شهِد مطلع شهر أيار/مايو نشوب أخطر جولة من الأعمال القتالية في قطاع غزة وجنوب إسرائيل منذ الصراع الذي اندلع في العام 2014، وهذه هي الجولة الخامسة التي تسجَّل خلال العام الماضي. وجاء ذلك في أعقاب إصابة جندييْن إسرائيليين بجروح على يد قنّاص خلال احتجاجات "مسيرة العودة الكبرى" الأسبوعية في يوم 3 أيار/مايو، واستهداف القوات الجوية الإسرائيلية موقعًا تابعًا لحماس، مما أدّى إلى مقتل اثنين من أفرادها. وعلى مدار الأيام التالية، قصفت القوات الإسرائيلية نحو 320 هدفًا في غزة وأطلقت الجماعات المسلحة الفلسطينية ما يقرب من 700 صاروخ باتجاه إسرائيل. وقُتل 25 فلسطينيًا، من بينهم مسلّحون وأربعة نساء وطفلان، وأُصيبَ نحو 154 آخرون بجروح، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة. كما قُتل أربعة إسرائيليين وأصيب العشرات غيرهم بجروح.
ودخل تفاهُم غير رسمي لوقف إطلاق النار، والذي جرى التوصل إليه برعاية مصر والأمم المتحدة، حيّز التنفيذ في وقت مبكّر من صباح يوم 6 أيار/مايو، وهو لا يزال قائمًا حتى الآن. ووفقًا للتقييمات الأولية، فقد دُمِّرت 41 وحدة سكنية تدميرًا كليًا في غزة وتعرّضت 16 وحدة أخرى لأضرار فادحة باتت معها غير صالحة للسكن. ووُزِّعت طرود اللوازم الناشئة عن تدمير المنازل للأُسر الـ28 التي جرى تحديدها على أنها مهجَّرة داخليًا حتى الآن. كما لحقت الأضرار بنحو 13 منشأة تعليمية، ومركز صحي وشبكات كهربائية متعددة، ولا يزال العمل جاريًا على تقييم الأضرار. وإضافة عن ذلك، أفادت التقارير بأن الأضرار طالت مستشفًى وروضة ومنازل في تجمّعات سكانية داخل إسرائيل.
وتتناول أولى المقالات الواردة في نشرة هذا الشهر الآثار المستمرة التي نجمت عن حالة التصعيد التي شهدها قطاع غزة في يوم 27 آذار/مارس، والتي أسفرت عن تهجير 16 أسرة. فوفقًا للبيانات التي صدرت مؤخرًا عن مجموعة المأوى، لا يزال ما يربو على 2,200 أُسرة، أو 12,300 فرد، مهجَّرين منذ الصراع الذي شهده العام 2014، والذي أفرز أعلى معدّل من التهجير الداخلي منذ العام 1967. وقد أطلقت المجموعة مناشدةً لتقديم مبلغ قدرُه 11.4 مليون دولار من أجل غزة في خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2019، بيْد أنه لم يجرِ استلام أي تمويل يُذكر حتى نهاية شهر نيسان/أبريل، مما ترك المنظمات الشريكة عاجزةً عن تغطية أهم الإحتياجات الأساسية لدى هذه الأسر المهجَّرة.
وتتطرّق مقالة أخرى تشملها هذه النشرة إلى استشراء الفقر وعمالة الأطفال في غزة. فما نسبته 2 بالمائة من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم من 10 أعوام إلى 17 عامًا، كانوا يُستخدَمون في أعمال بدوام كامل أو دوام جزئيّ خلال العام 2018، على الرغم من أن هذه التقديرات تقلّ بالتأكيد عن النطاق الحقيقي لهذه الممارسة. وينبغي فهم ظاهرة عمالة الأطفال في سياق الوضع الإنساني المتردّي في غزة. فوفقًا للبنك الدولي، بدأ اقتصاد غزة يعيش حالةً من ’الركود العميق‘ خلال العام 2018، حيث شهد تراجعًا بلغت نسبته 7 بالمائة بالمقارنة مع العام السابق.[1]
وتذكر المقالة الأخيرة الواردة في نشرة هذا الشهر ارتفاع وتيرة هدم المباني الفلسطينية بسبب الإفتقار إلى رُخَص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية في القدس الشرقية. فلم يزل معدل عمليات الهدم يشهد ازديادًا على مدى الأعوام القليلة الماضية، حيث سجّل شهر نيسان/أبريل أعلى عدد من أعمال الهدم التي نُفِّذت على أساس شهري، وشهد يوم 29 نيسان/أبريل أعلى عدد من المباني التي تُهدم في يوم واحد في المدينة منذ أن باشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية رصد عمليات الهدم بصورة منهجية في العام 2009. وتشمل هذه الإحصائيات عمليات الهدم الذاتي، التي يُضطَر فيها أصحاب المباني إلى هدمها بأيديهم لتفادي الغرامات الباهظة، وذلك عقب صدور أوامر الهدم بشأنها.
وممّا يثير القلق بوجه خاص هدم أربعة مبانٍ في منطقة وادي ياصول بحيّ سلوان في يوم 30 نيسان/أبريل. وتواجه كل المباني في هذا الحي تقريبًا خطرًا متزايدًا بهدمها بعد أن استنفد سكاّنها جميع المساعي القانونية التي بذلوها في سبيل حماية منازلهم، مما يهدّد أكثر من 550 شخصًا، رُبعهم تقريبًا من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين. وفي يوم 3 أيار/مايو، وعقب الزيادة غير المسبوقة التي شهدتها عمليات الهدم خلال شهر نيسان/أبريل، أصدر مسؤولو الأمم المتحدة بيانًا دعوا فيه إلى وقف عمليات الهدم في القدس الشرقية على الفور واحترام القانون الدولي.
وفيما يتصل بحالة التصعيد الأخيرة، حذّر منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الذي سافر إلى القاهرة للمشاركة في المباحثات التي عُقدت مع الأطراف ذات العلاقة، من أن هذا التصعيد "يعرّض للخطر التقدّم المهم الذي أُحرِز خلال الأسابيع القليلة المنصرمة للتخفيف من معاناة الناس في غزة، ورفع الإغلاق، ودعم المصالحة الفلسطينية الداخلية." ويأتي هذا التدهور في سياق أزمة مالية متفاقمة تواجهها السلطة الفلسطينية، عقب رفضها قبول الإيرادات الضريبية الشهرية التي تجبيها إسرائيل بالنيابة عنها منذ شهر شباط/فبراير، طالما بقيت إسرائيل تخصم المبلغ الذي ترى أن السلطة الفلسطينية تدفعه لأُسر "الشهداء والأسرى". وفي بادرة إيجابية، تعهّدت دولة قطر في يوم 7 أيار/مايو بتخصيص مبلغ قدره 480 مليون دولار للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيه 300 مليون دولار لدعم البرامج التي تنفّذها السلطة الفلسطينية في قطاعيْ الصحة والتعليم، و180 مليون دولار "لتقديم الدعم الإغاثي والإنساني العاجل بالإضافة إلى دعم برامج الأمم المتحدة في فلسطين ودعم خدمات الكهرباء."
[1] World Bank, Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, 30 April 2019. “The recent deterioration has clearly exposed Gaza’s fragile state with its economic buffers almost fully depleted, following its long-term isolation.”