طرأ تراجع كبير على عدد الأشخاص الذين سُمح لهم بالحركة من وإلى غزة منذ بداية العام 2017، بالمقارنة مع العامين المنصرمين، ولا سيما عبر معبر بيت حانون (إيرز) الذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية. وما يزال التنقل عبر رفح، الذي يخضع للسيطرة المصرية، يشهد مستويات متدنية للغاية. وقد زاد هذا الوضع من وطأة عزلة قطاع غزة عن باقي أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي، وتسبب ذلك في تقييد الحصول على الخدمات الطبية التي لا تتوفر في القطاع، والوصول إلى مؤسسات التعليم العالي، والحياة الأسرية والاجتماعية، والعمل والفرص الاقتصادية. كما أفضى تشديد القيود على مدى الشهور الأخيرة إلى عوق حركة الموظفين المحليين لدى هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية وعرقلة العمليات الإنسانية.
سُجل نحو 6,000 مغادرة عبر معبر إيرز خلال شهر أيلول/سبتمبر 2017. وهذا الرقم أدنى من المتوسط الشهري بنسبة 17% منذ بداية هذا العام، وأدنى من المتوسط للسنوات 2016 و2015 بما نسبته 55%-60%.[7] ويذكر أن تنقل الأشخاص عبر معبر إيرز ارتفع تدريجيًا عقب الأعمال القتالية التي نشبت في العام 2014ليصل إلى أعلى مستوياته في منتصف العام 2016، غير أنه عاود التراجع مجددًا.
ويحتل معبر إيرز أهمية قصوى لأنه يتحكم في تنقل الأشخاص بين قطاع غزة والضفة الغربية وفي الدخول إلى سوق العمل في إسرائيل. ولا يُعَدّ سوى الأشخاص الذين يقعون ضمن فئات حددتها إسرائيل مؤهلين للحصول على تصاريح الخروج، بعد خضوعهم للفحص الأمني بناءً على سياسة تقوم على الاعتبارات الأمنية، حيث شرعت السلطات الإسرائيلية في تنفيذ هذه السياسة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في شهر أيلول/سبتمبر 2000 وتشددت فيها عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في شهر حزيران/يونيو 2007.
وشملت هذه الفئات في السنوات الأخيرة المرضى الذين يحصلون على تحويلات للعلاج خارج قطاع غزة ومرافقيهم، والتجار، وموظفي المنظمات الدولية والحالات الإنسانية الاستثنائية. ويُعد غالبية سكان القطاع غير مؤهلين للحصول على تصاريح الخروج، بصرف النظر عن الخطر الأمني الذي يمكن أن يشتمل عليه تنقل الواحد منهم، حسب تقدير السلطات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من عدم توفر بيانات شاملة بشأن طلبات التصاريح والردود عليها، ونظرًا لعدم حدوث أي تغيير على "الفئات المؤهلة"، يُعزى تراجع وتيرة التنقل عبر المعبر منذ منتصف العام 2016 إلى تشديد المعايير الأمنية التي تنطبق على المتقدمين المؤهلين.
فُتح معبر رفح بين قطاع غزة ومصر خلال شهر أيلول/سبتمبر لمدة خمسة أيام للسماح بعودة الحجاج الذين وصل عددهم إلى 3,361 إلى القطاع. كما فُتح المعبر لمدة سبعة أيام خلال شهر آب/أغسطس للمغادرين فقط، بما في ذلك يوم واحد لمغادرة وفد حماس وستة حجاج آخرين متوجهين إلى مكة وقلة آخرين.[8]
ويكون المتوسط الشهري للتنقل عبر المعبر حتى الآن في هذا العام تحت المتوسط الشهري للعام 2016بصورة طفيفة، كما يقل بقدر ضئيل عن المتوسط الذي شهده العام 2012، حيث بلغ التنقل من خلال هذا المعبر ذروته. وكان معبر رفح يعمل بانتظام خلال الفترة الممتدة بين منتصف العام 2010 ومنتصف العام 2014، حيث صار بديلًا لمعبر إيرز الذي يشهد التنقل عبره قيودًا مشددة. وقد أُغلق المعبر بصورة رسمية ولم يعد يُفتح إلا بشكل متقطع عقب الهجوم الذي تعرضت له القوات المصرية في شهر أيلول/سبتمبر 2014. وكما هو الحال على معبر إيرز، تسجَّل فئات معينة تشمل المرضى والطلبة وحملة التأشيرات الأجنبية على قوائم انتظار تديرها سلطات حركة حماس إلى حين إعادة فتح المعبر. وهناك أكثر من 20,000 شخص مسجل في هذه الآونة.
ساهمت منظمة الصحة العالمية بهذه الجزئية
يُعَدّ المرضى الذين يحصلون على تحويلات لتلقّي العلاج الطبي في مستشفيات الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) أو إسرائيل أو الأردن من القلة القليلة المؤهلة لتقديم طلبات للحصول على تصاريح الخروج عبر معبر إيرز. ففي شهر آب/أغسطس، قدّم المرضى 1883 طلبًا للحصول على هذه التصاريح، وهو أدنى عدد يقدم طلبات منذ شهر كانون الأول/سبتمبر 2016 بسبب البطء الذي يواكب دراسة هذه الطلبات في وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله لغايات منح الموافقة المالية عليها.[9] وكانت التخصصات الثلاثة الأولى التي قُدِّم نصف عدد الطلبات تقريبًا للحصول على العلاج فيها تشمل تخصصات الأورام وأمراض الدم وطب الأطفال.
وحصل نحو 55% من الطلبات المقدمة على الموافقة، بينما قوبلت 3% منها بالرفض. ولم يحصل أصحاب باقي الطلبات على ردود بحلول المواعيد المعينة لهم مع المستشفيات، مما أجبرهم على تأمين موعد جديد وإعادة تقديم طلباتهم للحصول على التصاريح. وبلغ معدل الموافقة على هذا النوع من الطلبات ما نسبته 53% حتى الآن هذا العام، وذلك بالمقارنة مع النسبة التي سجلت 93% في العام 2012. وهذا هو العام الخامس الذي يسجَّل فيه تراجع في نسبة الموافقات على طلبات التصاريح على التوالي.
ويأتي هذا التراجع بالتزامن مع الارتفاع التدريجي الذي طرأ على العدد الإجمالي للتحويلات الطبية وطلبات التصاريح المرتبطة بها بغية الوصول إلى مستشفيات الضفة الغربية، وذلك عقب تشديد القيود المفروضة على المرور من معبر رفح. ويمكن تفسير الزيادة التي شهدتها الطلبات التي لم تحصل على الموافقة خلال السنوات القليلة الماضية في ضوء ارتفاع عدد الطلبات التي يقدمها المرضى، والتي يجري تأخيرها، دون رفضها. وينمّ هذا الواقع عن القيود المتزايدة التي يفرزها نقص القدرات والموارد المخصصة للسلطات الإسرائيلية، بما يمكّنها من دراسة هذا النوع من الطلبات.
ووفقًا للتعليمات الإسرائيلية الجديدة التي دخلت حيز النفاذ والسريان منذ شهر أيار/مايو 2017، فقد بات يتعين على المرضى تقديم الطلبات غير المستعجلة قبل 20 يوم عمل من المواعيد المعينة لهم مع المستشفيات، وهي ضعف المدة التي كانت محددة قبل صدور هذه التعليمات.
وقد سُمح لـ22 مريضًا و20 مرافقًا بالدخول إلى مصر على مدى الأيام القليلة التي فُتح معبر رفح خلالها في شهر آب/أغسطس. وهذا يعني أن ما مجموعه 1,200 مريض غادروا قطاع غزة عبر معبر رفح منذ مطلع العام 2017. وفي المقابل، كان ما يزيد على 4,000 شخص من سكان القطاع يمرون من معبر رفح إلى مصر في كل شهر لأسباب صحية قبل شهر تموز/يوليو 2013. ولم تدخل أي مساعدات أو وفود طبية إلى قطاع غزة من معبر رفح خلال شهر آب/أغسطس.
خضع تنقل الطواقم الإنسانية من غزة وإليها لعدد متزايد من القيود التي عاقت قدرتهم على الإشراف على العمليات والتدريبات وتنسيقها على الوجه الملائم.
وفيما يخص جميع الفلسطينيين الآخرين، فعلى الموظفين المحليين الذين يعملون لدى الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية الدولية الحصول على تصاريح تتيح لهم الخروج من قطاع غزة عبر معبر إيرز. وفي شهر آب/أغسطس، حصلت نصف طلبات التصاريح على الموافقة. وفي المقابل، لم يرد أي رد الطلبات المتبقية عند حلول مواعيد السفر المقررة. ورُفض طلب واحد فقط. ويتوافق هذا الوضع مع التأخير الذي طرأ على منح التصاريح منذ بداية هذا العام، حيث سجل ارتفاعًا عن عدد التصاريح التي صدرت في العام 2016.
وفي شهر أيلول/سبتمبر 2017، أبلغت السلطات الإسرائيلية الهيئات المعنية بأن الوقت اللازم لدراسة التصاريح طويلة الأمد سيمتد إلى 55 يوم عمل، وتصاريح السفر إلى الخارج إلى 70 يوم عمل. وهذا بمثابة تغيير في الفترة التي كانت تبلغ 14 يومًا في مطلع العام 2017، والتي جرى تمديدها إلى 26 يومًا قبل صدور هذا الإعلان الأخير. ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، يشكل هذا التأخير جانبًا من إجراءات الفحص الأمني التي باتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تُجريها على نحو يتسم بقدر أكبر من الصرامة. ومن جانب آخر، جرى تمديد فترة سريان التصاريح طويلة الأمد من ستة أشهر إلى تسعة أشهر كحد أقصى.
كما أعلنت السلطات الإسرائيلية، في شهر تموز/يوليو 2017، عن سلسلة من القيود الإضافية التي فرضتها على المواد التي يستطيع الأشخاص حملها معهم أثناء مغادرتهم عبر معبر إيرز، ولا سيما الأجهزة الإلكترونية بخلاف الهواتف المحمولة، ومستلزمات النظافة والمواد الغذائية، بدءًا من شهر آب/أغسطس. وتحظر هذه القيود على الموظفين اصطحاب أجهزة الحاسوب المحمولة معهم، مما يعطل عملهم ويمس كرامتهم. وقد اعترضت هيئة الأمم المتحدة على هذه التدابير، وهي ما تزال تسعى لإلغائها على الفور.
تخرج محمود، 24 عاماً، من كلية القانون في جامعة الأزهر في العام 2015، وتقدم للحصول على منحة لدراسة "إدارة الصراع والعمل الإنساني" في معهد الدوحة للتعليم العالي في قطر. وكان محمود واحداً من 20 طالبًا فقط، والفلسطيني الوحيد الذي قُبل طلبه من بين الطلبات التي قدمها 3,500 طالب تقدموا للحصول على هذه المنحة من جميع أنحاء العالم. وتغطي المنحة عامين، وتشمل جميع تكاليف السفر والإقامة والتعليم، كما توفر الفرصة للطلبة المتميزين للعمل كمدرسين أثناء دراستهم وبعد تخرجهم.
وقد تمكّن محمود في شهر آب/أغسطس، وبعد المحاولة الثالثة، من التسجيل لدى مكتب تسجيل المسافرين بوزارة الداخلية في غزة لكي يغادر قطاع غزة عبر مصر من خلال معبر رفح. كما ساندته اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة في التنسيق مع سلطات حركة حماس من أجل تنسيق مغادرته عبر المعبر.وبالنظر إلى ساعات العمل غير المنتظمة على معبر رفح ولكونه مغلقاً في أغلب الأوقات، طلب محمود "كتاب عدم ممانعة" من مكتب الممثلية الأردنية في رام الله ليتمكن من السفر عبر جسر الملك حسين بدلًا من السفر عبر معبر رفح. وقد حصل محمود على الموافقة على ذلك بعد أسبوعين. ولكن محمود يحتاج إلى تصريح لمغادرة غزة عبر معبر إيرز من السلطات الإسرائيلية لكي يتوجه إلى لأردن، مع أنه كان يعلم أن نسبة ضئيلة من الطلاب نجحوا في الحصول على تصريح كهذا. ومع ذلك، قدم محمود طلبًا وظل يراجع الوزارة دون أن يحصل على أي رد.
واستُهِل طرح المساقات التمهيدية الإجبارية في الدوحة في يوم 17 أيلول/سبتمبر، واضطر محمود إلى الحصول على إعفاء بسبب عجزه عن السفر. وبدأت المحاضرات في يوم 24 أيلول/سبتمبر مع فترة سماح تصل إلى يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن على الرغم من تعاطف المعهد مع محمود، فسوف تُسحب منه المنحة إن لم يتمكن من الحضور إلى قطر بحلول ذلك التاريخ.
وفي محاولة أخيرة منه للحصول على تصريح للمرور عبر إيرز، يسعى محمود إلى الحصول على مساعدة من منظمة حقوقية إسرائيلية للدفاع عن حرية الحركة (مسلك). ووفقاً لمسلك، قدم 362 طالبًا من غزة، ممن قُبلوا للدراسة في كليات وجامعات في الخارج، طلبات للحصول على تصاريح لمغادرة غزة عبر معبر إيرز منذ شهر كانون الثاني/يناير 2017، وقد مُنحت الموافقة على 73 طلبًا، بينما رفضت سبعة طلبات وأعيدَ 50 طلبًا أو وُضع قيد المراجعة. وما يزال 239 طلبًا قيد الانتظار. وفي هذا السياق، تنصح لجنة الشؤون المدنية الفلسطينية في غزة الطلبة بتقديم طلباتهم قبل 50 يوم عمل من موعد سفرهم لكي ترفعها إلى السلطات الإسرائيلية واتخاذ القرار بشأنها، غير أن هذه المدة غالباً ما تكون غير كافية بسبب التأخير الذي يواكب النظر في تلك الطلبات.
[7] عدد "المغادرات" أعلى بكثير من العدد الفعلي للأشخاص، حيث أن بعض حملة التصاريح يعبرون المعبر أكثر من مرة أثناء سريان التصاريح التي يحملونها.
[8] خلال شهر أيلول/سبتمبر، دخلت البضائع عبر معبر رفح، بما شمله ذلك من 16 مليون لتر من السولار لصالح محطة توليد الكهرباء في غزة.
[9] يبدو أن ذلك يندرج في سياق الخلاف المستمر بين حكومة رام الله وسلطات الأمر الواقع في غزة.