ما تزال الأمم المتحدة، وبدعم من المانحين، تعمل على تنسّيق توريد وقود الطوارئ اللازم لتشغيل المولدات الإحتياطية وتسيير المركبات في قطاع غزة منذ العام 2013. ويضمن هذا الأمر المحافظة على تقديم الحدّ الأدنى من خدمات الرعاية الصحية المنقذة للأرواح وخدمات المياه والصرف الصحي على الرغم من أزمة الطاقة الحادة. ومنذ مطلع العام 2018، تعطَّل تنفيذ برنامج وقود الطوارئ بسبب النقص الحاد في التمويل.
وعقب نفاد إحتياطيات الوقود بصورة كاملة تقريبًا، أعلن مشفى بيت حانون، الذي يخدم أكثر من 300,000 شخص في شماليّ غزة، عن توقّفه عن تقديم الخدمات الطبية في يوم 29 كانون الثاني/يناير. وتُعَدّ الخدمات التشخيصية التي تقدمها المشافي العامة الإثنا عشر الأخرى عرضة لتقليصها بصورة حادة. ويزيد الإضراب الذي تخوضه الكوادر الطبية في المشافي إحتجاجًا على عدم صرف رواتبهم من التهديدات التي تطال القطاع الصحي. وفي منتصف شهر شباط/فبراير، إضطُرت بلدية غزة إلى تقليص خدمة جمع النفايات الصلبة بسبب نقص الوقود، بما فيه وقود الطوارئ الذي تيسّر الأمم المتحدة الحصول عليه، مما سبب تراكم العشرات من الآلاف من أطنان القمامة في جميع أنحاء المدينة (انظر المقابلة في الصفحة 7). وبدون وقود الطوارئ، يتعرّض 55 حوضًا من أحواض مياه الصرف الصحي لخطر كبير بالفيضان، كما تراجع تشغيل 48 محطة لتحلية المياه بنحو 20 بالمائة من قدرتها التشغيلية.
وقد خفّت حدة المخاوف من نفاد التمويل المرصود لهذه المساعدات بحلول منتصف شهر شباط/فبراير 2018 عقب التبرعات التي بلغت قيمتها 3,5 مليون دولار والتي قدمتها الإمارات العربية المتحدة، والبنك الإسلامي للتنمية وقطر. وسوف تغطي هذه التبرعات ما يقرب من 54 بالمائة من المبلغ المطلوب، والذي يصل إلى 6,5 مليون دولار، لمنع إنهيار الخدمات، من خلال تأمين 700,000 لتر من الوقود في الشهر في العام 2018 لـ175 منشأة من منشآت تقديم الخدمات. ولا تشمل هذه المرافق سوى أكثر المنشآت الحيوية المنقذة للحياة، والتي تقلّص عددها من 247 منشأة كانت تتلقى الدعم في نهاية العام 2017 إلى ما لا يزيد على 48 منشأة في مطلع شهر شباط/فبراير بسبب أزمة التمويل.
وفي مطلع كانون الثاني/يناير 2018، إستأنفت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تسديد الدفعات المستحقة عن 50 ميغاوات من الكهرباء المشتراة من إسرائيل، والتي كانت قد حجبتها في حزيران/يونيو العام الماضي. ونتيجةً لذلك، تراجعت فترات إنقطاع الكهرباء بصورة طفيفة من 20 ساعة إلى 16 ساعة في اليوم. ومع ذلك، فلم يعمّر هذا التحسن طويلًا بعدما أصدرت السلطة الفلسطينية تعليماتها إلى شركة غزة لتوزيع الكهرباء بتغطية جزء من تكلفة الكهرباء المشتراة من إسرائيل من تكلفة الوقود الذي يجري شراؤه لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة. وفي يوم 14 شباط/فبراير، إضطُرت المحطة إلى وقف عملها مؤقتًا بسبب نقص الوقود، مما أعاد فترات إنقطاع الكهرباء إلى المستويات المسجّلة في النصف الثاني من العام 2017 (نحو 20 ساعة في اليوم).
تعتمد الخدمات الأساسية، كالصحة، والمياه، وإدارة مياه الصرف الصحي، والتعليم وغيره من الخدمات الضرورية، على إمدادات طاقة مضمونة ومعقولة التكلفة. وما يزال قطاع غزة يواجه أزمة مزمنة في إمدادات الكهرباء منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. وقد أدّت هذه الأزمة إلى تعطيل القدرة على تقديم الخدمات الأساسية على نحو خطير وتقويض سبل العيش والظروف المعيشية الهشّة أصلا.
ومن العوامل الرئيسية التي تقف وراء العجز في تزويد الكهرباء على مدى السنوات الأخيرة تعطُّل قدرة محطة توليد الكهرباء، وهي ثاني أكبر مزوّد للكهرباء في غزة، على العمل لأسباب تشمل الخلافات القائمة بين السلطات الفلسطينية حول تمويلها وفرض الضرائب على الوقود اللازم لتشغيلها، ووقف تهريب الوقود المصري المدعوم منذ العام 2013، ومحدودية تحصيل الدفعات المستحقة من المستهلكين، وتدمير صهاريج تخزين الوقود خلال الغارات الجوية الإسرائيلية في تموز/يوليو 2014، والقيود المفروضة على إستيراد قطع الغيار والمعدات والوقود بسبب الحصار الإسرائيلي.[1] وقد إزداد الوضع تدهورًا خلال النصف الثاني من العام 2017 عقب التقليصات المشار إليها أعلاه في تمويل السلطة الفلسطينية لإمدادات الكهرباء الواردة من إسرائيل.
وتوفّر الوكالات الإنسانية إمدادات وقود الطوارئ، التي يمولها المانحون، للحيلولة دون إنهيار أكثر المنشآت الحيوية المنقذة للحياة. ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013، بدأت هذه الإمدادات بتأمين نحو 200,000 لتر في الشهر وتوزيعها على ما يقارب 80 منشأة من منشآت المياه والصرف الصحي والصحة. ومع مرور الوقت، إرتفعت هذه الإمدادات بالتدريج إلى ما معدله 365,000 لتر في الشهر بحلول مطلع العام 2014، وإقتربت من 1,5 مليون لتر في شهر آب/أغسطس 2014 خلال الفترة التي شهدت تصعيد الصراع. وفي العام 2015، تراجعت الإمدادات إلى 480,000 لتر شهريًا في المتوسط. ومع غياب الحلول طويلة الأمد، وما يقترن بها من تراجع الإمدادات على نحو حاد، فقد طرأت زيادة كبيرة على الطلب على وقود الطوارئ. وإرتفع عدد المنشآت الحيوية التي تحتاج إلى دعم الوقود من 189 منشأة في نيسان/أبريل إلى 247 منشأة في كانون الأول/ديسمبر 2017، كما زادت كمية الوقود التي توزَّع كل شهر من 720,000 لتر في النصف الأول من العام 2017 إلى نحو 950,000 لتر في النصف الثاني من العام نفسه.
وقد أُعتُمدت هذه الأولويات لتحديد المنشآت التي سيجري إمدادها بوقود الطوارئ. وتخضع هذه القائمة للمراجعة شهريًا من قبل المجموعات المعنية ومكتب أوتشا على أساس توفر الكهرباء، وتغيُّر الإحتياجات والأولويات. وتقدم المنشآت التي تتلقى الدعم الخدمات الصحية الحيوية لـ1,27 مليون شخص، وخدمات المياه والصرف الصحي لـ950,000 شخص، وخدمات إدارة النفايات الصلبة لـ1,44 مليون شخص.
وأعدّ مكتب أوتشا لوحة متابعة ديناميكية وسهلة الإستخدام ومتاحة على شبكة الإنترنت لغايات تمكين أصحاب المصلحة من متابعة وتحليل التطورات التي تطرأ على إمدادات الكهرباء وبرنامج وقود الطوارئ، وتحديد الفجوات التي تشوبه بيسر وسهولة.
نجوان السمنة، تبلغ من العمر 35 عامًا وأم لثلاثة أطفال، من مدينة غزة. تمّ تشخيص أحد أطفالها، وهو يحيى البالغ من العمر تسعة أعوام، كمريض كلى عندما كان عمره ثلاثة شهور. وحين بلغ يحيى الخامسة من عمره، تطور المرض إلى فشل كلوي، يستدعي غسيل الكلى طوال حياته.
"يغسل يحيى كليتيه في مشفى الرنتيسي أربع مرات في الأسبوع من أربع الى خمس ساعات في كل مرة. وغالبًا ما تنقطع الكهرباء خلال العلاج، مما يؤدي إلى تجلّط الدم في الكلية ويسبب لليحيى فقدان الدم وزيادة الوزن بسبب زيادة السوائل. ومع تراكم الوزن في الجسمتنتج صعوبات في التنفس.
"وفي أحد الأيام، عندما كنا عائدين إلى البيت من جلسة العلاج، شعر يحيى بوعكة شديدة ولم يستطع أن يتنفس. وقد إعتقدتُ أنني كنتُ سأفقده. وبدأتُ أصرخ على سائق سيارة الأجرة ليعود بنا إلى المشفى لإنقاذ حياته وقد تمكنّا من ذلك. هناك عدد كبير من الأطفال الذي تُوفوا لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى المشفى في الوقت المناسب."
شدّد المهندس عبد الرحيم أبو القمبز، مدير مديرية الصحة والبيئة في بلدية غزة، على الآثار التي تخلّفها أزمة الطاقة المستمرة على القدرة على جمع النفايات الصلبة، وذلك في إجتماع مع مكتب أوتشا.
"لقد أُستُنزفت قدرتنا على جمع النفايات الصلبة بسبب نقص الوقود اللازم لتسيير شاحنات القمامة. فحتى منتصف العام 2017، كانت بلدية غزة تجمع نحو 700 طن من النفايات الصلبة في اليوم، ولكن هذه الكمية تراجعت بصورة تدريجية إلى 500 طن. وقد إضطُررنا مؤخرًا إلى جمع النفايات مرة واحدة، بدلًا من مرتين، في الأسبوع في بعض الأحياء.
"ونقدّر بأن نحو 25,000 طن من القمامة تتراكم حاليًا في الشوارع والأماكن العامة في المناطق الشرقية والجنوبية من مدينة غزة، مما يشكل مخاطر بيئية وصحية. وقد حافظنا على مستوى مقبول من العمل، خلال العام 2017، بفضل وقود الطوارئ الذي حصلنا عليه من الأمم المتحدة. وإذا إنقطع هذا الدعم، حسبما قيل لنا، فسوف يتفاقم الوضع.
"ولا يُعَدّ تأمين الوقود اللازم لتسيير الشاحنات كافيًا لحل جميع المشاكل. فصيانة هذه الشاحنات وتصليحها يعاني من قصور حاد بسبب نقص قطع الغيار وفترات إنقطاع الكهرباء الطويلة، بالنظر إلى أن هذا العمل يعتمد على الأجهزة الكهربائية. وفضلًا عن ذلك، فمن المستحيل تقريبًا إدخال شاحنات جديدة إلى غزة بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على إستيراد مركبات الخدمات.
"وتواجه البلدية أزمة مالية غير مسبوقة. ليس في وسع الأهالي دفع الضرائب البلدية المستحقة عليهم. ولذلك، فنحن لا نستطيع أن نحصّل في هذه الآونة سوى 15 في المائة تقريبًا من مدفوعات الفواتير، وهو ما يشكل تراجعًا عن النسبة التي بلغت 30 بالمائة خلال النصف الأول من العام 2017. ويُلحق هذا الأمر الضرر بتقديم الخدمات الأساسية ويقوّض القدرة على صرف الرواتب بصورة منتظمة. ففي كانون الثاني/يناير، إضطُررنا إلى تقليص الرواتب المتدنية أصلًا بما نسبته 25 بالمائة. ولكن إذا إستمر هذا الوضع على ما هو عليه، فحتى ذلك لن يكون ممكنًا. وقد طلب عدد كبير من الموظفين قروضًا من البلدية، ولكننا لا نتحمل ذلك.
"إننا قلقون إزاء إحتمال زيادة الأمراض بسبب رداءة أحوال النظافة الصحية والتي يسبّبها تراكم النفايات الصلبة. كما إننا نتلقى الشكاوى حول مشاكل الجهاز التنفسي التي تسبّبها الروائح المنبعثة من القمامة التي تُحرق في الشوارع."
[1] ويتفاقم هذا الوضع بسبب رداءة حالة شبكة التوزيع التي تتسبب في عجز كبير في إمدادات الكهرباء. وتحتاج محطة توليد الكهرباء إلى نحو 45 مليون شيكل شهريًا لتوريد الكميات الكافية من الوقود لكي تعمل بنصف طاقتها (60 ميغاوات تقريبًا). وفي هذه الأثناء، لا تستطيع المحطة سوى تأمين ما يقرب من 20-23 مليون شيكل في الشهر من خلال الدفعات التي يسددها المستهلكون.