* ساهم قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في كتابة هذا القسم
لم تزل إنقطاعات الكهرباء لفترات تتراوح من 18 إلى 20 ساعة يوميًا في جميع أنحاء قطاع غزة خلال شهريّ أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر تقوّض القدرة على تقديم الخدمات الأساسية. ففي قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، أدّت المساعي المتواصلة التي بذلتها الوكالات الإنسانية إلى تزويد 154 مرفقًا حيويًا بوقود الطوارئ لتشغيل المولدات الإحتياطية إلى تحسّن محدود في بعض المؤشرات الرئيسية خلال شهر أيلول/سبتمبر بالمقارنة مع الشهور التي سبقته. فقد شهدت كمية المياه المزودة عبر الأنابيب للأسر زيادة طفيفة، كما طرأ تحسّن على عمل محطات تحلية المياه، إلى جانب تراجع بسيط في مستويات التلوث في مياه الصرف الصحي التي يجري تصريفها في البحر. ومع ذلك، فما تزال مؤشرات شهر أيلول/سبتمبر أدنى بكثير من المعايير المتدنية أصلًا والتي تمّ تسجيلها خلال الربع الأول من العام 2017.[1]
ومع أنّ التمويل المخصّص لوقود الطوارئ كان مُرضيًا، فما يزال تمويل تدخلات عاجلة أخرى في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية يشهد نقصًا، مما يجعل الوضع العام محفوفًا بمخاطر بالغة. وتواجه المناشدة التي أُطلقت في مطلع شهر تموز/يوليو 2017 لتقديم التمويل العاجل لقطاع غزة والتي طُلب فيها 25 مليون دولار لتنفيذ التدخلات في قطاعات المياه والصرف الصحي والصحة والأمن الغذائي، عجزًا يصل إلى 10.8 مليون دولار، وهو مبلغ ضروري لتغطية المتطلبات غير المتصلة بالوقود. وتقدّر الوكالات العاملة في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية بأنّ ما يقرب من 1.45 مليون شخص في قطاع غزة معرضون لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه بسبب إستهلاك المياه غير الآمنة. وخلال أشهر فصل الشتاء، قد تؤثر المخاطر الناجمة عن الفيضانات التي تسببها الأمطار وتداعياتها على نحو 500,000 شخص.
تتسبب الإنقطاعات في الكهرباء منذ شهر نيسان/أبريل 2017 بشكل مباشر في إنقطاع إمدادات مياه الأنابيب عبر شبكات البلديات، حيث يقلص نقص الكهرباء إستخراج المياه الجوفية من الآبار، ويعوق تشغيل المعدات اللازمة لضح المياه من خلال الشبكة، وضخها من الشبكة إلى خزانات المياه على أسطح المنازل بسبب إنخفاض الضغط، ولا سيما في المباني التي تتألف من عدة طبقات. وعلى مدى الشهور القليلة الماضية، كانت المياه المنقولة بالأنابيب تزوَّد لمدة تتراوح من أربع إلى ست ساعات مرة واحدة كل ثلاثة إلى خمسة أيام في معظم المناطق.
الحصول على المياه المزوَّدة عبر الأنابيب
لترواحد للفرد في اليوم
وبفضل زيادة تزويد وقود الطوارئ، بلغ متوسط كمية المياه المزوّدة للأُسر في شهر أيلول/سبتمبر 71 لترًا للفرد في اليوم، وهي زيادة تمثّل 34% بالمقارنة مع المتوسط الشهري الذي كان سائدًا خلال الفترة الواقعة بين شهريّ نيسان/أبريل وآب/أغسطس، ولكن هذا المتوسط ما يزال أدنى من المتوسط المقابل في الربع الأول من هذا العام (84 لتر للفرد في اليوم)، وأدنى بكثير من المعيار الموصى به عالميًا، وهو 100 لتر للفرد في اليوم.[2]
وتمثّل هذه الأرقام متوسطًا ينطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، مع أنها تخفي وراءها فروقًا واسعة حسب المنطقة. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط تزويد المياه في محافظة رفح 40 لترًا للفرد في اليوم خلال شهر تموز/يوليو 2017، وهو نصف الرقم المقابل في محافظة شمال غزة (80 لتر للفرد في اليوم). وبما أنّ محطة إستخراج المياه من الخزان الجوفي تقع في المنطقة الغربية من قطاع غزة، وتلك مسافة بعيدة عن رفح، يستدعي إنخفاض ضغط المياه توفير مضخات كهربائية، لحقت بها أضرار إضافية بسبب تزايد وتيرة إنقطاع الكهرباء.
كمية المياه في جميع محافظات غزة
لترواحد للفرد في اليوم
يُستعمل الماء المنقول عبر شبكات البلديات في معظمه لأغراض منزلية أخرى غير الشرب والطهو لأنه يحتوي على نسبة عالية من الملوحة بسبب الإستخراج الجائر من الخزان الجوفي في غزة، والذي يُعَدّ المصدر الوحيد للمياه الطبيعية. وفي هذه الآونة، تستوفي نسبة تقل عن 5% من جميع كميات المياه المستخرجة من الخزان الجوفي في غزة المعايير المعترف بها دوليًا لمياه الشرب.
ونتيجة لذلك، لا يملك نحو 90% من سكان قطاع غزة خيارًا سوى شراء المياه المحلّاة لأغراض الشرب والطهو من مزودي المياه من القطاع الخاص بصورة رئيسية. وعدا عن الواقع الذي يقول إن جودة هذه المياه موضع شك، فإنّ تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه المشتراة يتراوح من 30 إلى 50 شيكلًا، بالمقارنة مع 1-1.3 شيكل للمياه المزودة عبر الشبكة. وهذا يزيد من الأعباء المالية التي تواجهها الأسر الفقيرة.
وقد تسبّب التدهور الذي طرأ على إمدادات الكهرباء منذ شهر نيسان/أبريل في تقليص الإنتاج بصورة ملموسة في جميع محطات تحلية المياه في قطاع غزة إلى نسبة لا تزيد على 55% من طاقتها القصوى التي تبلع 20,000 متر مكعب في اليوم. وكما هو الحال بالنسبة إلى إمدادات المياه المنقولة بالأنابيب، شهد إنتاج محطات التحلية زيادة متواضعة خلال شهر أيلول/سبتمبر، غير أنه ما يزال يقف عند نصف المستوى المسجل في شهر آذار/مارس 2017 تقريبًا، قبل بداية الأزمة الحالية.
كمية المياه المحلّاة المنتَجة في الشهر
بآلاف الأمتار المكعبة
تركت طائفة متنوعة من العوامل، بما فيها العجز في إمدادات الطاقة والقيود التي تفرضها إسرائيل على الإستيراد في سياق الحصار، مرافق معالجة مياه الصرف الصحي عاجزةً عن العمل بكامل طاقتها. كما تسبّب إنقطاع الكهرباء الذي تضاعف منذ شهر نيسان/أبريل وما نجم عنه من تحديات في المواءمة بين عمل مختلف مكوّنات نظام الصرف الصحي، في تقويض قدرات هذه المرافق.
وقد أدّى هذا الوضع إلى تراجع جودة ما يقرب من 108 مليون لتر من مياه الصرف الصحي التي تُلقى في البحر المتوسط كل يوم، مما يؤدي إلى إرتفاع نسبة التلوث في البحر ويزيد من المخاطر الصحية والبيئية.
وكانت مستويات التلوث التي خضعت للقياس في شهر أيلول/سبتمبر تقل بما نسبته 10% عن المتوسط الشهري في الفترة الواقعة بين شهريّ نيسان/أبريل وآب/أغسطس، غير أنها ما تزال أعلى من المتوسط الذي كان سائدًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2017، وأعلى بأكثر من أربعة أضعاف من المعيار الدولي للصحة البيئية.
لقد تسبب تراجع كميات المياه المتوفرة لأغراض الشرب وغيره من الأغراض المنزلية، عبر الشبكة أو من خلال محطات التحلية، في تفاقم المخاطر الصحية، ولا سيما في أوساط الأسر الفقيرة. وتشمل هذه المخاطر خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه بسبب إستهلاك المياه الملوثة و/أو نتيجة للتراجع الذي يطرأ على ممارسات النظافة الصحية. ويُعَدّ مرض الإسهال المنتشر بين الأطفال تحت سن الثالثة مؤشرًا عامًا على تدني مستوى إستهلاك المياه. فقد إرتفع عدد الحالات الموثّقة بصورة ملحوظة منذ شهر نيسان/أبريل وقفز إلى ما يزيد على 4,200 حالة في شهر تموز/يوليو. وإنخفض عدد هذه الحالات إلى نحو 4,000 حالة في شهر آب/أغسطس و3,300 حالة في شهر أيلول/سبتمبر. ويمكن أن يكون هذا الإنخفاض بسبب العمل المتواصل على توزيع وقود الطوارئ، وما قترن به من تراجع الطلب مع نهاية فصل الصيف.
مستويات تلوث مياه الصرف الصحي المتدفقة إلى البحر
(بالميكروغرام/لتر للطلب على الأكسجين البيولوجي*)
منى، أم لسبعة أطفال، رفح
تسكن منى، التي تبلغ من العمر 44 عامًا، مع زوجها وأطفالها السبعة في حي عرابية في مدينة رفح. وتعتمد غالبية الأسر في هذه المنطقة على العمل في قطاع الزراعة، الذي يتقاضى العاملون فيه أجرهم بالساعة، بمن فيهم زوج منى. ومنى ربة منزل تعتني بطفلتيها ها سما، أربعة أعوام، وسارة، عامان تقريبًا، بالإضافة إلى خمسة أطفال آخرين في سن الدراسة.يتقاضى زوج منى مبلغًا يصل إلى 20 شيكلًا في اليوم، حيث يصرف معظمه على تأمين وجبة الطعام اليومية لأسرته، والتي تتألف في العادة من الخضار والحبوب، إلى جانب الحليب لأطفاله الصغار. "في أحيان كثيرة، لا آكل أنا وزوجي لكي نوفر الطعام لأطفالنا. وفي بعض الأحيان، أستبدل الحليب بالشاي عندما لا أملك ما يكفي من المال." كما أن شراء الدواء عندما يمرض الأطفال يُعَدَ صراعًا بحد بذاته.
ومنذ شهر نيسان/أبريل، تحصل الأسرة على ثلاث ساعات من الكهرباء في اليوم، وليس ست ساعات كماكانت تزوَّد لها في السابق. وعلى خلاف معظم المنازل المجاورة، فان منزل منى موصول بشبكة المياه، ومن المفترض أن تزوَّد المياه المنقولة بالأنابيب للمنزل مرتين في الأسبوع لساعات قليلة. وتقول منى: "عمليًا، نحن لا نحصل على المياه في معظم الأحيان". "فبسبب الضغط المنخفض، لا تصل المياه إلى الخزانات على السطح، وهي تستدعي توفير مضخة كهربائية، ولكن تزويد المياه والكهرباء نادرًا ما يحدث في وقت واحد".
وتشتري منى، شأنها شأن معظم الأسر في المنطقة، المياه من بئر زراعية خاصة قريبة، والتي تكون أغلى بخمسة أضعاف من المياه التي تزودها البلدية وهي تفتقر إلى أي شكل من أشكال السلامة أو ضبط الجودة. وبعد أن أصيبَ الأطفال بداء الجيارديا المعوي والإسهال، وهما مرضان ينتقلان بالمياه، صارت منى تشتري المياه المحلّاة من بائع من القطاع الخاص. ويُعَدّ شراء 60 لترًا من المياه في اليوم لقاء 3 شواكل للتر الوحد أغلى بخمسين مرة تقريبًا من المياه التي تزودها الشبكة ويستهلك 15% من دخل الأسرة. وتقول منى: "لا أعتقد أنّ هذا الماء أيضا نظيف جدًا، ولكنه الخيار الوحيد".
ساهمت منظمة أوكسفام، الشريكة في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في كتابة هذا القسم
[1] جميع الأرقام المتصلة بقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية مقدَّمة من صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بالنيابة عن مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، ما لم ترِد الإشارة إلى خلاف ذلك.
[2] يقدَّر أن نسبة التسرب من شبكة المياه تتسبب في فقدان ما نسبته 33% من المياه المنتَجة من مصادرها قبل أن تصل إلى المنازل.