بلغ تمويل الأنشطة الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة مستوى متدني لم يشهده من قبل. وفي أواخر شهر أيلول/ سبتمبر، تمّ تأمين مبلغ لا يتعدى 159 مليون دولار من جملة مبلغ مطلوب قدره 539.7 مليون دولار لتمويل خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018، وهي خطة تمثل الإستراتيجية متعددة الوكالات والمناشدة التي أُطلقت لتأمين التمويل لمجتمع العمل الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولم يجرِ تمويل سوى 30 بالمائة من متطلبات خطة الإستجابة الإنسانية للأرض الفلسطينية المحتلة، وهذه نسبة تقل كثيرًا عن المتوسط العالمي الحالي الذي يبلغ 42 بالمائة.
وتُعزى فجوات التمويل بالدرجة الأولى إلى التراجع الذي طرأ على المساهمات المقدّمة لوكالة الأونروا، والتي تشكّل مشاريعها ما نسبته 53 بالمائة من إجمالي المتطلبات اللازمة لخطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018. وقد ظهرت فجوات التمويل عن القرار الذي إتّخذته الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعَدّ أكبر مانح للوكالة، بتقليص الدعم المالي الذي تقدمه لها بصورة ملموسة، مما أجبر الوكالة على وقف نشاطاتها في قطاع غزة والضفة الغربية أو تقليصها (أنظر أدناه). فقد قلّصت الولايات المتحدة كل التمويل الذي كانت ترصده للأرض الفلسطينية المحتلة إلى حدٍ كبير. وفي هذا السياق، قرّرت الولايات المتحدة عدم صرف أكثر من 200 مليون دولار من الموازنة المقرّرة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للسنة المالية 2017 في الضفة الغربية وغزة، ومبلغ إضافي قدره 25 مليون دولار قد تمّ رصده لشبكة المستشفيات في القدس الشرقية، وعشرة ملايين دولار كانت مخصّصة لمجموعات التعايش الإسرائيلية والفلسطينية مؤخرًا.[1]
وبالتوازي مع الأزمة المالية غير المسبوقة التي تواجهها وكالة الأونروا، تلقّت جميع الوكالات التي طلبت التمويل من خلال خطة الإستجابة الإنسانية في العام 2018 تمويلًا يقلّ عما حصلت عليه على مدى الأعوام المنصرمة. وهذا يترك المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني في وضع ضعيف لا يتيح لها الوفاء بالإحتياجات الطارئة أو الإستجابة للتدهور الذي تشهده الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث فرض الإرتفاع الهائل الذي طرأ على أعداد الضحايا الذين أصيبوا في سياق مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘ ضغطًا إضافيًا أثقل كاهل النظام الصحي الذي يرزح تحت أعباء هائلة في غزة.
وللإستجابة لهذه الأزمة الأخيرة، أطلقت وكالات إنسانية مناشدة لتقديم مبلغ قدره 43.8 مليون دولار حتى نهاية العام 2018 من أجل تنفيذ التدخلات الطارئة، ولا سيما في إدارة عمليات الإسعاف والرعاية الصحية في حالات الطوارئ. وفي أواخر شهر أيلول/ سبتمبر، جرى تأمين نحو 52 بالمائة من هذا المبلغ المطلوب، مما يترك فجوة تصل إلى 21.1 مليون دولار.[2]
خطط الإستجابة مقابل المتطلبات
في سياق تمويل ضعيف لخطة الإستجابة الإنسانية، بات الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة [3] يتبوّأ موقعًا حيويًا أكبر باعتباره أداة تؤمّن الوفاء بالإحتياجات الطارئة، إلى جانب كونه موردًا مهمًا للمنظمات غير الحكومية الشريكة. ويمثل الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة صندوقًا مشتركًا للطوارئ، حيث يدعمه بعض المانحين الرئيسيين للأرض الفلسطينية المحتلة، ويتولّى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إدارته بالنيابة عن المنسق الإنساني.[4] وهذا الصندوق مصمَّم لرصد الأموال على وجه السرعة لحالات الطوارئ غير المتوقَّعة أو الأحداث غير الواردة في الحسبان، فضلًا عن تنفيذ أشكال الإستجابة الإستراتيجية التي تندرج ضمن خطة الإستجابة الإنسانية، ولكنها ما تزال تفتقر إلى التمويل. ولا يملك الصندوق الإنساني القدرة على التعويض عن النقص الهائل الذي تعاني خطة الإستجابة الإنسانية منه، غير أنه نجح في التخفيف من بعض أكثر الإحتياجات الإنسانية الضرورية.
وفي يوم 17 أيلول/ سبتمبر، أعلن المنسق الإنساني، جيمي ماكغولدريك، عن صرف مليون دولار من الصندوق الإنساني لصالح برنامج وقود الطوارئ الذي تديره الأمم المتحدة.[5] ومنذ العام 2013، نسّقت الأمم المتحدة تقديم وقود الطوارئ لتشغيل المولدات الإحتياطية فيما يقرب من 250 منشأة حيوية من المنشآت الصحية ومنشآت المياه والصرف الصحي في قطاع غزة. وهذا يضمن تأمين الحدّ الأدنى من الرعاية الصحية المنقِذة للحياة وتقديم خدمات المياه والصرف الصحي على الرغم من العجز المزمن في إمدادات الكهرباء. وتشمل المنشآت التي يستهدفها هذا البرنامج وحدات الجراحة ووحدات الرعاية في حالات الطوارئ، ومحطات ضخ مياه الصرف الصحي وسحب المياه من الآبار. وقد إستُنفدت الأموال التي جرى التبرّع بها خلال العام 2018 لتوريد وقود الطوارئ، حيث قدمت الأمم المتحدة آخر ما لديها من مخزون الوقود في يوم 5 أيلول/ سبتمبر، ومن المطلوب تأمين مبلغ قدره 2 مليون دولار على الأقل من الدعم الإضافي لتغطية تشغيل الخدمات الأساسية حتى نهاية العام 2018.
ويرفع هذا التمويل الأخير المبلغ الإجمالي للدعم الذي قدّمه الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة لغزة خلال العام 2018 إلى 10.5 مليون دولار.[6] وما يزال الصندوق يملك رصيدًا قدره 10.3 مليون دولار. وبالنظر إلى الأوضاع المتفاقمة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في غزة، ونقص التمويل، صرف المنسق الإنساني مبلغًا إضافيًا قدره 8.3 مليون دولار كجزء من المخصصات القياسية في يوم 22 أيلول/ سبتمبر. ومن جملة هذه المخصصات مبلغ قدره 6.3 مليون دولار للمشاريع التي تشملها خطة الإستجابة الإنسانية في قطاعات المياه والأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في غزة، و2 مليون دولار للمشاريع التي تندرج في الخطة المذكورة في مجالات الأمن الغذائي وسبل العيش، والمأوى، وحماية الأطفال والتعليم في الضفة الغربية. ومن المقرّر الإحتفاظ بالمبلغ المتبقّي، وقدره 2 مليون دولار، في وضع إحتياطي للإستجابة لحالات الطوارئ غير المتوقعة.
يستأثر التراجع الذي طرأ على تمويل وكالة الأونروا، والتي تُعدّ أكبر منظمة عاملة في المجال الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بحصة الأسد في الإنخفاض العام الذي سجّله تمويل الأنشطة الإنسانية المخصصة للأرض الفلسطينية المحتلة خلال العام 2018. ويعتمد تمويل الوكالة إعتمادًا كاملًا تقريبًا على مساهمات طوعية تقدمها دول أعضاء في الأمم المتحدة، ولا سيما تلك التي تُرصَد لموازنة برامجها التي تغطي معظم الرواتب والأنشطة المرتبطة بالخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والبنية التحتية وتطوير المخيمات والخدمات الإجتماعية في جميع مجالات عملياتها الخمس.[7] كما يُعَدّ تمويل جهات مانحة أساسيًا لتأمين المناشدات والميزانيات العاجلة التي تحتاج إليها الوكالة، والتي يشكّل معظمها جزءًا من خطة الإستجابة الإنسانية ويستجيب لإحتياجات الأشخاص المتضررين من الأزمات المتواصلة، ومن جملتها الأزمة التي تشهدها الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد إستهلّت الوكالة العام 2018 بعجز بلغ 146 مليون دولار في موازنة برامجها في جميع مناطق عملياتها في الشرق الأوسط، وذلك عقب قرار إتخذته الولايات المتحدة في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير بحجب 300 مليون دولار من المساهمة المتوقعة في مبلغ يزيد على 360 مليون دولار. وقد سبب هذا القرار أخطر أزمة مالية شهدتها الوكالة في تاريخها، حيث بات يهدد العمليات التي تنفذها. وتضرّر قطاع غزة، الذي تدير الوكالة فيه 375 مدرسة وتشغّل 13,000 موظفًا محليًا، على نحو خاص بفعل الإقتطاعات التي شهدتها الموازنة الرئيسية للوكالة. وإضافة إلى ذلك، لم تُبدِ الولايات المتحدة، التي قدمت 90 مليون دولار لتمويل الأنشطة المرتبطة بحالات الطوارئ في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال العام 2017، أي إلتزام بتمويل المناشدات والميزانيات العاجلة في العام 2018.
وترك إعلان الولايات المتحدة وكالة الأونروا تواجه عجزًا نقديًا يبلغ مقداره 446 مليون دولار في جميع مناطق عملياتها الخمس في الشرق الأوسط في نهاية العام. وقدّم ما يربو على 20 جهة من الجهات المانحة للوكالة مساهماتها للعام 2018 بغية تيسير التدفق النقدي خلال الشهور الأولى من هذا العام. ونتيجةً للجهود الإضافية والمكثّفة التي بُذلت لحشد الموارد خلال النصف الأول من العام 2018، بما فيها رصد مبلغ وقرض يبلغان نحو 30 مليون دولار من صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ، تمكّنت الوكالة من تقليص فجوة التمويل حتى نهاية العام إلى 217 مليون دولار. وعلى الرغم من هذا الإنجاز المشهود، أجبر العجز المتبقي وكالة الأونروا على وقْف عدد من أنشطتها في الضفة الغربية، بما فيها برامج النقد مقابل العمل والصحة النفسية المجتمعية والعيادات الصحية المتنقلة، وتعديل تدخلات رئيسية في قطاع غزة، بما فيها المساعدات الغذائية والنقدية التي تقدمها لما يزيد على مليون لاجئ. والأهم من ذلك أنّ الوكالة تمكنت من إعادة افتتاح مدارسها في غزة والضفة الغربية في نهاية شهر آب/أغسطس
وفي إجتماع وزاري عُقد في نيويورك في يوم 27 أيلول/ سبتمبر، نجحت وكالة الأونروا في جمع مبلغ إضافي قدره 122 مليون دولار، مما أدى إلى تقليص العجز العام الذي تعاني منه إلى 64 مليون دولار. وقالت الوكالة في بيان صحفي نشرته عقب هذا الإجتماع: "أعادت الدول الأعضاء التأكيد على الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي وإلتزامات المجتمع الدولي. وأعرب المشاركون عن دعمهم السياسي القوي للأونروا وولايتها وموظفيها والخدمات الحرجة التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين. كما أشادوا بما حققته الأونروا من إنجازات مميزة، ولا سيما في هذا العام الأخير، في تنويع التمويل وتحسين الكفاءة في برامجها."
[1] وفي بادرة إيجابية، زاد البنك الدولي الإعتمادات التي يخصصها للضفة الغربية وقطاع غزة من 55 إلى 90 مليون دولار على مدى السنة المقبلة. ومن المقرّر إستخدام جزء من هذا المبلغ لخلق ما يقرب من 4,400 فرصة عمل قصيرة الأمد. كما سرّع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من وتيرة برنامج المساعدات الإقتصادي في حالات الطوارئ، والذي يهدف إلى خلق ما يربو على 2,500 فرصة عمل فورية وقصيرة الأمد في غزة على مدى فترة تصل إلى 12 شهرًا. وتستهدف فرص العمل هذه الشباب والنساء بصفة خاصة.
[2] للإطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذه المناشدة، أنظر: مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، نشرة الشؤون الإنسانية، آب/أغسطس 2018.
[3] https://www.ochaopt.org/page/opt-humanitarian-fund
[4] في العامين 2017 و2018، ضمّ هؤلاء المانحون أستراليا وبلجيكا وألمانيا وأيسلندا وإيرلندا وإيطاليا ومالطا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا وتركيا.
[5] https://www.ochaopt.org/content/opt-humanitarian-fund-releases-us1-million-funds-avoid-collapse-services-gaza-strip
[6] كما خصّص الصندوق العالمي الذي تديره الأمم المتحدة لمواجهة الطوارئ، وهو صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ، 1.26 مليون دولار للأرض الفلسطينية المحتلة منذ بداية هذا العام.
[7] تعمل الوكالة كذلك في الأردن ولبنان وسوريا، فضلًا عن الضفة الغربية وقطاع غزة.