بعد إعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل في يوم 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، شهدت الأرض الفلسطينية المحتلة تصاعدًا في حدّة التوتر وأعمال العنف، ولا سيما خلال المظاهرات والإشتباكات التي نظَمها الفلسطينيون، والتي أدت إلى إرتفاع كبير في عدد الخسائر البشرية بالمقارنة مع الشهور السابقة. فحتى يوم 30 كانون الثاني/يناير، قُتل 20 فلسطينيًا وإسرائيلي واحد، وأصيبَ ما يربو على 5,000 فلسطيني و17 إسرائيليًا بجروح. [1] وتثير بعض الحوادث التي شهدتها هذه الفترة القلق من إحتمالية الإستخدام المفرط للقوة من جانب القوات الإسرائيلية. وفي ضوء الأوضاع الإنسانية المتردية في قطاع غزة، يثير التصعيد المحدود الذي لوحظ على مدى الأسابيع القليلة الماضية على إمتداد الحدود بين غزة وإسرائيل القلق بوجه خاص لأنه يُحتمل أن يؤدي إلى إندلاع جولة جديدة من الأعمال القتالية.
وقُتل 17 فلسطينيًا خلال هذه الفترة في المواجهات التي دارت مع القوات الإسرائيلية، والتي إندلع معظمها في أعقاب المظاهرات التي نُظِّمت إحتجاجًا على إعلان الولايات المتحدة بشأن القدس، وخلال عمليات التفتيش والإعتقال التي نفذتها القوات الإسرائيلية والتي زاد عددها على 650 عملية. ومن بين هؤلاء القتلى، سُجِّل مقتل ثمانية فلسطينيين في الضفة الغربية وتسعة في قطاع غزة، من بينهم أربعة أطفال (تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا).
وخلال هذه الإشتباكات، خاض المتظاهرون الفلسطينيون مواجهات ألقوا فيها الحجارة على القوات الإسرائيلية، التي ردّت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع و/أو الأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، أو بالإعتداء بالضرب على المتظاهرين. وأُطلقت النار على أحد هؤلاء وقُتل وهو يحاول أن يطعن جنديًا إسرائيليًا خلال إحدى المظاهرات التي إندلعت بالقرب من حاجز بيت إيل (رام الله)، حسبما أفادت التقارير. كما قُتل آخر فيما ذُكر أنه تبادل لإطلاق النار وقع خلال عملية للتفتيش والإعتقال في مدينة جنين. وحسب المصادر الإسرائيلية، فقد تمّ تنفيذ هذه العملية لإلقاء القبض على فلسطينيين أطلقوا النار من مركبة بإتجاه مستوطن إسرائيلي في منطقة نابلس في يوم 9 كانون الثاني/يناير، مما أدى إلى مقتله.
وشهدت هذه الإشتباكات إصابة جميع الجرحى الفلسطينيين، الذين زاد عددهم على 5,100 جريح تقريبًا، خلال هذه الفترة. فقد أصيبَ ما نسبته 60 في المائة من هؤلاء بسبب إستنشاق الغاز المسيل للدموع الذي إستلزم الحصول على علاج طبي، وتلتهم الإصابات بالأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط والذخيرة الحية. وسجلت الإشتباكات التي وقعت في قطاع غزة وشهدت إنتشار القوات الإسرائيلية على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي نصف عدد القتلى و21 في المائة من الإصابات. وفي الضفة الغربية، شملت ’النقاط الساخنة‘ التي إندلعت المظاهرات فيها حاجز حوارة (نابلس)، وحاجز بيت إيل (رام الله)، وحاجز قلنديا (القدس) وحاجز غيلو (بيت لحم)، والمنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في مدينة الخليل، ومدخل مدينة أريحا، وبعض مداخل البلدة القديمة في القدس.
وقد أثار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في معرض ردّه على عدد الضحايا الذين أصيبوا خلال الإشتباكات على إمتداد السياج الحدودي في غزة، "مخاوف جدية حول ما إذا كانت القوة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية متلائمة مع التهديد"، ودعا إسرائيل إلى فتح تحقيق نزيه ومستقل في الحالات التي أسفرت عن إصابة أو وفاة، "بغية مساءلة مرتكبيها عن أي جرائم تمّ إرتكابها".
وفي قطاع غزة أيضًا، أطلقت الفصائل المسلحة الفلسطينية، والتي أفادت التقارير بأن حماس مستثناة منها، عشرات الصواريخ والقذائف عشوائيًا بإتجاه جنوب إسرائيل. ولم يسقط سوى عدد قليل من هذه الصواريخ والقذائف على إسرائيل بالفعل، مما أدى إلى أضرار محدودة بالممتلكات، ولم تسفر عن وقوع أي خسائر بشرية، بينما لم يصل ما تبقى منها إلى أهدافها وسقطت داخل غزة أو إعترضتها الصواريخ الإسرائيلية في الجو. وردت القوات الجوية الإسرائيلية بشنّ سلسلة من الغارات التي إستهدفت مواقع عسكرية في غزة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين، بمن فيهم مدني وفردين من أفراد جماعة مسلحة، وإصابة 25 مدنيًا، من بينهم تسعة أطفال، بجروح.
وقد سجّل شهر كانون الأول/ديسمبر أعلى عدد من الفلسطينيين الذين قُتلوا وأصيبوا بجروح على يد القوات الإسرائيلية خلال شهر واحد على مدى العام 2017 (14 قتيلًا و4,574 جريحًا). ويأتي هذا الشهر بعد شهر تموز/يوليو (14 قتيلًا و1,771 جريحًا) عندما إندلعت مظاهرات وإشتباكات واسعة النطاق بسبب تركيب البوابات الإلكترونية على مداخل الحرم الشريف في القدس.
في يوم 3 كانون الثاني/يناير 2018، أطلق جندي إسرائيلي النار على فتى فلسطيني يبلغ من العمر 16 عامًا وقتله في قرية نظام، شمال غرب رام الله، خلال إشتباكات شهدتها القرية. وتفيد التقارير بأن الإشتباكات إندلعت بعدما ألقى فتية فلسطينيون الحجارة على القوات الإسرائيلية في محاولة لتأمين إطلاق سراح شاب فلسطيني مريض عقليًا، ويبلغ من العمر 18 عامًا ، كان الجنود قد إحتجزوه.
ووفقًا لشهود عيان، ردّ الجنود بإطلاق الذخيرة الحية من أجل تفريق الشبان دون أن يراعوا إستخدام وسيلة أقل فتكًا. وإرتطمت الأعيرة الأولى التي أطلقها الجنود بالصخور القريبة من الفتية، الذين توقفوا عن إلقاء الحجارة وإحتموا على جانب الطريق على مسافة تبعد 70 مترًا تقريبًا عن الجنود. وأشار شهود العيان إلى أن أحد هؤلاء الفتية خرج إلى وسط الطريق، فيما بدا أنه أراد أن يرى أين كان الجنود يقفون، وأصيبَ في رقبته بعيار ناري أطلقه جندي كان يختبئ خلف أشجار الزيتون.
وحسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية، زعمت قوات الدفاع الإسرائيلية بأن "الجنود قالوا إنه (الضحية) بدا وكأنه يحمل بندقية، مما دفعهم إلى إطلاق النار".[3] وأضاف الناطق الرسمي أنه لم يجرِ التأكّد على الفور من أن الفتى كان مسلحًا في الوقت الذي أُطلقت فيه النار عليه، وأن التحقيق جارٍ حول هذه الملابسات. ويؤكّد فيلم فيديو وصور إلتقطها النشطاء الذين كانوا متواجدين خلال هذه الأحداث على أنّ الفتى لم يكن يحمل سلاحًا عندما أطلقت النار عليه.
[1] يتمثل مصدر البيانات حول هذه الإصابات في قاعدة بيانات حماية المدنيين لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
[2] قدم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان هذه المعلومات.
[3] https://www.timesofisrael.com/soldiers-shoot-kill-palestinian-teen-suspected-of-havinga-gun-idf