في العام 1994، إتفقت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على نطاق صيد مسموح به لغاية 20 ميلًا بحريًا.[1] وعلى أرض الواقع، لم تسمح إسرائيل بالصيد إلاّ ضمن منطقة يبلغ مداها 12 ميلًا بحريًا حتى العام 2006، عندما جرى تقليص منطقة الصيد إلى ستة أميال بحرية، وإلى ثلاثة أميال بحرية بعد ذلك. ووفقًا للسلطات الإسرائيلية، "أنشأت حماس قوات بحرية تتمتع بقدرات عسكرية معتبرة، وقد بدا ذلك واضحا خلال عملية "الجرف الصامد" عندما تسللت قوة مغاوير بحرية تابعة لحماس إلى إسرائيل وإكتُشف وجودها على مقربة من قرية إسرائيلية. واستدعى هذا الوضع من إسرائيل أن تشدد قيودها الأمنية في البحر لمنع هجمات مماثلة في المستقبل."[2]
ومنذ إبرام إتفاق وقف إطلاق النار في أعقاب الأعمال القتالية في آب/أغسطس 2014، جرى تثبيت حدود منطقة الصيد عند ستة أميال بحرية، مع توسيعها إلى تسعة أميال بحرية على إمتداد الساحل الجنوبي (بين خان يونس ورفح) مرتين في العام خلال موسم صيد سمك السردين، من نيسان/أبريل حتى حزيران/يونيو ومن أيلول/سبتمبر حتى تشرين الثاني/نوفمبر. وقد أدّى توسيع حدود منطقة الصيد خلال العامين 2016 و2017 إلى زيادة كميات الصيد الإجمالية بصورة ملموسة، حيث سجلت أعلى مستويات تصل إليها على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية. ومع ذلك، فما تزال هذه الكميات محصورة بصورة رئيسية في سمك السردين ذي القيمة المتدنية، الذي يصعب على الصيادين معه الحصول على دخل يعتاشون منه. وفضلًا عن ذلك، تثير الممارسات التي توظفها قوات البحرية الإسرائيلية، وبدرجة أقل البحرية المصرية، لفرض القيود على الوصول، بما فيها إطلاق الذخيرة الحية، طائفة من الشواغل المتعلقة بالحماية.
في سياق يشهد إستشراء البطالة وإنعدام الأمن الغذائي، ما يزال قطاع صيد الأسماك يشكّل مصدرًا مهمًا من مصادر العمل. ويُعد السمك، ولا سيما السردين، مصدرًا رئيسيًا من مصادر البروتين والمغذيات الدقيقة وأحماض أوميغا-3 الدهنية للفلسطينيين في غزة، كما يسهم في التنوع الغذائي. وفي العام 2017، أشارت التقديرات إلى أن ما نسبته 40 بالمائة من الأسر في غزة كانت تعاني من إنعدام الأمن الغذائي بدرجة حادة أو متوسطة،[3] في الوقت الذي بلغت فيه معدلات البطالة 43,6 بالمائة،[4] ولا سيما في أوساط الفئات الضعيفة، كالنساء والشباب.
ووفقًا لدائرة الثروة السمكية في وزارة الزراعة، هناك 3,700 صياد أسماك مسجلين حاليًا في غزة ممن يعتمدون على هذا القطاع في تأمين سبل عيشهم. وتشير التقديرات إلى أن صيادي الأسماك في غزة يعيلون 18,250 شخصًا آخر (بناءً على متوسط حجم الأسرة الذي يتألف من 5,7 أشخاص في غزة).[5] كما يُقدَّر بأن عددًا كبيراً من الأشخاص يعتمدون على الصناعات المرتبطة بصيد الأسماك، بما فيها تصليح القوارب وبيع التجزئة. وحسبما ورد عن وزارة الزراعة، لا يزاول سوى 2,000 صياد من أولئك المسجلين الصيد على أساس يومي، بينما يعمل الآخرون الذين يبلغ عددهم 1,700 صياد في هذا القطاع بصورة متقطعة، بواقع مرة واحدة تقريبًا في الشهر، لأن الدخل الذي يجنونه من الصيد لا يغطي تكاليفهم التشغيلية.
وتتفاوت كميات صيد الأسماك والإيرادات التي تحققها بصورة كبيرة على مدى السنوات. فبينما يؤثّر تحديد مناطق الصيد على كميات الصيد والإيرادات، فإن الإيرادات تتفاوت أيضًا حسب نوع وكمية الأسماك المتوفرة في المنطقة المحددة. ويؤدي حصر الصيد في منطقة صغيرة بالقرب من الساحل إلى الصيد الجائر، كما يؤثر تأثيرًا سلبيًا على مناطق تكاثر الأسماك. ووفقًا لدائرة الثروة السمكية، فلم تظهر الآثار التي أفرزتها القيود على منطقة الصيد وحصرها في ثلاثة أميال بحرية في العامين 2006 و2007 إلاّ في العام 2009 عندما إستُنزفت مناطق تكاثر الأسماك في المنطقة المسموح الصيد بها، والتي تبلغ ثلاثة أميال بحرية، بصورة كبيرة.
وقد أدى توسيع منطقة الصيد بعد العام 2012 إلى زيادة ملموسة في كميات الصيد والإيرادات المتحققة منها، ولا سيما في العام 2016 عقب توسيع منطقة الصيد على أساس موسمي إلى تسعة أميال بحرية على إمتداد الساحل الجنوبي لغزة. ففي هذا العام، فاقت الإيرادات بصورة نسبية كمية أسماك الصيد بفضل توفر أنواع أخرى من الأسماك فيما وراء الأميال البحرية الستة التي تدرّ قدرًا أكبر من الربح من الأسماك المتاحة في المياه الضحلة. وقد أدّى توسيع منطقة الصيد إلى هذا المدى نفسه في العام 2017 إلى زيادة أقل بكثير في كميات الصيد والإيرادات بسبب إنخفاض الإمدادات السمكية على غير العادة في ذلك العام. ويمكن معالجة هذا الوضع من خلال الإستمرار في توسيع حدود منطقة الصيد إلى تسعة أميال بحرية أو إلى ما ورائها، حيث تقل نسبة تعرّض الإمدادات السمكية لظروف متقلبة.
ويفتقر قطاع صيد الأسماك في غزة إلى القدرة على الحصول على الواردات الضرورية، بما فيها الألياف الزجاجية (الفايبركلاس)، ومحركات القوارب وقطع الغيار، التي تفرض إسرائيل القيود على إستيرادها بإعتبارها مواد "مزدوجة الإستخدام". وغالبًا ما تكون شباك الصيد باهظة الثمن بالنسبة للصيادين بسبب دخلهم المحدود.
وقد سُمح للصيادين الغزيين بالصيد في المياه المصرية بصورة غير رسمية بين العامين 2011 و2013، عندما كان الوصول إلى مناطق الصيد في المياه الغزية مقيدًا بستة أميال بحرية. وخلال هذه الفترة، تمكن الصيادون من صيد أسماك عالية القيمة تتواجد بصورة أكبر على مدى 12 ميلًا بحريًا. ووفقًا لدائرة الثروة السمكية، فقد جرى صيد ما مجموعه 180 طنًا من سمك البوري في المياه المصرية على مدى 12 ميلًا بحريًا بالمقارنة مع 21 طنًا من هذا النوع الذي صِيدَ في المياه الغزية على مدى ستة أميال بحرية خلال الفترة نفسها.
ووفقًا لدائرة الثروة السمكية، يتطلب إنعاش قطاع صيد الأسماك توسيع مناطق الصيد الحالية. ومن المرجح أن يؤدّي توسيع منطقة الصيد إلى تسعة أميال بحرية على أساس دائم وعلى مدار العام إلى زيادة تقارب 20 بالمائة على صعيد الإيرادات وفرص العمل. وحسب وزارة الزراعة، فمن شأن توسيع منطقة الصيد إلى 12 ميلًا بحريًا طيلة العام أن يزيد كميات الصيد إلى 5,000-6,000 طن، وهي زيادة تقترب نسبتها من 50 بالمائة. وقد يؤدي هذا الوضع إلى زيادة تتراوح من 60 إلى 65 بالمائة في الدخل، إذا ما قورنت مع تسهيل الصادرات، ومن شأنها أيضًا أن تضمن العمالة الكاملة لجميع الصيادين الحاليين في غزة.
وفضلًا عن ذلك، فمن شأن توسيع منطقة الصيد أن يخفف الضغط عن الثروة السمكية ضمن منطقة الصيد التي تتراوح من ثلاثة إلى ستة أميال بحرية، حيث يحدث ذلك أثرًا إيجابيًا على قدرة الأرصدة السمكية على التحمل. كما يستفيد قطاع صيد الأسماك إستفادة كبيرة من التخفيف من حدة القيود المفروضة على إستيراد المعدات لتلبية الحاجة إلى تصليح قوارب الصيد (تلبية الطلب الإعتيادي والطلب المتزايد الذي ينجم عن الأضرار التي تلحق بها خلال فترات الصراع ومصادرتها على يد البحرية الإسرائيلية).
تواصل قوات البحرية الإسرائيلية إستخدام الذخيرة الحية على نطاق واسع في فرض الحدود البحرية. وعلى وجه الإجمال، سُجل ما مجموعه 213 حادثة إطلاق نار في العام 2017، مما تسبب في مقتل صياد وإصابة 14 آخرين بجروح، من بينهم طفل. كما توفي صياد آخر في ظروف غامضة وأعتُقل 39 صيادًا آخر، من بينهم ثلاثة أطفال. وخلال الشهرين الأولين من العام 2018، سُجلت 64 حادثة إطلاق نار: حيث قُتل صياد وأصيب بجروح ثمانية آخرون. وقد توفي الصياد، وهو إسماعيل صالح أبو ريالة ويبلغ 18 عامًا من عمره، عندما أطلقت البحرية الإسرائيلية النار باتجاه قاربه دون توجيه تحذير لفظي أو طلقات تحذيرية، ومن مسافة قريبة ومع غياب أي تهديد لحياة الجنود والتسبب بإصابات خطيرة لهم، حسبما أفادت التقارير.
ويفيد الصيادون بأنهم يخضعون، في حال إعتقالهم، للتحقيق حول الجماعات المسلحة الفلسطينية ويتعرضون لسوء المعاملة والإساءة اللفظية قبل إطلاق سراحهم. ويثير هذا الأمر قلقًا جديًا حيال حقوق الإنسان، بما فيها الحق في الحياة وإحترام الضمانات التي تملي إتباع الإجراءات القانونية الواجبة، والتي يكفلها القانون الدولي.[6] وفي العام 2017، صادرت البحرية الإسرائيلية 13 قاربًا، كما سُجلت سبع حوادث أخرى من إلحاق الأضرار بمعدات الصيد ومصادرتها وفقدانها. وفي شهريْ كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2018، صودرت أربعة قوارب ولم تتم إعادتها لأصحابها، ولحقت أضرار بقارب آخر.[7]
ووفقًا للقانون الدولي، ينبغي أن يقتصر إستخدام الأسلحة النارية على نحو تام على حالات الملاذ الأخير، بمعنى أن تأتي ردًا على تهديد وشيك للحياة. وبخلاف ذلك، يشكّل إستخدام الأسلحة النارية إستخدامًا مفرطًا وغير قانوني للقوة.[8] وينبغي على السلطات المعنية أن تجري تحقيقًا حسب الأصول في المخالفات التي تمسّ هذه المعايير، والتي تؤدّي إلى سقوط ضحايا، كما يجب ضمان تنفيذ المساءلة على وجه السرعة من خلال التحقيقات المستقلة والموضوعية والمحايدة. وفضلًا عن ذلك، ينص القانون الدولي بوضوح على تطبيق سبل الإنصاف، بما فيها التعويض المالي.[9]
دخلت تربية الأسماك (بشقيها البري والبحري) إلى غزة لتكمّل الطرق التقليدية في صيد الأسماك وإيجاد سبل عيش مستدامة. ووفقًا لدائرة الثروة السمكية، فقد شهد إنتاج الأسماك من مزارع تربية الأسماك زيادة ثابتة من خمسة أطنان في العام 2010 إلى 435 طنًا في العام 2017. وتنفذ منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تجربة لإقامة مزرعة لتربية الأسماك في أقفاص بحرية في سياق مشروع أعمال إجتماعي[10] تملكه وتديره المؤسسات الأعضاء في قطاع صيد الأسماك في البحر قبالة ساحل غزة، من أجل تعزيز تطوير قطاع تربية الأحياء المائية البحرية، لكي يعود بالفائدة على مجتمع الصيادين. وتملك مزرعة تربية الأسماك في الأقفاص البحرية القدرة على رفع مستوى الإنتاجية والمداخيل بصورة أكبر، كما تضمن تعاقُب أجيال من صغار الصيادين الذين ينعمون بسبل عيش تتميز بالإستدامة والقدرة على التكيّف. وتقدم هذه المبادرة، التي تدعمها حكومة إيطاليا، تقنيات تربية الأحياء المائية البحرية وتطوّر قدرات الصيادين ونقابة الصيادين الفلسطينيين في غزة لتمكينهم من تشغيل مزرعة تربية الأسماك في الأقفاص البحرية بإعتبارها مشروع أعمال إجتماعيًا. كما تعزز هذه المبادرة قدرة الصيادين على الوصول إلى الأسواق وتربطهم بها. ويُتوقع أن تنتج هذه المزرعة ما يقرب من 50 طنًا من سمك الأبراميس في السنة، مما يسهم في زيادة تتراوح من 4,5 إلى 5 بالمائة في سوق الأسماك المحلي. ومن المتوقع أن ييسر تزايد وفرة الأسماك قدرة المستهلكين على شرائها، وتحسين مستويات الإستهلاك والتنوع الغذائي، والإسهام في نمو الصادرات ورفع مستوى الدخل.
في 15 أيار/مايو 2017، قُتل محمد مجدي فاضل بكر، الذي يبلغ من العمر 25 عامًا، وهو يزاول عمله على قاربه على مسافة تقارب ثلاثة أميال بحرية قبالة الساحل. وتشير التقارير إلى أن البحرية الإسرائيلية وجّهت الأوامر عبر مكبرات الصوت إلى القارب بالتوقف، في ذات الوقت الذي أطلقت فيه النار باتجاهه. وقد تجاهل القارب التحذيرات وواصل الإبحار إلى أن إخترقت رصاصة محركه. وأصيبَ محمد بجروح في ظهره وهو يحاول حماية المحرّك. ونقلت البحرية الإسرائيلية الضحية إلى أحد المستشفيات في إسرائيل (عسقلان) على الفور، حيث أُعلن عن وفاته.
وفي 4 كانون الثاني/يناير 2017، فُقدت آثار صياد آخر، وهو محمد أحمد جميل الهسي الذي يبلغ من العمر 33 عامًا، على بعد خمسة أميال بحرية تقريبًا قبالة ساحل بيت لاهيا في ظروف غامضة. وأفادت التقارير بأن زورقًا بحريًا إسرائيليًا إصطدم بقارب الضحية الذي "لم يكن باديًا للعيان بسبب الظروف التي كانت سائدة في عرض البحر". وقد أعلن عن وفاته في وقت لاحق.
وفي كلتا الحالتين، طلب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من النائب العام العسكري الإسرائيلي فتح تحقيق جنائي ورفع شكاوى مدنية للحصول على التعويض إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية. ولم يكن هناك سوى إستجابة محدودة لأي من الحادثتين من جانب السلطات الإسرائيلية. ولم يتلقَّ المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أي رد على الشكاوى الجنائية التي رفعها بشأن أربع حالات أخرى أصيب فيها صيادون بجروح. ومن بين 11 دعوى مدنية أقيمت في العام 2017، لم تصدر سوى ثلاثة ردود تقرّ باستلام الدعاوى من جانب وزارة الدفاع.
* ساهمت منظمة الأغذية والزراعة في كتابة هذا القسم
[1] الإتفاقية بشأن قطاع غزة ومنطقة أريحا، القاهرة، 4 أيار/مايو 1994. كما جرى إنشاء منطقة مغلقة يبلغ عرضها ميلًا بحريًا واحدًا على إمتداد الحدود مع مصر في الجنوب، ومنطقة أخرى بعرض ميل ونصف بحري على إمتداد حدود غزة مع إسرائيل في الشمال.
[2] رسالة من وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تعلّق فيها على مسودة "نظرة عامة على الإحتياجات الإنسانية للعام 2017"، كانون الأول/ديسمبر 2016.
[3] نظرة عامة على الإحتياجات الإنسانية للعام 2018 ، على الرابط
[4] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2018، "نتائج مسح القوى العاملة 2017: النتائج الرئيسية". على الرابط
[5] PCBS 2015, Summary of Demographic Indicators in Palestine by Region. Available here
[6] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المواد (6)، و(7)، و(9) و(10).
[7] قدم مركز الميزان لحقوق الإنسان هذه الأرقام.
[8] المبادئ الأساسية بشأن إستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.
[9] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المواد (2)، و(14) و(26)، والمبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في االإنصاف وتعويض الضحايا عن إتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
[10] http://www.timesofisrael.com/gaza-fisherman-lost-at-sea-after-collision-with-idf-ship/