ساهمت منظمة الصحة العالمية ومجموعة العمل المختصة بالأشخاص بذوي الاعاقة في كتابة هذه المقالة
على الرغم من أن عدد الإصابات التي سُجلت خلال المظاهرات التي إندلعت في سياق ’ مسيرة العودة الكبرى‘شهد إنخفاضًا خلال شهر حزيران/ يونيو (أنظر الرسم البياني أدناه)، ما يزال القطاع الصحي يكافح في سبيل التعامل مع العبء المتراكم الذي سببته الإصابات الخطيرة، ولا سيما تلك التي تستدعي تأهيلًا طويل الأمد.
ويتسبّب الطلب الذي تزايد مؤخرًا على الخدمات الصحية في تفاقم عدد من التحديات القائمة منذ زمن بعيد، والتي تعصف بقدرات القطاع الصحي في غزة وإمكانياته. ومن جملة هذه التحديات النقص المتواصل في الأدوية والمستهلكات الطبية، وإنقطاع الكهرباء عن المنشآت الصحية لفترات طويلة، وإستمرار أزمة الرواتب التي طالت موظفي القطاع العام والقيود التي تفرضها إسرائيل على وصول المرضى الضعفاء الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية التي لا تتوفر في غزة. وفضلًا عن ذلك، تُفرَض القيود على إستيراد المواد الضرورية لإنتاج الأطراف الإصطناعية، بما فيها ألياف الكربون وراتينجات الإيبوكسي، بسبب ما تراه إسرائيل من أن هذه المواد تُعَد أصنافًا ’ مزدوجة الإستخدام‘، وقد تُستخدم في أغراض عسكرية أيضًا.
تشير مجموعة الصحة إلى أنه ما مجموعه 15,501 فلسطيني أُصيبوا بجروح على يد القوات الإسرائيلية منذ بداية المظاهرات في يوم 30 آذار/ مارس وحتى يوم 30 حزيران/ يونيو. وقد إستدعت حالة 8,221 مصابًا، أو ما يربو على نصف عدد الجرحى، إدخالهم إلى المستشفيات. ومن بين هؤلاء، أصيبَ 63 بالمائة بجروح في أطرافهم، كما أصيبَ أكثر من نصف الجرحى تقريبًا (4,023 جريحًا) بالذخيرة الحية (أنظر الجدول 1).
وقد سبّبت بعض الإصابات إعاقات طويلة الأمد: فحتى يوم 3 تموز/ يوليو، خضع 53 جريحًا لعمليات بتر في أطرافهم السفلية وثمانية آخرون في أطرافهم العلوية. ومن بين الجرحى الذين بُترت أطرافهم 11 طفلًا. كما أصيبَ 10 فلسطينيين آخرين على الأقل بالشلل بسبب الجروح التي أصابتهم في العمود الفقري.
وفي معظم الحالات الأخرى، لن تتبدّى الآثار الكاملة التي تسببها الإصابات وتتكشّف إلاّ في المستقبل، وذلك بالإستناد إلى نوعية العلاج وإعادة التأهيل. فابتداءً من يوم 26 حزيران/ يونيو، يواجه أكثر من 1,400 شخص أصيبوا بجروح جسيمة خطر الإعاقة الجسدية طويلة الأمد. ويشمل هؤلاء 454 مريضًا أصيبوا بجروح خطيرة في الأوعية الدموية و954 مريضًا أصيبوا بتفتُّت في العظام، حيث يتشظّى العظم إلى أكثر من جزأين ويترافق مع خطر متزايد بقِصَر الطرف المصاب والحاجة إلى أجهزة مساعِدة بعد إلتئام الكسور.
تتولى وزارة الصحة في غزة تنسيق العمل على تقديم خدمات إعادة التأهيل للمرضى الذين يُسرَّحون من المستشفيات من خلال المنظمات غير الحكومية والمنظمات الشريكة في مجموعة الصحة.
وقد أعدّت المنظمات الشريكة في مجموعة الصحة أداة ومسارًا موحَّدين للإحالة من أجل متابعة الجرحى المصابين في المظاهرات، حيث يتولى الفريق العامل المعني بإسعاف المصابين وإعادة تأهيلهم، الذي شُكِّل مؤخرًا، تنسيقهما والإشراف عليهما. وتقدِّم ثماني منظمات شريكة على الأقل خدمات إعادة التأهيل التي تستجيب للإحتياجات الصحية الجسدية والعقلية. وقد نشرت منظمة (Humanity and Inclusion) غير الحكومية عشرة فِرَق لإيصال الخدمات الطبية في محافظات قطاع غزة الخمس، ويضم كل فريق منها أخصائيين في العلاج الوظيفي، وأخصائيين في العلاج الطبيعي وممرضين، يساندهم أطباء نفسيون وعاملون إجتماعيون. وحتى هذه اللحظة، قدّمت فرق إيصال الخدمات الطبية التابعة لمنظمة (Humanity and Inclusion) خدمات ما بعد العمليات الجراحية وإعادة التأهيل لما مجموعه 576 مريضًا، معظمهم أصيبوا بجروح خطيرة في أطرافهم السفلية. كما تعمل المنظمة بصورة وثيقة مع أربع منظمات محلية شريكة في مجال إعادة التأهيل في غزة، والتي تقدم الدعم متعدد التخصّصات في إعادة التأهيل من خلال الوصول إلى المصابين وتقديم الخدمات الطبية لهم. ويجري تنسيق الرعاية الطبية من خلال إحالة المصابين إلى المنظمات الشريكة، وإلى المراكز الطبية أو مراكز إعادة التأهيل، إذا إقتضت الضرورة ذلك.
الوفيات والإصابات الناجمة عن المظاهرات وغيرها من الأحداث التي شهدها قطاع غزة 30 آذار/ مارس حتى 30 حزيران/ يونيو
وتتعاون منظمة (Humanity and Inclusion) مع منظمة أطباء العالم (Medecins du Monde (MdM)) على تعزيز مهارات فرق إيصال الخدمات الطبية التابعة لها وعلى توحيد إجراءات العمل على تقديم الدعم النفسي والإجتماعي، في ذات الوقت الذي تنسّق فيه مع المنظمة الدولية للصليب الأحمر تقديم الدعم الدائم للمرضى الذين يغادرون المستشفيات بعد بتر أطرافهم. وتتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقديم الدعم اللوجستي لتسهيل إستيراد المواد الضرورية لمركز الأطراف الإصطناعية في غزة ومتابعته.
وتنفّذ منظمة أطباء حول العالم – تركيا برنامجًا لإيصال الخدمات الطبية، حيث قدمت من خلاله خدمات الرعاية التأهيلية لـ300 مريض، بما يشمل خدمات التمريض والعلاج الطبيعي والدعم النفسي والأدوية والأجهزة المساعِدة. كما قدّمت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ما يربو على 2,530 إستشارة بعد العمليات الجراحية في عيادات الرعاية الصحية الأولية التابعة لها، والبالغ عددها 22 عيادة، والتي تقدم العلاج والمراجعة وتضميد الجروح، بما في ذلك تقديم الرعاية اللازمة للجروح الناجمة عن الإصابة بالذخيرة الحية والحالات شديدة الخطورة.
وقد نشرت جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية خمس فرق لإيصال الخدمات الطبية في جميع محافظات قطاع غزة الخمس، من أجل تقديم الرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية، بما فيها خدمات تضميد الجروح والعلاج الطبيعي. ومنذ يوم 4 تموز/ يوليو، قدمت الجمعية الرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية لـ527 مصابًا، من بينهم 123 مصابًا وفّرت لهم أجهزة مساعِدة. وتشغّل الجمعية عيادة متنقلة واحدة، حيث زارت خمسة مواقع وقدمت خدماتها لـ337 مريضًا. كما قدمت هذه العيادة المتنقلة الخدمات الطبية لما مجموعه 637 مريضًا حتى تاريخ كتابة هذه النشرة.
وأوضحت منظمة (Humanity and Inclusion) أنّ هناك حاجة إلى زيادة الدعم والموارد المالية لضمان تقديم القدر الكافي من الرعاية الطبية لنحو 3,500 مريض يحتاجون إلى الرعاية طويلة الأمد، بما فيها إحتياجات الدعم النفسي والإجتماعي التي تلزم الأشخاص الذين تكبّدوا أضرارًا بالغة بحكم التجارب التي خاضوها في سياق الصراع أو يواجهون إحتمالية الإعاقة طويلة الأمد. ويعاني معظم هؤلاء المرضى من إصابات جسيمة تستدعي الوصول إليهم وتقديم خدمات إعادة التأهيل لهم بإستمرار من أجل إدارة حالاتهم وتقديم الرعاية الملائمة لهم.
وتُعَدّ الصحة العقلية والدعم النفسي والإجتماعي جزءًا أساسيًا من خدمات إعادة التأهيل، ولا سيما لأولئك الذين يواجهون إحتمالية الإعاقة طويلة الأمد. وسوف يخصَّص عدد قادم من نشرة الشؤون الإنسانية لتناول التدخلات المستمرة في هذا المجال.
من أجل تقديم الإستجابة الفعالة للإحتياجات التي نشأت منذ بداية المظاهرات، أشارت المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني إلى حاجتها العاجلة إلى مبلغ قدره 20,8 مليون دولار من أجل تقديم الإستجابة الفورية حتى شهر أيلول/ سبتمبر 2018. وشمِل هذا المبلغ طلبًا بتقديم 19,2 مليون دولار للمنظمات الشريكة في مجموعة الصحة لتمكينها من تقديم الإستجابة في مجال إدارة الإسعاف وتقديم الرعاية الصحية الطارئة للمرضى المصابين بجروح، بما يشمله ذلك من تقديم خدمات العلاج الطبيعي والأجهزة المساعدة. وحتى وقت كتابة هذه النشرة، ما تزال المنظمات المذكورة بحاجة عاجلة إلى مبلغ قدره 4,8 مليون دولار من أجل تقديم الإستجابة الضرورية في مجال إدارة الإسعاف وتقديم الرعاية الصحية الطارئة (بإستثناء الإستجابة التي تقدمها المنظمة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود(MSF)).
والتمويل المطلوب ضروري لدعم تحسين الرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية والرعاية التأهيلية متعددة التخصصات، إلى جانب:
إستعرضت نشرة الشؤون الإنسانية لشهر نيسان/ أبريل حالة محمد العجوري، وهو فتًى يبلغ من العمر 16 عامًا ويقطن في مخيم جباليا للاجئين، وبُترت رجله اليمنى جراء الإصابة التي تعرّض لها في أثناء مشاركته في المظاهرة الأولى التي نُظمت في يوم 30 آذار/ مارس. وكان محمد، قبل إصابته، رياضيًا لامعًا شارك في المنافسات الرياضية على مستوى المحافظات مع مدرسته.
وتلقّى محمد، بعد أن غادر المستشفى، الرعاية اللاحقة وإعادة التأهيل من منظمة أطباء حول العالم – تركيا، بما فيها جلسات العلاج الطبيعي المنتظمة. ويعتمد محمد على العكّازات في حركته، وإسمه مدرَج على قائمة الإنتظار للحصول على طرف إصطناعي من مركز الأطراف الإصطناعية التابع لبلدية غزة. وتُعَدّ أوقات الإنتظار طويلة بسبب الطلب المرتفع وقلة المواد المتاحة لتصنيع الأطراف الإصطناعية.
ويتحدث محمد عن الأثر الذي خلَّفه فقدان رجله على حياته:
"قبل أن أتعرّض للإصابة، كنت أحب الجري ولعب كرة القدم. وأنا الآن أرتاد صالة الألعاب الرياضية لأحافظ على لياقتي البدنية، ولكنني أفتقد لعب كرة القدم في الحقيقة – فقد كنت ألعبها كثيرًا مع أصدقائي. وكلّي أمل أن أحصل على طرف إصطناعي لكي أتمكن من الجري مرة أخرى. فلطالما أردت منافسة الجري في ماراثون."
ويعيش محمد مع والديه وإخوانه الثلاثة الأصغر منه سنًا في مخيم جباليا للاجئين. ويؤثر الوضع الإقتصادي المتردي في قطاع غزة عليه وعلى أسرته. فوالدا محمد لم يستطيعا العثور على فرصة عمل، وهما يعتمدان على قسائم الغذاء لكي يدبرا أمور معيشتهما، كما يعتمدان على المساعدة التي يقدمها لهم أفراد عائلتهما الممتدة.