شهدت الفترة الواقعة بين يوميْ 11 و13 تشرين الثاني/نوفمبر إحدى أخطر جولات الأعمال القتالية في قطاع غزة وشمال إسرائيل منذ التصعيد الذي شهده العام 2014. وقد أسفرت هذه الجولات عن مقتل 15 فلسطينيًا، من بينهم ثلاثة أطفال على الأقل (أحدهم بسبب صاروخ أطلقه فلسطينيون)، وجندي إسرائيلي واحد. وتمّ تدمير أو أصاب الضرر عشرات المنازل في غزة وجنوب إسرائيل، ما أدى إلى تهجير 33 أُسرة فلسطينية و15 أُسرة إسرائيلية. وقد تمّ التوصل إلى وقف غير رسمي لإطلاق النار في يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر، بدعم من مصر والأمم المتحدة، وهو ما يزال ساريًا. ومنذ ذلك اليوم، طرأ تراجُع ملحوظ على مستوى العنف وأعداد الضحايا المرتبطة به خلال مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘ المستمرّة بالقرب من السياج الحدودي المحيط بغزة، بما يشمل إطلاق العبوات الحارقة باتجاه إسرائيل.
ومن التطورات الإيجابية الإضافية التي شهدها قطاع غزة توريد الوقود الذي تموّله قطر من قبل الأمم المتحدة، حيث شكّل ذلك تحسنًا كان موضع ترحيب، وإن كان مؤقتًا، على صعيد إمدادات الكهرباء. وقد مكّن هذا الوقود محطة غزة لتوليد الكهرباء من تشغيل توربينيْن إضافيين وأتاح تأمين إمدادات الكهرباء لفترة تتراوح من 16 ساعة إلى 18 ساعة في اليوم، بالمقارنة مع فترة كانت تقلّ عن خمس ساعات في السابق. وحسبما يتبيّن في أولى مقالات نشرة الشؤون الإنسانية لهذا الشهر، فقد أسهم هذا الوضع في تحسين تقديم الخدمات الأساسية، ولا سيما في قطاعيْ المياه والصرف الصحي، اللذين شهدا زيادة بلغت 40 بالمائة في تزويد المياه المنقولة بالأنابيب وإرتفاعًا وصل إلى 20 بالمائة في إنتاج مياه الصرف الصحي المعالَجة، وذلك من جملة أمور أخرى طرأ عليها التحسُّن.
وفي الوقت الذي ما يزال فيه مقدّمو الخدمات الأساسية والمنقِذة للحياة يعتمدون على وقود الطوارئ الذي تموّله الجهات المانحة وتوزّعه الأمم المتحدة من أجل تشغيل المولدات الإحتياطية، فقد طرأ إنخفاض ملموس على الكميات المطلوبة بفضل زيادة إمدادات الكهرباء. ومع ذلك، وحتى وقت كتابة هذه النشرة، أستُنفد التمويل المتاح للإبقاء على برنامج وقود الطوارئ الذي تديره الأمم المتحدة، وما لم يَجْرِ تأمين مساهمات إضافية على الفور، فمن المتوقع أن تنضب إمدادات الوقود في المنشآت الحيوية خلال شهر كانون الأول/ديسمبر.
كما سمح الدعم القطري لما يربو على 27,000 موظف مدني، عيّنتهم الحكومة التي تديرها حماس في قطاع غزة منذ العام 2007، بتلقّي دفعات من رواتبهم في مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر وللشهر الثاني على التوالي. وهذه الدفعات جزء من إلتزام بلغ 90 مليون دولار ويُسدَّد على مدى ستة أشهر. وكان أكثر من 90,000 موظف من موظفي السلطة الفلسطينية وحماس في غزة يعانون من الحرمان من رواتبهم، أو عدم إنتظام دفعها، على مدى أعوام عدة، وهو عامل يرتبط بالإنقسام السياسي الداخلي الفلسطيني ويسهم في زيادة مستويات الإحتياجات في غزة.
وعلى الرغم من هذه التطورات المشجّعة، فما تزال الأوضاع الإنسانية في غزة تعكس صورة قاتمة. فقد وصلت البطالة خلال الربع الثالث من العام 2018 إلى 54.9 بالمائة، وهو أعلى معدل يُسجَّل في غزة على الإطلاق، ويمثل أحد العوامل الرئيسية وراء إنعدام الأمن الغذائي. وحسبما يَرِد بالتفصيل في مقالة أخرى من المقالات الواردة في نشرة هذا الشهر، تشير النتائج الأولية التي خلص إليها مسح شامل أُجريَ خلال العام 2018 إلى أن ما يزيد على 68 بالمائة من الأُسر في قطاع غزة، أو نحو 1.3 مليون شخص، يعانون من إنعدام الأمن الغذائي، وهو ما يشكّل زيادة تُقدَّر بتسع نقاط مئوية بالمقارنة مع الرقم الذي يقابلها في العام 2014. ويأتي هذا على الرغم من أن نحو 70 بالمائة من الأُسر في غزة تحصل على شكل من أشكال المساعدات الغذائية أو أشكال أخرى من التحويلات الإجتماعية من الهيئات الحكومية الفلسطينية أو المنظمات الدولية.
وبينما تخفّ وطأة الأوضاع الإنسانية في الضفة الغربية عما هي عليه في غزة، فقد شهد العام 2018 كذلك إستمرار الصراع والعنف، والترحيل القسري، ومنع الوصول إلى سبل العيش، من جملة شواغل أخرى. وتتناول المقالة الأخيرة في نشرة هذا الشهر الزيادة التي طرأت على عدد الحوادث التي أفادت التقارير بأن القوات الإسرائيلية و/أو المستوطنين الإسرائيليين نفذوها بالقرب من المدارس الفلسطينية في الضفة الغربية منذ بداية العام الدراسي. وتشمل هذه الحوادث تأخير الطلبة ومضايقتهم، وإندلاع إشتباكات مع القوات الإسرائيلية، وإقتحامات عنيفة وعمليات بحث داخل المدارس. وعدا عن إصابات جسدية وما يترتب عليها من غياب عن المدرسة، تؤثر هذه الحوادث على الأطفال من الناحيتين الإجتماعية والنفسية، وتسبّب لهم التوتر والصدمات وتقوّض إحساسهم بالأمان، مما يجعل التعلّم أمرًا صعب المنال في نهاية المطاف. كما أدى تصعيد الأعمال القتالية، الذي إستمر على مدى يومين، حسبما ذُكر أعلاه، إلى تعطيل الدراسة في غزة وجنوب إسرائيل.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة في التصريحات التي أدلى بها بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: "في هذا اليوم، بالتحديد، يعتصر الألم قلوبنا إزاء معاناة الناس في غزة. فنحو مليوني فلسطيني ما يزالون يكابدون الفقر والبطالة المتزايدة، وليست لديهم سوى قدرة محدودة على الوصول إلى ما يكفيهم من خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء. ولا يرى الشباب بصيص أمل في مستقبل أفضل. وأحثُّ إسرائيل على رفع القيود عن حركة الأشخاص والبضائع، والتي تعوق أيضًا مساعي الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الإنسانية، دون تهديد المخاوف الأمنية المشروعة. وأدعو حماس والجماعات المسلحة الأخرى إلى وقف الحشود العسكرية في غزة، بما يشمل إطلاق الصواريخ والعبوات الحارقة عشوائيًا باتجاه إسرائيل. وفي هذا اليوم العالمي للتضامن، دعونا نعيد التأكيد على إلتزامنا بالتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني وبالعمل على بناء مستقبل يتحقق فيه السلام والعدالة والأمن والكرامة للفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء."