تسببت التدريبات العسكرية المكثفة التي نُظمت على مدى الشهرين المنصرمين وإغلاق طرق الوصول الرئيسية في تفاقم البيئة القسرية المفروضة على ما يقرب من 1,300 فلسطيني يقيمون في 12 تجمعًا رعويًا في جنوب الخليل.
وخلال العقد الثامن من القرن الماضي، صنفت السلطات الإسرائيلية المنطقة المعروفة بإسم مسافر يطا باعتبارها منطقة عسكرية مغلقة لأغراض التدريب (منطقة إطلاق النار 918) وسعت إلى تهجير التجمعات التي تقطن فيها على هذا الأساس. وما يزال سكان هذه المنطقة يخضعون لمجموعة من السياسات والممارسات التي تمسّ أمنهم الشخصي، وتقوّض سبل عيشهم وتزيد من خطر ترحيلهم القسري منها.
وتشارك في الجولة الأخيرة من التدريبات العسكرية، التي بدأت في شهر أيلول/سبتمبر 2017 وإستمرت حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر، مروحيات عسكرية تحلّق وتهبط ضمن دائرة نصف قطرها كيلومتر واحد وتضم أربعة تجمعات، هي طوبا، ومجاز، وصفي التحتا وصفي الفوقا، والتي يقطن 400 شخص فيها. وتنفَّذ غالبية هذه التدريبات خلال ساعات النهار.
ويفيد السكان بأنّ الضجيج الصادر عن المروحيات ووجود الجنود على الأرض بصورة متواصلة يسبب أثرًا ترهيبيًا عليهم، ويعطّل قدرتهم على الوصول إلى مناطق الرعي، ويثير التوتر في أوساط الأطفال ويبث الخوف في نفوسهم. كما تسببت الرياح التي تثيرها المروحيات في إلحاق أضرار جانبية بالممتلكات، مثل تطاير أعلاف المواشي.
مسافر يطا
وفي يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر، أغلق الجيش الإسرائيلي ثلاثة من أصل أربعة طرق ترابية تؤدي إلى المنطقة المغلقة. وقد حال هذا الإجراء دون قدرة السكان على الوصول إلى الخدمات، ولا سيما المياه. ولم تقدم السلطات الإسرائيلية أي تفسير لهذا الإجراء.
وبما أنّ هذه المنطقة مصنفة كمنطقة إطلاق نار وتفتقر إلى المخططات الملائمة التي تصدرها السلطات الإسرائيلية، لا ترتبط التجمعات القائمة فيها بشبكة المياه. ويعتمد السكان على جمع مياه الأمطار (عند هطولها) من خلال أحواض التجميع التقليدية وعلى الصهاريج التي تنقل المياه من نقاط التعبئة الواقعة خارج المنطقة المغلقة لكي يتمكنوا من سدّ إحتياجاتهم من المياه لأغراضهم المنزلية وسقي مواشيهم. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قدمت الوكالات الإنسانية الدعم لإمدادات المياه من المصدر الأخير من خلال إعتماد برنامج القسائم الذي يقدم الإعانات لتغطية تكلفة المياه التي يسددها المستفيدون (10 شواكل للمتر المكعب، وهو أعلى من سعر المياه المنقولة بالأنابيب بضعفين). وقد تولّى صندوق التبرعات الإنساني تمويل برنامج القسائم خلال العام 2017.
وقد تسببت إجراءات الإغلاق التي فرضت مؤخرًا في تعطيل إمدادات المياه إلى هذه المنطقة أو منعها. فقد توقف تزويد المياه لثلاثة تجمعات تقع في أقصى جنوب الخليل، وهي جنبة والمركز وحلاوة، بعد أن أُغلقت الطرق المؤدية إليها، حيث لا تستطيع صهاريج المياه الوصول إليها. وتنقل الأسر المقيمة في هذه التجمعات، والتي نفد إحتياطيها المائي، المياه من إسرائيل بتكاليف أعلى، إضافة إلى ما يتعرّض له أفرادها لخطر الإعتقال أو التغريم بسبب دخولهم إلى إسرائيل بصفة غير قانونية. وقد تمّ إستئناف توصيل المياه إلى التجمعات الأخرى في هذه المنطقة بعد بعض التأخير الذي طالها، ولكن يُضطر سائقو الصهاريج إلى سلوك طرق أطول وتنطوي على قدر متزايد من المخاطرة.
كما تتسبب إجراءات الإغلاق الجديدة في تعطيل الدراسة في المدارس الأساسية الأربعة في المنطقة. فجميع المعلمين ينتقلون إلى هذه المنطقة من بلدة يطا القريبة، التي تقع خارجها. ويتعرّض هؤلاء المعلمون، الذين يتعين عليهم قطع مسافات أطول، للتأخّر ويضطرون إلى إلغاء حصصهم الدراسية. ولا يتمكن بعض الأطفال من الوصول إلى مدارسهم التي تقع خارج المنطقة المغلقة.
ولم تتمكن عيادتان من العيادات الصحية المتنقلة الأربع في هذه المنطقة، واللتان تقعان في تجمعيّ جنبة والمركز، من مزاولة عملهما على مدى أسبوعين بسبب الصعوبات التي واجهها الفريق الطبي في الوصول إليهما، إلى أن فتح السكان طريقًا ترابيًا بديلًا.
وقد أصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر تقضي بـ’هدم‘ أو ’وقف العمل‘ في معظم المنازل وحظائر المواشي وأحواض جمع المياه وشبكات البنية التحتية في التجمعات السكانية الكائنة في مسافر يطا بحجة تشييدها دون الحصول على تراخيص البناء. ومع ذلك، فإنّ تصنيف المنطقة بإعتبارها منطقة إطلاق نار يعني أنّه من المستحيل الحصول على هذه التراخيص. وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، هدمت السلطات منزلين، أحدهما قُدّم كمساعدة في سياق الإستجابة لهدمه في مرة سابقة، ومبنى زراعي، في تجمعيّ حلاوة والركيز.
ومنذ حقبة السبعينات من القرن الماضي، أعلنت إسرائيل عما نسبته 18في المائة من مساحة الضفة الغربية، أو ما يقرب من 30 في المائة من المنطقة (ج)، مناطق إطلاق نار لأغراض التدريب العسكري. ويُحظر التواجد في هذ المناطق بموجب أمر عسكري ما لم يُمنح تصريح خاص بخلاف ذلك. وعلى الرغم من هذا الحظر، يقع ما مجموعه 38 تجمعًا رعويًا فلسطينيًا صغيرًا (من بينها 12 تجمعًا في مسافر يطا) ضمن هذه المناطق، حيث ويزيد تعداد سكانها على 6,200 نسمة. وكان عدد ليس بالقليل من هذه التجمعات قائمًا في تلك المناطق قبل فرض الإغلاق عليها.
تقرير الأمين العام، "حالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية"، (A/HRC/34/38)، 16 آذار/مارس 2017، الفقرات (22) و(27).
"إن القانون الدولي الإنساني لا يحظر فقط نقل سكان الدولة القائمة بالإحتلال إلى الإقليم المحتل، بل إنه يحظر أيضًا الترحيل القسري الفردي أو الجماعي لسكان الإقليم المحتل أو إبعادهم عنه بصرف النظر عن الدافع لذلك. فهذا الترحيل يشكّل خرقًا جسيمًا لإتفاقيات جنيف، كما أنه يُعتبر جريمة حرب."
"والترحيل القسري لا يتطلب بالضرورة إستخدام القوة المادية من قبل السلطات ولكنه يمكن أن يحدث نتيجة لظروف محددة لا تترك للأفراد أو المجتمعات المحلية خيارًا آخر غير الرحيل. ويشكّل وجود هذه الظروف ما يُعرف ببيئة الإكراه. وأي ترحيل يحدث من دون الحصول على موافقة حقيقية ومستنيرة تمامًا من قبل أولئك المتضررين يُعدّ ترحيلًا قسريًا. غير أنه لا يمكن إفتراض أن تكون الموافقة على الترحيل حقيقية في ظل بيئة تنطوي على إستخدام القوة المادية أو التهديد بإستخدامها، وعلى الإكراه والخوف من التعرّض للعنف أو الأذى."