 61 و65 بالمائة على التوالي. وبالنظر إلى القيود العسيرة التي يرزح النظام الصحي في غزة تحت وطأتها، فلن تنفكّ هذه السياسة تقوض الإمكانيات المتاحة أمام هؤلاء المرضى للتعافي من إصاباتهم، ما لم ينعكس مسارها.

نحو 22,500 طفل في حاجة إلى الدعم النفسي والإجتماعي

لقد سببت مظاهرات مسيرة العودة الكبرى آثاراً واسعة النطاق على الصحة العقلية والحالة النفسية والاجتماعية. ومن جملة الأشخاص المتضررين أولئك الذين أصيبوا بجروح خلال الاحتجاجات، ولا سيما من يعاني منهم من إعاقة بدنية دائمة، ومقدمي الرعاية لهم، ومن يتعرّض للعنف بصورة مباشرة، وخاصةً الأطفال، والأشخاص الذين فقدوا فرداً من أفراد أسرهم.

وتشير التقديرات انة في العام 2020 سوف يعاني 10,400 شخص من مشاكل في صحتهم العقلية بسبب مظاهرات مسيرة العودة الكبرى، وأن نحو 42,000 شخص سيواجهون مشاكل طفيفة إلى متوسطة.[5] وتشمل هذه الأرقام أكثر من 22,500 طفل.[6] وسوف يشهد وضع العديد من هؤلاء الأشخاص تدهوراً سريعاً ما لم يحصلوا على الدعم المتخصص، بما يشمله من خدمات إدارة الحالات الفردية. وتشمل الآثار السلبية فقدان الدخل، وتسرّب الأطفال من المدارس والعنف الأسري في أوساط الأسر المتضررة.

أطفال يشاركون في جلسة دعم نفسي غير منظمة، بيت لاهيا-قطاع غزة. تصوير Terre des Hommes Lausanne

أصيبَ مصطفى، البالغ من العمر 14 عاماً، بقنبلة غاز مسيل للدموع في رقبته خلال إحدى المظاهرات التي جرت في يوم 25 آب/أغسطس 2018، ومكث في المستشفى لمدة أسبوع. وتلقّى مصطفى، بعدما تماثل للشفاء من إصابته الجسدية، الدعم من منظمة غير حكومية دولية (وهي مؤسسة أرض الإنسان)، حيث شارك في سياقه في جلسات الإرشاد الجماعية وأداء الأدوار، إلى جانب أنشطة أخرى. وقال مصطفى: "لقد أفرغت قدراً كبيراً من الضغط عندما كنت أتحدث عن تجربتي. ومع أنني أتعب بسرعة ولا أستطيع أن ألعب كرة القدم مثلما كنت من قبل، أشعر بأنني في حال أفضل." كما يحضُر مصطفى دروساً خاصة لكي يحسّن درجاته. "ما عدتُ أسمع كلام أصدقائي الذين كانوا يشجعونني على الذهاب إلى المظاهرات. كل ما أركّز عليه الآن هو دراستي ولا شيء سواها."

تفاقم العنف القائم على النوع الإجتماعي

أشارت النتائج الأولية التي خَلُص إليها مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في الربع الثاني من العام 2019 إلى أن ما نسبته 38 بالمائة من النساء في قطاع غزة أفدن بأنهن تعرّضن لشكل من أشكال العنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي أو الإجتماعي أو الإقتصادي مرة واحدة على الأقل على يد أزواجهن خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.[7]

وبينما يعدّ العنف الأسرى أحد الشواغل الطويلة العهد في الأرض الفلسطينية المحتلة، تشير تقديرات المجموعة الفرعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي إلى أن مسيرة العودة الكبرى تسببت في تفاقمه.[8] فالأدلة التي جمعتها المنظمات الشريكة في هذه المجموعة تفيد بأن الأزواج غالباً ما ينحون باللائمة على الأمهات بسبب إصابة أطفالهم بجروح أو مقتلهم خلال المظاهرات، حيث يتعرّضن لقدر متزايد من العنف جراء ذلك. كما تعدّ النساء المطلقات أكثر عرضة لخطر العنف النفسي والإجتماعي والإقتصادي المباشر على يد أفراد أسرهن، حيث يُتوقع من بعضهن أن يتزوجن مرة أخرى، وغالباً ما تتحكم أسرة الزوج المتوفى في شؤونهن المالية. وعلاوةً على ذلك، تتعرّض الفتيات اللواتي فقدن آباءهن، أو يعاني آباؤهن من إعاقات، لخطر متزايد بإجبارهن على الزواج المبكر بسبب تدني مستوى دخل أسرهن، وذلك بالنظر إلى أن الآباء/الأزواج هم من يعيلون أسرهم في العادة.

تبلغ ياسمين 22 عاماً من عمرها وتسكن في محافظة شمال غزة. "كنت أعيش حياة سعيدة، ولكن كل شيء انقلب رأساً على عقب بعدما قُتل زوجي في شهر أيار/مايو 2018، خلال إحدى مظاهرات مسيرة العودة الكبرى. وعدتُ مع ابنَيَّ إلى بيت أهلي ومكثت فيه عاماً ونصف. وكنت أخضع لرقابة مشددة من أسرتي لكوني أرملة". وكما جرت عليه العادة، طُلب من ياسمين أن تتزوج من شقيق زوجها. وقد رفضت ذلك في بادئ الأمر، ولكنها سلّمت به بعد الضغط الذي فُرض عليها. "لم أكن أريد العودة إلى منزل أهل زوجي، لأنهم كانوا يعاملونني معاملة سيئة. وبعدما تزوجنا بوقت قصير، بدأ زوجي الجديد يضربني. لم أكن أتخيل أن يفعل أحد ذلك بي مطلقًا. وبعدما قُتل زوجي الأول، صرت أحضر جلسات الدعم النفسي والاجتماعي. وقد ساعدتني هذه الجلسات على أن أشعر بتحسن وبقدر أقل من الضغط. ولكن لم يعد بوسعي أن أشارك فيها بعدما تزوجت مرة أخرى لأن أسرة زوجي رفضت ذلك. وقد عاد كل شيء إلى ما كان عليه الآن".

التدخلات المقترحة واحتياجات التمويل

تشمل خطة الاستجابة الإنسانية للأرض الفلسطينية المحتلة للعام 2020 ما مجموعه 18 مشروعاً يعالج احتياجات محددة في مجالي الصحة والحماية لدى الأشخاص المتضررين من مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة، حيث طُلب مبلغ يقارب 13.5 مليون دولار للوفاء بهذه الاحتياجات.[9]

وتشمل هذه المشاريع زيادة إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والمتخصصة لدى الأشخاص المصابين بجروح وإعاقات، بما فيها خدمات إعادة التأهيل الطبي والصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي. كما تُعنى تلك المشاريع بتحسين الوصول إلى الخدمات المتعددة القطاعات الأساسية والمأمونة وذات الجودة العالية في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب التوعية والتمكين الإقتصادي والمساعدة القانونية. وإضافة إلى ذلك، تنطوي هذه المشاريع على أنشطة التوعية، كالمناصرة لحماية حق الفئات الأكثر ضعفاً في الصحة. وحتى شهر آذار/مارس 2020، قُدمت مساهمات بلغت 2.6 مليون دولار أو جرى التعهد بتقديمها لدعم هذه المشاريع.

التدخلات المتعلقة بمسيرة العودة الكبرى في خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2020

الشواغل إزاء الاستخدام المفرط للقوة وغياب المساءلة

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يُسمح باستخدام القوة المميتة في سياق أنشطة إنفاذ القانون إلاّ كملاذ أخير ورداً على تهديد داهم للحياة أو التعرض لإصابة خطيرة. وقد وقف العديد من التحقيقات على أدلة تبيّن أن المتظاهرين الذين قُتلوا أو أصيبوا بجروح خطيرة خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى لم يكونوا يشكلون مثل هذا التهديد للقوات الإسرائيلية. 

وقد تولّت لجنة تحقيق مستقلة، عيّنها مجلس حقوق الإنسان، التحقيق في جميع الوفيات المرتبطة بالمظاهرات وأكثر من 700 إصابة منذ بداية مسيرة العودة الكبرى حتى نهاية العام 2018. وباستثناء حالتين، وجدت اللجنة أسباباً معقولة حملتها على الإعتقاد بأن استخدام القوات الإسرائيلية للذخيرة الحية ضد المتظاهرين كان غير قانوني.[10] وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية النتائج التي توصلت إليها اللجنة التابعة لمجلس حقوق الإنسان باعتبارها منحازة، وصرّحت بأنها عجزت عن أخذ التهديد الذي شكلته أعمال العنف الصادرة من غزة في الإعتبار.

وتقع إسرائيل تحت التزام يملي عليها التحقيق في المزاعم بشأن الانتهاكات التي ترتكبها قواتها الأمنية بحق الفلسطينيين وإخضاع مرتكبيها المحتملين للمساءلة. وتعدّ المساءلة ضرورية لضمان العدالة للضحايا ومنع ارتكاب الإنتهاكات في المستقبل.

وأعدّ الجيش الإسرائيلي آلية لتقصي الحقائق من أجل تقييم المزاعم الواردة في سياق مسيرة العودة الكبرى. ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، فقد استعرضت هذه الآلية، حتى نهاية شهر تموز/يوليو 2019، 226 حالة وأحالت عشراً منها إلى التحقيق الجنائي الذي تُجريه الشرطة العسكرية.[11]

وحتى الآن، لم يخضع سوى جندي واحد للملاحقة القضائية بسبب إقدامه على قتل فتى عمره 14 عاماً خلال إحدى المظاهرات. وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، أدينَ هذا الجندي "بإطلاق النار دون إذن" وحُكم عليه بالسجن لمدة شهر واحد وشهرين مع وقف التنفيذ. ووفقاً للمفوضة السامية لحقوق الإنسان، فإن "هذه القضية تسلط الضوء، فيما يبدو، على القيود الهيكلية التي يعاني منها القضاء العسكري الإسرائيلي الذي يركّز على واجب الجندي امتثال الأوامر والإجراءات التشغيلية الموحدة والمسؤولية التي تترتب عن هذا الواجب دون أن يتناول مدى قانونية تلك القواعد والمسؤولية التي تتحملها القيادة العسكرية فيما يتصل بذلك".[12]

وليس هناك من مؤشرات تدل على أن سلطات حماس اتخذت أي تدبير لضمان المساءلة عن التقصير في تأمين الحماية الكافية واحتمال استغلال الأطفال كأداة خلال مسيرة العودة الكبرى.


[1] يعدّ هذا الطلب جزءاً من خطة الاستجابة الإنسانية للأرض الفلسطينية المحتلة، التي أُطلقت رسمياً في يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 2019.

[2] ُجِّلت مظاهرة كبيرة لإحياء الذكرى الثانية لانطلاق مسيرة العودة، والتي كانت مقررة في يوم 30 آذار/مارس 2020، بسبب الأزمة التي سبّبها فيروس كوفيد-19.

[3] تشمل هذه الأرقام جميع الضحايا الذين سقطوا في الحوادث المتصلة بمسيرة العودة الكبرى، بما فيها الأحداث الليلية قرب السياج. كما قتل فلسطيني آخر بعدما أصابه حجر ألقاه فلسطينيون عن طريق الخطأ.

[4] HEALTH CLUSTER BULLETIN November-December 2019.

[5] نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية للعام 2020. ويبلغ إجمالي عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي في قطاع غزة 419,684 شخصاً. ويشمل هذا العدد 148,995 شخصاً بالغاً (55 بالمائة منهم من النساء و45 بالمائة من الرجال) و270,689 طفلًا (50 بالمائة منهم فتيات و50 بالمائة فتيان).

[6] يقدِّر القائمون على مجال المسؤولية عن حماية الطفل أن ما لا يقل عن 22,578 طفلاً ممن تضرروا بسبب ’مسيرة العودة الكبرى‘ سيكونون في حاجة إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي بدرجة معتدلة إلى حادة من خلال خدمات إدارة الحالات الفردية المتخصصة من أجل معالجة المستويات المرتفعة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية. وهذا يُضاف إلى العبء الهائل الذي تفرضه أصلاً اضطرابات الصحة العقلية لدى 248,111 طفلًا يحتاجون إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي المنتظم والتدخلات اللازمة لحماية الأطفال في قطاع غزة.

[7] استهدف المسح 12,942 أسرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونُشرت نتائجه الأولية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019. ويتضمن هذا المسح نتائج حول أشكال أخرى من العنف في أوساط المجتمع الفلسطيني، بما فيها العنف الذي يمارسه الفلسطينيون والقوات الإسرائيلية والمستوطنون الإسرائيليون، في طائفة من السياقات.

[8] Impact of the ‘Great March of Return’ on Gender-based Violence- Situation report 8 June 2019, GBV Sub-Cluster Palestine

[9] على الرغم من أن الهدف الرئيسي ينصب على الأشخاص الذين تضرروا من مسيرة العودة الكبرى، يجري استهداف أشخاص آخرين في سياق هذه المشاريع. وبالمثل، يستهدف مشروعان من المشاريع المذكورة أشخاصًا في الضفة الغربية.

[10] Report of the independent international commission of inquiry on the protests in the Occupied Palestinian Territory.

[11] تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الفقرة 24.

[12] المصدر السابق، الفقرة 25.