إنّ تكرار الصراع وما يتبعه من أضرار تصيب المرافق التعليمية وتدميرها في قطاع غزة يتسبب في تعطيل الخدمات والتأثير على السلامة النفسية في أوساط الأطفال والمعلمين.[1] كما يتأثر النظام التعليمي في غزة سلبًا بالحصار المفروض عليها منذ 11 عامًا وبإستمرار الفشل في التوصل إلى مصالحة داخلية فلسطينية حقيقية، على الرغم من الإتفاق الذي وُقع برعاية مصرية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017. وتحدد خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018 ما يزيد على 450,000 طالب ومعلم في المدارس الأساسية والثانوية والروضات بإعتبارهم ’أشخاص محتاجون‘. ولا يحقق نحو 50 في المائة من الطلبة (الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا) إمكاناتهم التعليمية الكاملة، بمعنى أن الآثار النفسية التي خلّفتها الأعمال القتالية أدت إلى تراجع النتائج المتوخاة من التعلم وإلى صعوبات في القراءة والكتابة.[2]
وتعاني المدارس في غزة من إكتظاظ شديد، حيث تعمل ما نسبته 70 في المائة من مدارس الأونروا و63 في المائة من المدارس التي تديرها وزارة التربية والتعليم بنظام الفترتين. وهذا يقلص عدد ساعات التدريس المتاحة في المواضيع الأساسية والتعلم التأسيسي. كما يفرز هذا الوضع صعوبات يواجهها الطلبة في التركيز على دروسهم وتزايد مستويات العنف في المدارس. وإضافة إلى الغرف الصفية المكتظة، فالوقت المتاح لتعزيز التعلم، ودعم الطلبة الذين يعانون من بطء في التعلم، وتنفيذ البرامج التعليمية العلاجية أو النشاطات اللامنهجية يكون محدوداً.
ووفقًا لوزارة التربية والتعليم العالي، تستدعي الحاجة تشييد 86 مدرسة جديدة، وإضافة 1,081 غرفة صفية إلى المباني المدرسية القائمة بحلول العام 2021 من أجل خلق بيئة تعليمية آمنة وملائمة. وفي نهاية شهر نيسان/أبريل 2018، أعلنت الوزارة أنها ستبني 100 مدرسة جديدة تابعة للسلطة الفلسطينية في غزة وتحسِّن نظام الروضات، الذي يقدم خدماته لـ66,150 طفلًا في 683 روضة. وفي هذه الآونة، لا ينتظم سوى 30 في المائة من صغار الأطفال (3-6 أعوام) في الروضات المرخّصة في غزة، مما يتسبب في إهمال الكثيرين في هذه المرحلة الحرجة من مراحل التعلم والتطور الشامل.
يتراجع أداء الطلبة ودافعيتهم بفعل السياق العام الذي تعيشه غزة، بما يشمله ذلك من تواصل إنقطاع الكهرباء وتوزيعها بنظام الحصص، والسكن غير اللائق، والظروف المعيشية الرديئة والحرمان الإقتصادي.
ويقلّص العجز الحاد في إمدادات الكهرباء، والذي يتسبب في إنقطاعها لفترة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، وقت الدراسة المتاح للطلبة ويحدّ من قدرتهم على التركيز والتعلم. كما يترك أثرًا سلبيًا على حقهم وقدرتهم على الحصول على التعليم في مدارسهم ومنازلهم، ويزيد من معدلات التسرّب من المدارس. ويتعرض الأطفال الذين يتسربون من المدارس لخطر عمالة الأطفال أو الإنخراط في نشاطات تهدد حياتهم، مما يؤدي إلى زيادة المطالب المعتمدة على نظام الحماية المثقل بالأعباء في الأصل.
ووفقًا لوزارة التربية والتعليم العالي، هناك حاجة لمبلغ قدره 130,000 دولار في كل شهر من أجل تشغيل المولدات التي تيسر لـ253,263 طالبًا التعلم في بيئة مدرسية مناسبة، وإستخدام مختبرات العلوم والحاسوب وحضور دروس التدريب المهني. وفي العام 2017، طلبت الوزارة من مجموعة التعليم تقديم الدعم المالي لضمان إجراء إمتحانات التوجيهي بما يتوافق مع المعايير المقبولة في التعليم. وإستجابت المجموعة بتقديم 10,000 لتر من وقود الطوارئ للوزارة. كما يتسبب إنقطاع الكهرباء في وقف محطات تحلية المياه العشر التي تشغّلها الوزارة في المدارس لتأمين مياه الشرب المأمونة للطلبة عن العمل. ويشير الوضع الإجتماعي والإقتصادي المتدهور في غزة إلى أن تكلفة التعليم العالي تشكّل عبئًا ثقيلًا على معظم الأسر: فنحو 20,000 خريج في غزة لم يُمنحوا شهاداتهم بسبب عجزهم عن تسديد جميع الأقساط الجامعية وغيرها من الرسوم المستحقة عليهم.
في أعقاب إستيلاء حماس على مقاليد السلطة في قطاع غزة في العام 2007، أجبرت السلطة الفلسطينية الآلاف من موظفي القطاع العام الذين تدفع رواتبهم، بمن فيهم المعلمين، على التوقف عن مزاولة عملهم، أو جرى إستبدالهم بموظفين عموميين وظفتهم سلطات غزة ولا تدفع السلطة الفلسطينية رواتبهم. وجُمِّدت المئات من المشاريع الحكومية في القطاع، وأقتُطعت بنود الموازنة التي ترصدها السلطة الفلسطينية لفروع الوزارات فيه، بما فيها وزارة التربية والتعليم العالي. وفي سياق إتفاق المصالحة الذي وُقع في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، عاد 1,200 موظف من موظفي وزارة التربية والتعليم العالي إلى مزاولة عملهم، بمن فيهم 800 معلم، غير أن الوزارة أعلنت حاجتها الماسّة إلى توظيف 231 معلمًا جديدًا للعام الدراسي 2017/2018 لسد النقص في عدد المعلمين. وهناك أيضًا خطر يتمثل في إحتمال توقُّف المعلمين عن مزاولة عملهم إن لم تُدفع رواتبهم أو لم يُنقلوا إلى مدارسهم. وحاليًا، لا تتوفر موازنة تشغيلية لتعيين معلمين بدلاء لتغطية إجازات الأمومة وغيرها من الإجازات العرضية، وهو ما يُلحق الضرر بنحو 54 ألف طفل. وهناك حاجة ماسّة للتأكد من حصول المعلمين العائدين والمعيّنين حديثًا على التدريب المناسب لتدريس المنهاج المدرسي الجديد.
توفر وكالة الأونروا، في هذه الآونة، التعليم الأساسي لما مجموعه 271,161 طالبًا من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في 275 مدرسة في جميع أنحاء قطاع غزة. ويسجل هذا العدد زيادة تبلغ 10,000 طالب بالمقارنة مع العام الدراسي 2016/2017. وقد أدى الوضع الإقتصادي والإجتماعي إلى إنتشار الفقر وإرتفاع نسبة البطالة في غزة، وتنحدر الغالبية العظمى من طلاب مدارس الأونروا من أسر فقيرة وضعيفة. كما توظّف الوكالة نحو 8,800 معلم في مدارسها.
ومن أجل إستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة وتوفير بيئة ملائمة للتعلم لهم، يتعين على وكالة الأونروا مواصلة الإستثمار في البنية التحتية لمنظومتها التعليمية، وتحسين الوصول إلى مياه الشرب المأمونة، ومرافق الصرف الصحي وإمدادات الكهرباء على أساس دائم. وهناك حاجة لنحو خمس مدارس تعمل بنظام الفترتين كل عام، إضافة إلى إعادة تأهيل المباني المدرسية القائمة.
وتضيف الأعداد المتزايدة للطلبة الملتحقين بمدارس الأونروا عبئًا إضافيًا على كاهل البرنامج التعليمي الذي ترعاه الوكالة، ولا سيما في السياق الراهن الذي يشهد تقليص التمويل إلى حدٍ كبير: حيث تواجه الوكالة أخطر عجز في تاريخها الذي يمتد على مدى 68 عامًا عقب القرار الذي إتخذته الولايات المتحدة، وهي المموِّل الرئيسي للأونروا، بتقليص إلتزامها المالي للعام 2018 بصورة ملموسة. وبينما أمّنت الأونروا ما يكفي من التمويل لإستكمال العام الدراسي الحالي والمحافظة على تقديم الخدمات الأساسية الأخرى في الصيف، فلم يجرِ تأمين العمليات التي ستنفذها الوكالة خلال النصف الثاني من هذا العام، بما فيها الخدمات التعليمية التي تقدمها. وهذا يهدد إستمرار النطاق الحالي للبرنامج التعليمي الذي تنفذه الوكالة وجودته. وقد نشهد أيضًا الغرف الصفية المكتظة، وإرتفاع نسبة المعلمين إلى الطلبة وزيادة معدلات التسرّب من المدارس. وقد لا تملك الأونروا القدرة على الإحتفاظ بذات المستوى من الدعم المتخصص الذي تقدمه للطلبة من ذوي التحصيل المتدني أو الطلبة من ذوي الإعاقات. وقد تضطر الوكالة، كذلك، إلى إجراء إقتطاعات إضافية على أعمال الصيانة الدورية الضرورية، والمولدات، ومرافق الصرف الصحي، إضافة إلى تقليص عدد الحراس والمشرفين في المدارس.
يعمل السيد رياض لبّاد مديرًا لمدرسة الكامل الثانوية للبنين منذ العام 2006.
"يوجد في مدرستنا 950 طالبًا ونحو 50 موظفًا. وجميعنا نعاني من الوضع الإقتصادي وإنقطاع الكهرباء، مما يؤثر على التحصيل الأكاديمي للطلبة. ويتسرّب بعض الطلبة من المدرسة للعمل، بينما يعمل آخرون بعد الدوام المدرسي في الليل لمساعدة أسرهم.
ولا يستطيع بعض المعلمين الوصول إلى المدرسة لأنهم لا يملكون المال لدفع تكاليف المواصلات. وهم إما لا يتلقون رواتبهم على الإطلاق أو يُقتطع منها في الحالات التي يتقاضونها.
ومنذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، لم نتلقَّ سوى 300 شيكل كمصاريف تشغيلية من وزارة التربية والتعليم العالي، ولا يغطي هذا المبلغ أعمال الصيانة أو القرطاسية أو الإحتياجات الأخرى. وللتأقلم مع إنقطاع الكهرباء، فقد استطعنا أن نؤمّن موافقة وزارة المواصلات، التي تقع بجوارنا، على تزويد المدرسة بخط كهرباء من مولداتها الإحتياطية. ولا يكفي هذا الخط لإنارة الغرف الصفية، ويمثل تزويد الوقود للمولد، الذي يحتاج إلى نحو 2,5 لتر من الوقود في الساعة، مشكلة أخرى. وكان أهالي الطلبة يساعدوننا في تأمين الوقود، ولكن الوضع الإقتصادي بات سيئًا جدًا الآن، بحيث لم يعُد في وسعهم تقديم هذه المساعدة.
وقد قلّصنا النشاطات اللامنهجية إلى الحد الأدنى لكي نخفّض المصاريف، وهي نشاطات يدعمها الأهالي أيضًا. وخلال الأسبوع الماضي، فاز 45 طالبًا من طلابنا بالمراكز الأولى في عدد من المسابقات. ولسوء الحظ، فلم نتمكن من مكافأتهم، ولم يكن في وسعنا إلاّ أن نطبع شهادات لهم. ونحن لا نستطيع الإستمرار في عملنا إلاّ بفضل مساهمة الأهالي الذين ساعدونا في توفير أوراق الإمتحانات وتنفيذ بعض أعمال الصيانة، وبفضل المعلمين الذين ما يزالون ملتزمين بأداء الطلبة وتحصيلهم على الرغم من هذا الوضع."
[1] في الصراع الذي شهده العام 2014 في غزة، لحقت الأضرار بما مجموعه 1,175 منشأة تعليمية. وقتل ما يقرب من 987 طالبًا و60 معلمًا، وأصيب 3,497 طالبًا و108 معلمين بجروح.
[2] الدراسة التي أعدتها وزارة التربية والتعليم العالي حول أثر الحصار على التعليم 2006-2016، غزة، آذار/مارس 2016.