غزة: ذوو الإعاقة متضررون من أزمة الطاقة والرواتب على نحو يفوق غيرهم

تفوق الآثار التي تمس ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة غيرهم بسبب تدهور الظروف المعيشية في قطاع غزة منذ شهر آذار/مارس 2017. وقد نجم هذا الوضع عن استفحال أزمة الطاقة، التي أدت إلى انقطاع الكهرباء لمدة تتراوح من 18 إلى 20 ساعة يوميًا، وعن تفاقم أزمة الرواتب في القطاع العام. وترتبط هاتان الأزمتان بتصاعد حدة الانقسام الداخلي الفلسطيني.[1] ووصل معدل البطالة في غزة، في خضمّ هذه الأزمة، إلى 44% خلال الربع الثاني من 2017 (نيسان/أبريل-حزيران/يونيو)، حيث سجل ارتفاعًا من 41.1% خلال الربع الأول و41.7% خلال الفترة ذاتها من العام 2016. 

وتشير تقديرات وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية إلى أن ما يربو على 49,000 فرد في قطاع غزة (أو 2.4% من مجموع سكانه) يعانون شكلا من أشكال الإعاقة. وثلث هؤلاء من الأطفال. وتعرض أكثر من 1,100 شخص من هؤلاء، بمن فيهم نحو 300 طفل، للإعاقة نتيجة إصابات تعرضوا لها في أثناء الأعمال القتالية التي اندلعت في العام 2014. ويشمل هذا العدد نحو 100 شخص تعرضوا لبتر في أحد أطرافهم.[2]

وباعتبار إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ودولة فلسطين طرفين في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فان كلاهما يتحمل المسؤولية عن رفاه الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، وإن كانت هذه المسؤولية تتفاوت في درجاتها. ويُعد ذوو الإعاقة من الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمع يشهد أزمة في الأصل بسبب جملة من العوامل، من بينهما العقبات المؤسساتية والسلوكية التي تحول دون حصولهم على الخدمات والاندماج في المجتمع بصورة كاملة. وتزيد نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة العاطلين عن العمل في قطاع غزة على 90%، مما يجعلهم وعائلاتهم يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على المساعدات النقدية التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية.[3]

وتشير دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) مؤخراً إلى أن ما نسبته 35.7% من الأطفال الفلسطينيين ذوي الإعاقة في قطاع غزة لا يذهبون الى المدرسة[6] وأن نسبة لا تتجاوز 44.5% من هؤلاء الأطفال ملتحقون بالتعليم النظامي. وتعزو الأسر هذا الوضع إلى افتقارها إلى الدعم والصعوبات التي تواجهها في التنقل والعقبات المادية ووصمة العار أو التمييز الذي يتعرض له ذوو الإعاقة.

وفضلاً عن التراجع العام الذي طرأ على توفر الخدمات الأساسية، والذي يؤثر على أفراد السكان بمجموعهم،[4] يؤدي انقطاع الكهرباء لفترات طويلة إلى زيادة الضغوط على ذوي الإعاقة الذين يعتمدون على أجهزة كهربائية. فعلى سبيل المثال:

  • يعيش ما لا يقل عن 2,000 شخص من ذوي الإعاقات الجسدية تحت تهديد الإصابة بقُرح الفراش أو قرح الضغط بسبب العجز عن نفخ الفرشات الهوائية.[5]
  • يواجه 1,200 فرد من ذوي الإعاقة قيودًا عسيرة على حركتهم بسبب عجزهم عن شحن بطاريات العربات الكهربائية والأجهزة المشابهة. 
  • يتعرض نحو 5,150 شخصًا يعانون من مشاكل تنفسية مزمنة لخطر الإصابة بمضاعفات، بما فيها الوفاة، بسبب توقف أجهزة الأكسجين وأجهزة التبخير.

وقد اضطرت المؤسسات التي توفر العلاج الطبيعي والوظيفي لذوي الإعاقة لتقليص ساعات عملها و/أو تعديلها حسب برنامج تزويد الكهرباء ومدى توفر مولدات الكهرباء الاحتياطية والوقود اللازم لتشغيلها. وفي هذا السياق، أشارت إحدى المؤسسات إلى أن عدد الأشخاص الذين يحضرون جلسات العلاج الطبيعي تراجع إلى النصف منذ شهر آذار/مارس.

كما أدى التدهور العام الذي أصاب الوضع الاقتصادي إلى تراجع قدرة أسر الأشخاص ذوي الإعاقة على تغطية المصاريف الإضافية، من قبيل استبدال الأجهزة المساعدة أو شراء اللوازم الخاصة للصحة الشخصية أو تكاليف المواصلات إلى مؤسسات التأهيل والمؤسسات التعليمية.

وأشارت جمعية أطفالنا للصم إلى أن 50 طفلًا من أصل 300 طفل من ذوي الإعاقات السمعية الملتحقين بالعام الأكاديمي الحالي يواجهون مشاكل في الحضور إلى المؤسسة لأن أسرهم لا تستطيع أن تغطي تكاليف المواصلات. وقد اضُّطرت المؤسسة لوقف خدمة المواصلات التي كانت تقدمها لطلابها في السابق بسبب النقص في التمويل. وللتخفيف من هذه الآثار، توفر الجمعية بعض خدماتها في مواقع بديلة تقع على مقربة من منازل الأطفال المتضررين من هذا الوضع.

مها، تبلغ من العمر 10 أعوام ومصابة بالإعاقة منذ القصف الذي طالها في العام 2014، وتتعرض لخطر  المضاعفات بسبب أزمة الكهرباء

ساهمت الجمعية الوطنية لتأهيل المعوقين بدراسة الحالة هذه، قطاع غزة

10-year-old Maha, disabled due to injuries incurred in the 2014 hostilities,  and her father while they explain how lack of electricity has worsened her situation. September, 2017. © Photo by OHCHR. تعاني مها، صاحبة الأعوام العشرة، من شلل رباعي نتيجة لإصابتها بشظية في رقبتها وتسببت بإلحاق الضرر في حبلها الشوكي. فقد أصابت القذائف المدفعية منزلها في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، في يوم 20 تموز/يوليو 2014، مما أدرى إلى قتل سبعة أفراد من أسرتها، من بينهم والدتها وشقيقتاها هبة (13 عامًا) وسامية (3 أعوام).

قضت مها الشهر الأول بعد إصابتها في مستشفى الشفاء، ثم جرى تحويلها إلى تركيا لتلقي علاج إضافي. ولكن تدهورت صحتها النفسية وأُعيدت إلى غزة بعد 10 أشهر، حيث يعتني بها والدها وجدها وعمتها.  

وأدت أزمة الكهرباء إلى تعقيد حياة مها اليومية لأن أسرتها لا تملك مصدرًا بديلًا للكهرباء. ومؤخرًا، تمكنت الأسرة من الحصول على نظام طاقة يعمل بالبطارية (UPS)، ولكن هذا النظام يحتاج إلى الشحن، ولا يكاد يشغّل مراوح التهوية ومصابيح الإنارة والتلفاز لأربع ساعات كحد أقصى. 

وعدا عن عجزها عن تحريك أطرافها السفلية والعلوية والصعوبات التي تواجهها في التبول، تعاني مها من قصور في الجهاز التنفسي وشلل في جهاز المناعة، وهو ما يزيد من خطر إصابتها بالتهابات في الرئة. وتعتمد مها على جهاز تبخير وفرشة هوائية. كما أصيبت، مؤخراً، بقرح الفراش وتخشى أسرتها من إصابتها بالتهاب رئوي، أفضى بها إلى المبيت في المستشفى مرتين خلال العامين المنصرمين. 

وتخضع مها لجلستيّ علاج طبيعي في منزلها يوميًا بعد عودتها من المدرسة. وتسدد عائلتها 60 شيكلًا كل يوم لأخصائي علاج طبيعي من القطاع الخاص، وذلك بسبب توقف المنظمات غير الحكومية عن تقديم الخدمات المنزلية نظراً إلى نقص التمويل المتاح لها.

"وضع مها أصعب بكثير ويُشعرني بألم أكبر من فقدان أسرتي خلال الحرب... لا أتحمل أن أراها وهي عاجزة على استخدام أطرافها. هذا ألم سيرافقني لسنوات طويلة قادمة."


[1] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ورقة حقائق: "تبعات الانقسام الفلسطيني على النواحي الإنسانية في قطاع غزة - حزيران/يونيو 2017"، حزيران/يونيو 2017، وهي منشورة على الموقع الإلكتروني.

[2] موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وقد زرناه واطلعنا عليه في يوم 30 أيلول 2017.

[3] Palestinian Central Bureau of Statistics website, accessed on 30 September 2017.

[4] OCHA Press release, Gaza Urgent Funding Appeal.

[5] قطاع التأهيل في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية.

[6] وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، لا يلتحق ما نسبته 39.8% من الأطفال ذوي الإعاقة في الضفة الغربية بالمدارس.انظر الدراسة التي أعدتها المنظمة