في يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2018، أطلق مجتمع العمل الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2019، وهي عبارة عن مناشدة لتقديم 350 مليون دولار لتمويل تقديم المساعدات والحماية لـ1.4 مليون فلسطيني جرى تحديدهم على أنهم الأكثر ضعفًا. وتُعَدّ هذه المناشدة أقلّ بكثيرمن خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018 (والتي بلغت 540 مليون دولار تقريبًا)، على الرغم من إرتفاع مستوى الإحتياجات الإنسانية، ولا سيما في قطاع غزة. وحسبما تبيّنه نشرة هذا الشهر على وجه التفصيل، يعكس هذا التقليص محاولة لإيلاء الأولوية للإحتياجات الأكثر إلحاحًا في مواجهة مستويات متدنية غير مسبوقة في التمويل خلال العام 2018 والتحديات المتزايدة التي تحول دون قدرة الوكالات الإنسانية على مزاولة عملها أكثر من أي وقت مضى، إلى جانب الوعي بأن هذه القيود قد لا تشهد تحسُّنًا في المستقبل المنظور.
ويشكّل تزايُد الهجمات التي ترمي إلى نزع الصفة الشرعية عن العمل الإنساني، والتي تمثّل أحد التحديات التي تواجه الوكالات الإنسانية، الموضوع الذي تتناوله مقالة أخرى من المقالات الواردة في نشرة هذا الشهر. وتُلقي هذه المقالة الضوء على مسح أُجريَ مؤخرًا وشمِل المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث يبيّن أن معظم هذه المنظمات تعرّضت لاتهامات باطلة بارتكاب مخالفات للتشريعات بشأن مكافحة الإرهاب وإتخاذ إجراءات سياسية ضد إسرائيل، مما نتج عنها طائفة من الآثار السلبية على أنشطتها. ومن جملة هذه الآثار ضرورة تخصيص الوقت والموارد اللازمة للتعامل مع تلك المزاعم، والتي كان يمكن تخصيصها لتقديم المساعدات بخلاف ذلك، وإقدام بعض المانحين على وقف تمويل بعض العمليات بغية إيلاء الأولوية لتجنُّب المخاطر، وتلطيخ سمعة هذه المنظمات وتشويهها. وقد تفاقمت حدة هذه الآثار بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل وحماس منذ أمد بعيد على وصول العاملين في المجال الإنساني وتنفيذ العمليات الإنسانية، وبسبب التشريعات التقييدية الجديدة والهجمات التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان.
ويُعَدّ الإرتفاع الهائل الذي طرأ على أعداد الضحايا الفلسطينيين أحد العوامل الرئيسية التي وقفت وراء تدهور الأوضاع الإنسانية خلال العام 2018. فعلى وجه الإجمال، قتلت القوات الإسرائيلية ما مجموعه 295 فلسطينيًا وأصابت أكثر من 29,000 آخرين بجروح. وهذا هو أعلى عدد من الضحايا الذين يُسجَّلون في عام واحد منذ النزاع الذي شهده قطاع غزة في العام 2014، وأعلى حصيلة للمصابين منذ أن استهلّ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عمله على توثيق أعداد الضحايا في الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 2005. وسقط نحو 60 بالمائة من القتلى (180 شخصًا) و80 بالمائة من المصابين (ما يربو على 23,000 شخص) في سياق مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘، التي إنطلقت في يوم 30 آذار/مارس 2018 ولا تزال متواصلة حتى الآن.
وقد خلَّفت أعمال العنف والإصابات التي تشهدها هذه المظاهرات آثارًا متفاوتة على الرجال والنساء والفتيان والفتيات. وتتناول المقالة الأخيرة الواردة في نشرة هذا الشهر الأثر الذي نتج عن ’مسيرة العودة الكبرى‘ على النساء والفتيات الفلسطينيات، حسبما يتبيّن من تقييم سريع أعدّه صندوق الأمم المتحدة للسكان في هذا الشأن. فعلى الرغم من النسبة المتدنية نسبيًا للإصابات في صفوف الإناث، غالبًا ما تكون التبعات المترتبة على هذه الإصابات أشدّ وطأة عليهن، بسبب الأعراف الإجتماعية والثقافية المختلفة. وقد أجبر العدد الهائل للمتظاهرين المصابين، وما اقترن به من إنقطاع الكهرباء ونقص الأدوية والمعدات، المستشفيات على تسريح المرضى قبل أوان شفائهم، مما يفرض ضغطًا إضافيًا على أفراد أسرهم من الإناث، اللواتي يتوليْن المسؤولية الرئيسية عن علاج أقاربهن الذين يلازمون منازلهم ولا يبارحونها.
وعلى الرغم من إنخفاض أعداد الضحايا في الضفة الغربية خلال هذا العام بالمقارنة مع العام 2017، ففي شهر كانون الأول/ديسمبر، قُتل عدد أكبر من الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية (8 أشخاص) ممن قُتلوا في قطاع غزة (6 أشخاص). كما قتل فلسطينيون جنديين إسرائيليين، ووُلد طفل إسرائيلي قبل أوانه بعدما أُصيبت والدته بجروح في هجوم وتُوفي بعد أيام قليلة من ولادته. وشملت هذه الأحداث هجمات بإطلاق النار نفّذها فلسطينيون، وإقدام القوات الإسرائيلية على إطلاق النار باتجاه أشخاص اشتُبه في أنهم نفذوا هجمات وباتجاه أشخاص آخرين في ظروف لفّها الغموض، وتنفيذ عمليات إعتقال واسعة النطاق وإندلاع الإشتباكات بسببها. وبينما تراجعت حدة التوتر في نهاية هذا الشهر، فما زال مدخلان من المداخل الرئيسية المؤدية إلى مدينة رام الله مغلقين، وما زال تنقُّل الفلسطينيين على الطرق الرئيسية الأخرى على إمتداد الضفة الغربية يخضع للرقابة أو القيود.
وصرّح المنسق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة، جيمي ماكغولدريك، خلال إطلاق خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2019 بأنه "لا يمكن أن تحلّ التدخلات الإنسانية في فلسطين محلّ الحلول السياسية، وليس ذلك في وُسعها. فنحن بحاجة إلى حل سياسي في فلسطين، ونحن ندفع في هذا الإتجاه بكل أُوتينا من قوة في الأمم المتحدة ولدى غيرها من الأطراف. فالإحتياجات الإنسانية المتعاظمة ما تزال قائمة، وعلينا أن نقدم الإستجابة لها بصرف النظر عن المشاعر السياسية. وهذا هو السبب الذي يقف وراء حاجتنا إلى تقديم الدعم الكامل من المانحين لخطة الإستجابة الإنسانية، والذي يبلغ قدره 350 مليون دولار."