شددت إسرائيل القيود المفروضة على وصول الفلسطينيين إلى البحر منذ أيلول/سبتمبر 2000، بدعوى المخاوف الأمنية. وقد فرضت هذه القيود من خلال إطلاق الذخيرة الحية، الاعتقالات ومصادرة المعدات. وفي حين تنوعت القيود المفروضة على البحر، سمح للصيادين عموما منذ عام 2006 بالوصول إلى أقل من ثلث مناطق الصيد المخصصة لهم بموجب اتفاقات أوسلو: ستة أميال من أصل 20 ميلا بحريا. في السنوات الأخيرة تم توسيعها المسافة مؤقتا لتشمل تسعة أميال بحرية خلال موسم السردين.
وتعد الأسماك، وخاصة السردين، مصدرا رئيسيا للبروتين، والعناصر الغذائية الدقيقة وأحماض الدهون أوميغا 3 الأساسية للفلسطينيين في غزة وتسهم في التنوع الغذائي. الأسماك المتوفرة في نطاق الستة أميال بحرية أصغر حجما عادة. كذلك، تفرض إسرائيل ومصر "منطقة حظر صيد" على طول حدودهما البحرية مع غزة. ولا يزال أكثر من 35,000 فلسطيني يعتمدون على هذه الصناعة في كسب عيشهم.
عبد الله العباسي، صياد يبلغ من العمر 53 عاما من مخيم الشاطئ للاجئين في شمال قطاع غزة، يقوم بتشغيل قارب مع أربعة من أبنائه السبعة و12 صيادا آخرون. يعيل الدخل الذي ينتجه قارب عبد الله حوالي 70 شخصا، معظمهم من الأطفال. عمل عبد الله لسنوات عديدة كعامل بناء في إسرائيل. وبعد بداية الانتفاضة الثانية في أيلول/سبتمبر 2000، دفعه فقدانه لعمله في إسرائيل إلى البحث عن سبل بديلة لكسب العيش.
"كان الصيد عملا مزدهرا. اشتريت قاربا صغيرا طوله سبعة أمتار وبدأت العمل ليلا ونهارا. كنا قادرين على الوصول بعيدا جدا في البحر. كنت أجني في البداية ما يقرب من 1,000 دولار أمريكي في الشهر، والتي كانت تشكل في ذلك الوقت مبلغا كبيرا، لذلك تمكنت من توفير بعض المال وشراء قارب أكبر بضعفين وثلاثة قوارب صغيرة. وبعنا الأسماك في السوق المحلي وللتجار من الضفة الغربية وإسرائيل".
تم تخفيض مساحة الصيد إلى ثلاثة أميال بحرية بعد عملية الرصاص المصبوب العسكرية في كانون الثاني/يناير 2009. "منذ ذلك الوقت بدأ وضعنا المالي يتدهور بسرعة. وأصبحت حصيلة صيد الأسماك جزءا صغيراً عما كان عليه، سواء من حيث الكمية أو النوعية. فقدنا الوصول إلى الأسماك الأكبر والأكثر قيمة. وكان أفضل دخل استطعنا كسبه يبلغ 45 دولارا أمريكيا فقط في اليوم مقابل أكثر من 70 دولار أمريكي سابقا. وفي بعض الأيام، لم يكن لدينا دخل لنتمكن حتى من تغطية تكاليف الوقود. كان علينا خفض نفقاتنا، حتى على الأشياء الأساسية".
دراسة حالة لصيادي الأسماك في غزة نشرت في تموز/يوليو 2013
عبد الله، البالغ من العمر 57 عاما، لا يزال يقوم بتشغيل قارب صيد، وهو المصدر الوحيد للدخل لنحو 80 شخصا. وهو يخرج للصيد كل يوم تقريبا خلال موسمي صيد الأسماك.
"نحن ببساطة لا نعرف ما سيحدث لنا. فالأمور تزداد سوءا، سواء من حيث صيد الأسماك، أو الحصار، أو الاضطهاد [الإسرائيلي] وعمليات إطلاق النار في البحر. إن منطقة الصيد المسموح فيها بالصيد قاحلة. على الرغم من التوسع الأخير من ستة إلى تسعة أميال بحرية، فإن المنطقة رملية وتعاني من الصيد المفرط، وكأن البحر قد تحول إلى أسفلت. تتواجد الأسماك في مناطق صخرية أو في مناطق عميقة في البحر وراء حد التسعة أميال بحرية. وهذه المنطقة تتكاثر فيها الأسماك وتكون أكثر إنتاجية. لكن يُحظر الوصول إلى هذه المناطق، وأنا أخشى الاقتراب من منطقة إطلاق النار. البحرية الإسرائيلية لا تتردد في إطلاق النار. ونقول في العربية "هذه وجبة لا تحتاج إلى الملاعق"، أي أنها لا تستحق المخاطرة.
الآن ذروة موسم السردين، ولكن بالكاد يوجد أي منها، وكأن الأسماك انقرضت. الأسماك التي نصطادها صغيرة جدا وغير مربحة. إنه أمر محبط للغاية. كل العمل الشاق الذي نقوم به لا يؤتي ثماره. نحن بالكاد نغطي تكلفة الوقود للقارب. وإذا تعطلت أي من معدات الصيد، لا يمكننا تحمل تكلفة إصلاحها.
قبل الحصار، كان الدخل الناتج في الأشهر القليلة من موسمي الصيد يكفي طوال العام. كنت ترى الابتسامة على وجوه الصيادين. في الوقت الحالي، بالكاد نصل إلى 10 بالمائة مما كنا نجنيه. نعود من الصيد غاضبين ومحبطين. كل ما نريد أن نفعله هو الصراخ. أثَّر الوضع الكئيب علينا بشدة. لا يمكننا تلبية احتياجات أطفالنا. كل من يعتقد أنه سيكون قادرا على تزويج ابنه أو ابنته أو توسيع بيته عليه تأجيل الخطط. لو كان لدينا خيارات أخرى، لتركنا العمل منذ فترة طويلة... لكن هذه هي غزة بالنسبة لك: ليس هناك فرص عمل. لو أننا لم نكن صابرين، لقضينا منذ وقت طويل. يجب أن يكون على أمل".