نتج عن مظاهرات اليوم التي تم تنظيمها بمحاذاة السياج الحدودي لإسرائيل مع قطاع غزة أكبر عدد من القتلى والجرحى منذ انطلاق موجة الاحتجاجات في سياق "مسيرة العودة الكبرى" في 30 آذار\مارس. ولغاية الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم نفسه، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بمقتل 55 فلسطيني، بينهم ستة أطفال (منهم فتاة)، على يد القوات الإسرائيلية. وشملت حالات الوفاة أيضا أحد العاملين في مجال الصحة، بالإضافة إلى آخرين قتلوا في ظروف غامضة في قصف مدفعي اسرائيلي. ووفقا لوزارة الصحة أيضا، أصيب ما يقارب 2,771 شخص، من بينهم 1,359 بالذخيرة الحية، وصفت حالة 130 منهم بالحرجة. وقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريز عن عميق قلقه من "التصعيد الحاد للعنف" و"العدد الكبير للقتلى والمصابين الفلسطينيين خلال المظاهرات المنظمة في غزة."
وتكافح المنشآت الطبية في غزة في التعامل مع العدد الكبير من الضحايا. وقال مساء اليوم المنسق الإنساني، السيد جيمي مكغولدريك، بعد زيارته مستشفى الشفاء: "أنا قلق للغاية بسبب المأساة التي تتجلى في غزة. ان الفرق الطبية في الشفاء منهكة بسبب التعامل مع المئات من الإصابات، بمن فيهم نساء وأطفال. فقد بلغت قدرتهم حدودها وهم يستنفذون المستلزمات الطبية الأساسية. والأمر المقلق على وجه الخصوص، هو أن المستشفيات الحكومية في غزة لديها ما يكفي من مخزون الوقود لمواصلة العمل لمدة تقل عن أسبوع واحد."
وقد تزامنت مظاهرات اليوم مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بشكل رسمي؛ كما وينظم احتجاج يوم غد في الذكرى الـ70 لما يطلق عليها الفلسطينيون "نكبة 1948". ومن المتوقع أن تكون هذه ذروة الاحتجاجات الجماهيرية التي تُنظم أيام الجمعة منذ 30 آذار\مارس. وترقباً لهذه الأحداث، نشرت السلطات الإسرائيلية قوات إضافية وأسقطت منشورات من الجو في كافة أرجاء غزة، تحذر فيها الفلسطينيين من عدم الاقتراب من السياج الحدودي أو إلحاق الضرر به.
وقد شهد اليوم قطاع غزة، إضراباً شاملاً أغلقت فيه المؤسسات العامة أبوابها، بما فيها المدارس والمصارف والمحال التجارية. وقدرت مصادر محلية عدد المتظاهرين بنحو 35,000 متظاهر، وهو رقم يفوق بكثير الأرقام الموثقة في الأسابيع المنصرمة، حيث تجمع المتظاهرون في حوالي 15 نقطة مركزية تبعد بضعة مئات من الأمتار عن السياج الحدودي. وتوجه مئات المتظاهرون الفلسطينيون من نقاط التجمع هذه نحو السياج الحدودي، حيث أحرقوا الإطارات وألقوا الحجارة باتجاه القوات الإسرائيلية، وأطلقوا طائرات ورقية مشتعلة باتجاه الأراضي الإسرائيلية. وردت القوات الإسرائيلية، التي ضمت قناصة، بإطلاق العيارات المعدنية المغلفة بالمطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية.
وقتلت القوات الإسرائيلية في سياق المظاهرات الجارية منذ 30 آذار\مارس 97 فلسطينياً، بينهم اثني عشر طفلا. وعلاوة على ذلك، قُتل 13 فلسطيني خلال الفترة ذاتها في ظروف أخرى، ستة منهم تعرضوا لإطلاق النار عند السياج الحدودي أو بعد اجتيازه دخولا إلى إسرائيل، والذين تحتفظ السلطات الإسرائيلية بجثثهم، بحسب التقارير. وتجاوز إجمالي عدد الجرحى 12,271، منهم 6,760 نقلوا إلى المستشفيات. وشملت الإصابات 3,598 (53 في المائة) إصابة بالذخيرة الحية. وأصيب اليوم جندي إسرائيلي بجروح طفيفة كان قد اصطحب على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج. وتعتبر هذه الإصابة الأولى في الأوساط الإسرائيلية لغاية اللحظة.
وقد أثار هذا العدد الكبير من الضحايا في أوساط المتظاهرين، وتحديداً النسبة العالية من الإصابات بالذخيرة الحية، المخاوف بشأن الاستخدام المفرط للقوة، ودعوات لتحقيقات مستقلة تتمتع بالشفافية في هذه الحوادث، بما فيها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة. كما وصرحت إسرائيل أن آلية تقصي الحقائق ستنظر باستخدام القوة، بما في ذلك حوادث إطلاق النار المميت.
وطالب المنسق الإنساني بالأمس بحماية الفلسطينيين في سياق المظاهرات، ولا سيما الأطفال والعاملون في مجال الصحة، وقال ان رد القوات الإسرائيلية على المظاهرات الفلسطينية يجب أن يتماشى مع التزاماتها وفق القانون الدولي. وصرح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عقب ضحايا هذا اليوم أنه "يجب احترام الحق بالحياة ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة هذه، وعلى المجتمع الدولي ضمان تحقيق العدالة للضحايا."
هذا وقالت السلطات الإسرائيلية أن العديد من القتلى في المظاهرات السابقة هم أعضاءً في حركة حماس ومجموعات مسلحة أخرى. كما وأشارت السلطات الإسرائيلية اليوم إلى أنها ردت على محاولات لاختراق السياج الحدودي وإطلاق نار من غزة قد تعرضت له قواتهم، وبأن ثلاثة من قتلى اليوم كانوا يحاولون زرع عبوات ناسفة بمحاذاة السياج الحدودي في رفح. وفضلاً عن ذلك، أفادت التقارير بأن نيرانا قد أضرمت في الجانب الإسرائيلية في 35 حادثة، بزعم حدوثها جراء الطائرات الورقية المشتعلة.
كما تم اغلاق معبر كرم أبو سالم لأجل غير مسمى، وهو النقطة الرئيسية لدخول البضائع إلى غزة وخروجها منها، وذلك عقب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالجانب الغزي من المعبر من قبل الفلسطينيين في 11 أيار\مايو. ولكن أشارت السلطات الإسرائيلية بأن المعبر ستفتح أبوابه لمرور البضائع المصنفة "كاحتياجات إنسانية مختارة" والتي تُنظر كل حالة فيها على حدة. وكانت السلطات الإسرائيلية قد سمحت بالأمس بدخول سبعة شاحنات إلى غزة، ست منها على الأقل محملة بمستلزمات طبية. وحذرت الوكالات الإنسانية من أن الإغلاق المطوّل للمعبر سيؤدي إلى تفاقم الحالة المأساوية القائمة للخدمات وسبل العيش في غزة. ولم تدخل أية بضائع إلى غزة اليوم عبر كرم أبو سالم أو إيرز. وأشارت مصادر إسرائيلية وفلسطينية أن أضرارا إضافية لحقت معبر كرم أبو سالم عندما دخل متظاهرون فلسطينيون الموقع للمرة الثالثة خلال عشرة أيام.
وقد فُتح معبر رفح الذي يربط بين قطاع غزة ومصر أمام المسافرين بشكل استثنائي في كلا الاتجاهين لمدة ستة أيام هذا الأسبوع، وهي الفترة الأطول التي يتم فيها فتح المعبر منذ سنة 2014. وقد سمحت السلطات المصرية يوم السبت بدخول 102 شاحنة محملة بالبضائع، منها 80 شاحنة محملة بمواد بناء، عبر بوابة صلاح الدين، غربي معبر رفح.
ونُشرت قوات إسرائيلية إضافية أيضاً في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ترقباً للمظاهرات المنددة بنقل السفارة الأمريكية وإحياءً لذكرى النكبة. وتظاهر اليوم مئات الفلسطينيون في رام الله ونابلس والخليل وغيرها من المناطق، وقد وقع عدد محدود نسبياً من المواجهات عند حواجز عسكرية مختلفة. وتشير التقارير الأولية إلى إصابة 33 فلسطيني في سياق هذه المواجهات عند حاجز قلنديا.
حددت الجهات الإنسانية الفاعلة ثلاثة مجالات للتدخلات اللازمة للاستجابة للاحتياجات العاجلة التي تنجم عن الاحتجاجات المتواصلة، وهي: تقديم الرعاية الصحية الفورية والمنقذة للحياة، ورصد انتهاكات محتملة تتعلق بالحماية والتحقق منها وتوثيقها، وتوسيع نطاق تقديم خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي للأشخاص الذين أصيبوا بجروح أو لحق بهم الضرر بخلاف ذلك. وقد جرى طلب مبلغ بقيمة 5.3 مليون دولار أمريكي للاستجابة للاحتياجات الإنسانية التي ستظهر لغاية 31 أيار 2018. ولغاية اللحظة، تم توفير 2.2 مليون دولار من صندوق التبرعات الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة، في حين خصص صندوق الأمم المتحدة المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ مبلغ 1.26 مليون دولار في الأسبوع الماضي.
وتعتبر الاستجابة في مجال الصحة الأولوية الرئيسية، بالنظر الى الارتفاع الكبير في عدد الضحايا والظروف السيئة التي يمر بها قطاع الصحة في غزة. وترقباً لاحتدام المواجهات في غزة اليوم، عززت وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطينية من نقاطها الطبية المتقدمة وذلك عبر فرق طبية وأسرّة وموارد طبية إضافية. وبدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أقيمت خيام صحية تحتوي على 30-40 سرير في سبع مستشفيات تابعة لوزارة الصحة للتعامل مع التدفق المتوقع للجرحى.
وقد طلبت وزارة الصحة من مصر تزويد مستشفيات غزة بالأدوية والمستلزمات الطبية لحالات الطوارئ، بالإضافة إلى إرسال فرق طبية متخصصة في مجالات جراحة الأوعية الدموية وطب العظام والتخدير والعناية المكثفة. كما وطالبت وزارة الصحة بنقل المرضى إلى مستشفيات متخصصة في مصر بسبب العدد المتزايد من الذين أجريت لهم عمليات جراحية معقدة تتطلب تدخلات علاجية غير متوفرة في القطاع.
ومنذ انطلاق المظاهرات في 30 آذار\مارس، وثقت منظمة الصحة العالمية أعدادا متزايدة من الهجمات على المنشآت والطواقم الطبية. وحتى تاريخ 13 آذار\مارس، سُجلت 211 هجمة على عاملين في مجال الصحة بينما كانوا يسعفون العدد الكبير من الجرحى في المظاهرات المنظمة بمحاذاة السياج الحدودي، تسعة من هؤلاء قد أُصيبوا بعيارات نارية، و13 بقنابل الغاز المسيل للدموع، و189 أخرون أُصيبوا نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع. كما تعرضت 25 سيارة إسعاف للأضرار. وقد دعت منظمة الصحة العالمية مجدداً اليوم، عقب وفاة أحد العاملين في مجال الصحة، الى حماية كافة العاملين في مجال الصحة والمنشآت الطبية .