استمرّ هدم المباني السكنية، والمباني التي تؤمّن سُبل العيش والبنية التحتية المخصّصة لتقديم الخدمات الأساسية، بحجة الافتقار إلى الرخص التي تصدرها السلطات الإسرائيلية، في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2019، هُدم ما مجموعه 136 مبنًى فلسطينيًا في الضفة الغربية، من بينها 48 مبنًى في القدس الشرقية و88 مبنًى في المنطقة (ج)، مما أدى إلى تهجير 218 شخصًا، بمن فيهم 97 طفلًا و57 امرأة.[1]
وكان ما نسبته 42 في المائة من المباني المهدومة مبانٍ سكنية، و38 في المائة مبانٍ يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم، وسبعة في المائة مبانٍ ذات صلة بقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وفي المتوسط الشهري، سجّل الربع الأول من العام 2019 معدلًا أعلى من عمليات الهدم مما شهده العامان الماضيان، مع أنه لا يزال أدنى من المعدل الذي شهده العام 2016، والذي سجّل أعلى عدد من حالات هدم الممتلكات الفلسطينية ومصادرتها منذ أن باشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية رصد هذه الظاهرة في العام 2009 (انظر الرسم البياني أدناه).
وفضلًا عن الأشخاص الذين تعرّضوا للتهجير، ألحقت عمليات الهدم الضرر بما يربو على 25,000 شخص خلال هذا العام، حيث تأثر معظم هؤلاء بسبب تدمير توصيلات إمداد المياه والآبار في خمس حوادث منفصلة خلال شهر شباط/فبراير. وفي أخطر هذه الحوادث، دمّرت السلطات الإسرائيلية، في يوم 17 شباط/فبراير، خط أنابيب مياه يبلغ طوله 750 مترًا، وكان يشكّل جزءًا من `مشروع لتزويد المياه لقريتيْ بيت دَجَن وبيت فوريك (وكلاهما في نابلس). وقد لحقت الأضرار بجميع سكان القريتين، الذين يقدَّر تعدادهم بـ18,000 نسمة. وفي حادثتين أخريين وقعتا في يوميْ 13 و15 شباط/فبراير، دمرت السلطات الإسرائيلية أو صادرت خطيْ أنابيب مياه موّلهما المانحون، من بينهما خط يبلغ طوله 1.4 كيلومتر في منطقة مَسافر يطا (جنوب الخليل)، مما ألحق الضرر بنحو 1,300 شخص في 12 تجمعًا سكانيًا، وخط يصل طوله إلى 2 كيلومتر في تجمُّع وادي أبو هندي البدوي الفلسطيني (القدس)، مما سبّب الأضرار لنحو 320 شخصًا.
وفي شهر شباط/فبراير أيضًا، لحقت الأضرار بسبل عيش 30 شخصًا في تجمّعين سكانيين بمحافظة القدس، وهما تجمُّعا الخلايلة ومخماس، بسبب هدم بئريْ مياه، كلاهما جرى التبرع به. وتعاني التجمعات السكانية المتضررة كافة من شحّ المياه ولا تملك القدرة على الحصول على ما يكفيها من إمدادات المياه، ولا سيما في فصل الصيف، كما هو الحال في العديد من القرى على امتداد الضفة الغربية، بسبب غياب شبكة مياه وصعوبة إنشاء شبكات توزيع المياه بسبب الافتقار إلى الرخص اللازمة.
وتمثّل عمليات الهدم أحد محاور البيئة القسرية التي تطال عددًا ليس بالقليل من الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وتفرِز عمليات الهدم وما يقترن بها من عوامل أخرى، بما فيها تعزيز الخطط الرامية إلى نقل التجمعات السكانية من مواقعها، وفرض القيود على الوصول إلى الموارد الطبيعية، والحرمان من البنية التحتية للخدمات الأساسية، والافتقار إلى الإقامة المضمونة، الضغط على السكان وتثير خطر الترحيل القسري. ففي القدس الشرقية، لا تزيد المساحة المخصّصة لتشييد المباني الفلسطينية عن 13 في المائة، وجانب كبير من هذه المساحة مأهول أصلًا بالمباني. وخلال الربع الأول من العام 2019، استمرّ مستوى عمليات الهدم في القدس الشرقية بنفس الوتيرة المرتفعة التي كانت عليها في العام 2018، حيث هُدم 16 مبنًى في المتوسط كل شهر. وفي القدس الشرقية والمنطقة (ج)، يجعل نظام التخطيط المقيِّد الذي تنفّذه إسرائيل حصول الفلسطينيين على رخص البناء أمرًا من ضرب المستحيل، مما يتسبّب في عرقلة تطوير السكن اللائق والبنية التحتية وسبل العيش.[2] وتلحق أضرار مباشرة بنحو 270,000 فلسطيني يقطنون في المنطقة (ج) بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل وسيطرتها على البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، من قبيل شبكات المياه والصرف الصحي، حيث يحصل نحو 95,000 شخص على ما يقلّ عن 50 لترًا من المياه للفرد الواحد في اليوم، بالمقارنة مع الكمية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، وهي 100 لتر في اليوم، بينما يحصل 83,000 شخص على مياه الشرب التي تتّسم بنوعيتها الرديئة،[3] أو يُضطَّرون إلى شراء المياه بأسعار باهظة من باعة المياه غير المنظَّمين.
"تشبه القريتان جزيرتين، تحيط بهما المستوطنات من الشمال والجنوب، ومنطقة للتدريب العسكري من الشرق، وطريق التفافي من الغرب، حيث يربط بين مستوطنتيْ ألون موريه وإيتمار، ولا يُسمح لنا باستخدامه. والجزء الأكبر من شبكة المياه التي تضررت في شهر شباط/فبراير منفَّذ في المنطقة (ب)، ويجب أن تمرّ الأنابيب لمسافة تقل عن 1.5 كيلومتر عبر المنطقة (ج)، حيث نحتاج إلى رخصة إسرائيلية لتمديدها فيها، ولا تُمنح هذا الرخصة على الإطلاق.
"ونحن لا نملك سوى مصدر واحد للمياه، وهو عبارة عن بئر تتقاسمه القريتان. وخلال السنوات القليلة الماضية، انخفضت قدرة ضخ المياه من البئر إلى ما يزيد عن النصف (من 65 إلى 29 متر مكعب في الساعة). ولذلك، باتت القريتان تحصلان على كميات أقل من المياه. ولسدّ هذه الفجوة، يُضطر السكان إلى الاعتماد على مياه الصهاريج، التي يزيد ثمنها عن ثمن مياه الصنابير. فمتوسط سعر المتر المكعب الواحد من مياه الصنابير يبلغ 5 شواكل، بينما يصل سعر المتر المكعب من مياه الصهاريج إلى 12 شيكلًا. وخصوصًا في فصل الصيف الذي يشتدّ فيه الطلب على المياه، يتعيّن علينا الانتظار لفترة تربو على شهر كامل لكي نحصل على مياه الصهاريج، بسبب التأخير وغيره من الصعوبات.
"إن الحصول على كميات كافية من المياه هو حق أساسي جدًا من حقوق الإنسان والحقوق الإنسانية. ونحن ندعو المجتمع الدولي ومجتمع العمل الإنساني إلى تقديم الدعم لنا ومساعدتنا على حل مشكلة المياه التي نعاني منها."
تضمّ منطقة مَسافر يطا في جنوبي الخليل مجموعة تتألّف من 12 تجمعًا سكانيًا، وهي تقع في منطقة تصنّفها إسرائيل منذ حقبة الثمانينات من القرن الماضي باعتبارها "منطقة إطلاق نار" لغايات التدريب العسكري الذي يُجريه الجيش الإسرائيلي. وعلى هذا الأساس، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى ترحيل هذه التجمعات من المنطقة. ويتعرّض سكان هذه التجمعات لخطر متزايد بالترحيل القسري، بسبب البيئة القسرية المفروضة عليهم.
وحسب فصول السنة، تعتمد التجمعات السكانية على جمع مياه الأمطار وعلى مياه الصهاريج، التي تُباع بأسعار لا يستطيع سكانها هذه التجمعات تحمُّلها. وتشكّل الثروة الحيوانية مصدر الدخل الرئيسي لهؤلاء السكان، حيث تشير التقديرات إلى أن القطعان التي يملكونها مجتمعةً تزيد عن 25,000 رأس من الخراف والماعز، التي تستهلك نحو 75 في المائة من المياه.
وقد عملت منظمات دولية غير حكومية مختلفة مع التجمعات المذكورة على مشاريع لتوزيع المياه من أجل التغلب على شح المياه فيها. ففي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، أنشأت منظمة العمل لمكافحة الجوع، وبفضل التبرعات التي قدّمها الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة، شبكة لتزويد التجمعات بإمدادات المياه. وقد أمّنت هذه الشبكة المياه بأسعار مخفَّضة وبجودة أعلى لتلك التجمعات، غير أنها لم تُشغَّل إلا لفترة بلغت ثلاثة أشهر قبل أن تدمر السلطات الإسرائيلية أنابيب المياه في شهر شباط/فبراير 2019.
وتقول شفاء أبو عرام، وهي إحدى المستفيدات من الشبكة ومن سكان المنطقة: "نحن ندفع الكثير من الأموال للحصول على المياه. وقد جعلتنا الشبكة نشعر بقدر أكبر من الأمان. كنّا نحصل على المياه في الوقت الذي نحتاج إليها فيه، وكنا نسقي مواشينا التي تشكل مصدر دخلنا الرئيسي. ودون هذه الشبكة، يجب علينا أن نقلّص استخدامنا للمياه وأن نهمل بعض الأنشطة. فعلى سبيل المثال، نغسل ملابسنا مرة واحدة في الأسبوع، ولكن عندما تكون المياه متوفرة، فنحن نغسلها كل يومين. لقد كانت السعادة تغمرنا، ولكن الشبكة الآن مدمَّرة فعليًا، وبِتنا نتكبد المعاناة مرة أخرى."
بين شهريْ تموز/يوليو 2018 وآذار/مارس 2019، أغلقت السلطات الإسرائيلية نحو 12 منفذ مياه غير مرخَّص كان يخدم المزارعين في بردلة، مما ألحق أضرارًا جسيمة بسُبل عيشهم. وفي الآونة الأخيرة، أفادت مصادر من المجتمع المحلي بأن السلطات الإسرائيلية أغلقت منفذ مياه غير مرخص في يوم 6 آذار/مارس 2019، حيث كان يُستخدم في ريّ 1,150 دونمًا، مما ألحق الضرر بـ47 مزارعًا. ووفقًا لمحافظة طوباس، كان الفلسطينيون يزرعون نحو 15,000 دونم من الأراضي في شمال غور الأردن، بيْد أن هذه المساحة تقلّصت خلال الأعوام القليلة الماضية بنحو 50 في المائة إلى ما يقرب من 8,000 دونم، بسبب شح المياه، والإمكانية المحدودة المتاحة أمام المزارعين الفلسطينيين للوصول إلى المياه وتخصيصها بكميات أكبر بكثير لصالح المستوطنين الإسرائيليين. وفي الإجمال، تقدِّر محافظة طوباس بأن كمية المياه المخصصة للمستوطنين الإسرائيليين في هذه المنطقة تزيد عن تلك التي يحصل عليها الفلسطينيون بثمانية أضعاف في الساعة.
[1] وبالإضافة إلى ذلك، هُدم مبنيان سكنيان كإجراء عقابي، أحدهما يقع في المنطقة (أ) والآخر في المنطقة (ب)، مما أدى إلى تهجير ثمانية أشخاص.
[2] وفقا لما تكرر التأكيد عليه في تقارير سبق أن أصدرها الأمين العام ولجنة القضاء على التمييز العنصري، يقوم نظام التخطيط الذي تتبنّاه إسرائيل على التمييز ولا يتماشى مع الشروط التي يقتضيها القانون الدولي. تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفي الجولان السوري المحتل، آذار/مارس 2018، الفقرة 29.
[3] نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية، ص. 23.