تتناول المقالة الرئيسية التي يشملها عدد نشرة الشؤون الإنسانية لهذا الشهر إحتياجات إعادة التأهيل التي تلزم الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، ممن أُصيبوا بجروح خطيرة منذ يوم 30 آذار/مارس خلال المظاهرات التي شهدتها ’ مسيرة العودة الكبرى‘بمحاذاة السياج الحدودي مع إسرائيل. وتشير التقديرات إلى أن ما يربو على 1,400 فلسطيني قد يعانون من إعاقات طويلة الأمد بسبب جسامة الإصابات التي تعرضوا لها. وتتولى وزارة الصحة في غزة تنسيق تقديم الرعاية التأهيلية للمرضى الذين غادروا المستشفيات، بدعم من مجموعة من المنظمات الشريكة في مجموعة الصحة. ويأتي هذا العبء الإضافي الذي يقع على كاهل النظام الصحي في غزة، والذي يعاني من الهشاشة في الأصل، في ضوء ظروف معيشية متردّية ونقص حادّ في التمويل اللازم للوكالات الإنسانية.
ويكمن أحد أبعاد الظروف المعيشية المزرية في قطاع غزة في ظروف السكن غير اللائق، والتي تتناولها مقالة أخرى تَرِد في نشرة هذا الشهر. فقد خلص مسح أجرته مجموعة المأوى إلى أن نحو 19,700 وحدة سكنية مأهولة حاليًا في حالة يتعذّر ترميمها وإصلاحها، مما يستدعي إعادة بنائها من جديد، بينما جرى تحديد 24,000 منزل آخر على أنها في حاجة إلى تقديم المساعدات العاجلة لتوفير المأوى لأصحابها. فخلال الأعمال القتالية التي شهدها العام 2014، تعرّض ما يقرب من 171,000 منزل في غزة لدرجات متفاوتة من الأضرار (وهذا لا يشمل المنازل التي جرى تدميرها بشكل كامل). وما يزال نحو 60,000 منزل من هذه المنازل بإنتظار ترميمها. ويُعَدّ شُحّ الموارد المالية الناجم عن إرتفاع معدلات البطالة والفقر السبب الرئيسي الذي يقف وراء إنتشار المساكن غير اللائقة. وقد أسهمت القيود التي ما تزال إسرائيل تفرضها منذ أمد بعيد على إستيراد مواد البناء إلى غزة في إنتشار هذا الوضع، على الرغم من أن إسرائيل سمحت بدخول الأصناف المقيَّدة تحت رقابتها. وتفرِز هشاشة الأوضاع السكنية أثرها على السلامة الجسدية للأشخاص المتضررين وعلى صحتهم ورفاههم، وهي تشكّل مصدر قلق رئيسي في حال وقوع موجة جديدة من عمليات التهجير الجماعي في سياق الأعمال القتالية، بالنظر إلى أن معظم الاشخاص المهجَّرين يُستضافون في منازل خاصة في العادة.
وفي الضفة الغربية، يفرِز تشريع جديد مخاطر جمّة تتمثل في تحجيم قدرة الأفراد ومنظمات حقوق الإنسان على الطعن في عمليات الهدم أو المصادرة التي تطال الممتلكات الفلسطينية في المنطقة (ج) والقدس الشرقية. ففي شهر نيسان/أبريل 2018، صدر أمر عسكري يتيح هدم المباني الجديدة وغير المرخصة في المنطقة (ج) في غضون 96 ساعة من إصدار إخطار بإزالتها. وقد جرى تجميد تنفيذ هذا الأمر، إلى حين صدور قرار من محكمة العدل الإسرائيلية بشأنه. وفضلًا عن ذلك، يهدّد قانون سُنَّ خلال العام الماضي بزيادة معدلات الهدم ومبالغ الغرامات المالية بصورة معتبرة في القدس الشرقية بدءًا من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث من المقرر أن يسري على المباني السكنية القائمة في المدينة، والتي تطالها الأوامر التي صدرت بهدمها. ويشكّل هدم المنازل وغيرها من المباني بحجة إفتقارها إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية، والتي يُعَدّ الحصول عليها من ضرب المستحيل، محورًا أساسيًا من محاور البيئة القسرية التي تُفرض على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، كما يثير خطر الترحيل القسري الذي يمسّ الكثيرين.
ومن العوامل الأخرى التي تزيد من تفاقم البيئة القسرية في القدس الشرقية إستيلاء المنظمات الإستيطانية الإسرائيلية على الممتلكات الواقعة في الأحياء الفلسطينية. وتتناول إحدى المقالات الواردة في نشرة هذا الشهر الأثر الناجم عن هذه الممارسة في منطقة بطن الهوى المكتظة بالسكان، حيث إستوطن نحو 200 إسرائيلي في مبانٍ مختلفة فيها. وقد أدّى التوتر الذي نجَم عن هذا الإستيطان إلى فرض قيود على التنقل والإعتقالات والحبس المنزلي وأوامر الإبعاد، مما دفع ببعض السكان الفلسطينيين إلى الإنتقال من هذه المنطقة، ولا سيما بسبب خوفهم على سلامة أطفالهم.
وخلال الأيام الأولى من شهر تموز/يوليو، تبنّت السلطات الإسرائيلية سلسلة من التدابير والقيود، تمهيدًا لهدم تجمُّع الخان الأحمر-أبو الحلو البدوي الفلسطيني. في أعقاب التماس جديد رفعه سكان هذا التجمع، أصدرت محكمة العدل العليا أمرًا مؤقتًا يقضي بمنع عملية الهدم، إلى أن تقدّم الحكومة ردّها بحلول يوم 11 تموز/يوليو على الاقل. ويُعَدّ هذا التجمع واحدًا من 18 تجمعًا يقع في منطقة خُصِّص جزء منها لخطة (E1) الاستيطانية الإستراتيجية أو بجوارها. ومنذ يوم 1 تموز/ يوليو، وقعت 11 عملية هدم في تجمعات سكانية أخرى في مختلف أنحاء الضفة الغربية، مما أدى إلى تهجير 59 فلسطينيًا، بمن فيهم 37 طفلًا، وإلحاق الضرر بما يزيد على 200 آخرين.
وفي بيان صدر في يوم 5 تموز/ يوليو، قال السيد جيمي ماكغولدريك، المنسق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة: "إن ما نشهده اليوم على الأرض يبعث على الإنزعاج الشديد. فعمليات الهدم تخلِّف آثارًا مدمّرة على الأُسر وعلى التجمعات. وتثير عمليات الهدم هذه الإستياء على نحو خاص لأنها تستهدف تجمعات تعيش في الأصل في ظروف صعبة للغاية، وتسودها مستويات عالية من الإحتياجات الإنسانية. إنني أدعو السلطات الإسرائيلية مرةً أخرى إلى وقف عمليات الهدم وغيرها من التدابير التي قد تؤدي إلى ترحيل الفلسطينيين قسرًا عن مناطق سكناهم."