السيد الرئيس وأعضاء مجلس الأمن،
يُعد اليوم إحدى الحالات النادرة التي نسلّط فيها الضوء على تطورات إيجابية، بالرغم من تواصل الاحتياجات الإنسانية الكارثية في غزة.
بعث اتفاق وقف إطلاق النار قسطًا من الراحة في قلوب الفلسطينيين الذين كانوا ضحية الأعمال القتالية التي لا هوادة فيها.
وقد سمح ذلك أخيرًا بعودة رهائن إسرائيليين وفلسطينيين مُعتقلين إلى أُسَرهم.
ومكّن من إدخال دفعة كبيرة من المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى غزة.
وفي حال استمرت جميع الأطراف في الالتزام بالاتفاق، فسيكون بوسعنا إنقاذ المزيد من الأرواح.
لذلك أشكر الوسطاء، مصر وقطر والولايات المتحدة، على جهودهم الدؤوبة لضمان تنفيذ هذا الاتفاق. وأشكرهم على مساعدتهم للحدّ من العقبات العملياتية عند ظهورها.
وقبل أن أُطلع المجلس على ما حقّقه العاملون في مجال العمل الإنساني خلال هذه الأيام القليلة الأولى من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، فلا بد لي من أن أشهد على ما عاناه الأطفال الفلسطينيون في غزة خلال الأشهر الخمسة عشر المنصرمة.
السيد الرئيس،
قُتل الأطفال وجُوعوا وتجمدوا حتى الموت.
شُوّهوا وتيتموا وانفصلوا عن أسرهم. إذ تشير التقديرات المتحفظة إلى أن أكثر من 17,000 طفل منفصلون عن أسرهم في غزة.
وقد لقي بعض الأطفال حتفهم قبل التقاط أنفاسهم الأولى، ليموتوا مع أمهاتهم أثناء الولادة. وتشير التقديرات إلى أن هناك 150,000 امرأة حامل وأمهات جدد في حاجة ماسة إلى الخدمات الصحية.
فَقدَ الأطفال مدارسهم وتعليمهم. وصارع المصابون بأمراض مزمنة للحصول على الرعاية التي هم بأمس الحاجة إليها، إلا أنّ الكثير منهم لم يتمكنوا من ذلك.
تعرّض العديد من الأطفال للعنف الجنسي. وواجهت الفتيات إهانة لكرامتهن بعدم توفر رعاية ومستلزمات الدورة الشهرية، وأصبحن عُرضة للخطر.
ووفقًا لليونيسف، ثمّة مليون طفل بحاجة إلى الرعاية الصحية العقلية والدعم النفسي والاجتماعي لعلاج الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية.
لقد أُصيب جيلاً بأكمله بالصدمة.
السيد الرئيس،
على خلفية هذا الرعب، تغتنم الأمم المتحدة وشركاؤنا كل فرصة يسنحها وقف إطلاق النار لتوسيع نطاق الاستجابة في شتّى أرجاء القطاع.
لقد ساهم وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عراقيل، إلى جانب غياب الأعمال القتالية والتوقف شبه التام لأعمال النهب الإجرامية خلال الأيام الماضية، في تعزيز قدرتنا على العمل بشكل كبير.
وتمكنّا من زيادة تدفق الإمدادات الواردة وعمليات التسليم، وتوسيع سعة التخزين وأعمال الإصلاح، وتوفير الخدمات المنقذة للحياة، وإجراء تقييمات للاحتياجات والأضرار.
نعمل على إيصال الإمدادات إلى مراكز الإيواء المخصّصة لحالات الطوارئ ومراكز التوزيع في كافة أنحاء قطاع غزة.
كما نقدم الطرود الغذائية والدقيق ونعمل على إعادة فتح المخابز.
نقوم بتزويد الوقود للحفاظ على سير عمل الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية وضخ المياه، من خلال الموّلدات الاحتياطية نظرا لانقطاع الكهرباء.
وقد تكاتفت المنظمات والوكالات الإنسانية في جميع المجالات من أجل تحقيق أهدافنا الإنسانية المشتركة، وكانت الأونروا، كما هو الحال دائمًا، في قلب هذه الجهود.
ولكنه من غير الممكن أن نقوم بذلك العمل بمفردنا.
إذ يتطلب إدخال كميات كبيرة من المساعدات إلى غزة جهدًا جماعيًا. فجميع سكان غزة، والذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي نقدمها.
لذلك من الضروري ضمان تجديد خطوط إمدادات المخزونات بانتظام، بما في ذلك من جانب الدول الأعضاء، واستكمال جهود المساعدة على وجه السرعة من جانب القطاع الخاص.
السيد الرئيس،
في حين أننا لا ندخر جهدًا لتوسيع نطاق عملياتنا في غزة، يجب علينا أيضًا أن نولي اهتمامنا للضفة الغربية.
فكما أطلعنا هذا المجلس في وقت سابق، شهدت الضفة الغربية مستويات غير مسبوقة من الضحايا والنزوح والقيود المفروضة على الوصول منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقد أخذت هذه التحديات في التفاقم بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار.
يشنّ المستوطنون الإسرائيليون هجمات على القرى الفلسطينية ويحرقون المنازل والممتلكات. وتعيق القيود المشدّدة المفروضة على حركة الفلسطينيين من الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل كسب العيش، في حين تجري الاعتقالات الجماعية في شتّى أرجاء الضفة الغربية.
ومما يثير القلق بشكل خاص الوضع في جنين، حيث أسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية، باستخدام نيران المروحيات والقصف الجوي مع القوات البرّية، عن سقوط قتلى ومزيد من الدمار في البنية التحتية الأساسية ونزوح أعداد من السكان.
ويأتي ذلك في أعقاب العملية التي نفّذتها السلطة الفلسطينية على مدار أسابيع، والتي فُرضت خلالها قيودًا على الوصول واندلعت أثناءها اشتباكات مع المسلّحين الفلسطينيين، مما أسفر عن نزوح نحو 2,000 أسرة من المخيم وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
السيد الرئيس،
بعد أشهر من اليأس، علينا أن نغتنم هذه اللحظة الحاسمة. ولذلك، أتوجه إليكم بثلاثة طلبات:
أولاً، أحثّ هذا المجلس على ضمان استمرارية وقف إطلاق النار.
ثانيًا، أدعو هذا المجلس إلى ضمان احترام القانون الدولي في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. ويجب حماية المدنيين والوفاء باحتياجاتهم الأساسية.
يجب إطلاق سراح جميع الرهائن، والإفراج عن الفلسطينيين المعتقلين تعسفيًا. ويجب معاملة المحتجزين معاملة إنسانية والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم.
ويجب السماح للمدنيين بالعودة إلى ديارهم بأمان، والسماح لهم بالحصول على المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك الإجلاء الطبي للمرضى والمصابين. كما أحثّ الدول الأعضاء على استقبال هؤلاء المرضى.
نحن بحاجة إلى ضمان وصول المجتمع الإنساني بشكل عاجل وآمن ودون عوائق لكي يتمكن من مواصلة عمله. إننا قادرون على تقديم المعونة والدعم اللازمين، ولكن شريطة أن تتاح لنا الفرصة للقيام بذلك. تضطلع الأونروا بدور أساسي ويجب أن تظل العمود الفقري لهذه الجهود.
يجب رفع القيود المفروضة على المواد الإنسانية الأساسية، بما في ذلك تلك التي تصنف على أنها «متعددة الاستخدام.» كما يجب أن تكون هناك مساءلة عن الفظائع، بما يتماشى مع اﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ.
وثالثًا، يجب على الدول الأعضاء أن تضمن التمويل المطلوب لعملياتنا الإنسانية. إذ يتطلب النداء العاجل للعام 2025 مبلغ قدره 4.07 مليار دولار لتلبية احتياجات 3 ملايين نسمة في غزة والضفة الغربية، حيث سيخصّص نحو 90 بالمائة من هذه الأموال للاستجابة الإنسانية في غزة.
ويُعدّ تمويل هذا النداء أساسي للاستجابة للاحتياجات الهائلة والحفاظ على استمرار وقف إطلاق النار.
السيد الرئيس،
إن أطفال غزة ليسوا خسائر عرضية. فهم كأي طفل آخر في العالم، لهم الحق في الأمن والتعليم والأمل. لقد أخبرونا أن العالم لم يقف إلى جانبهم طوال هذه الحرب. لذا، علينا الآن أن نقف إلى جانبهم.
شكرًا لكم.