كان يمكن أن يشكّل هذا اليوم احتفالًا بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي عن حقوق الإنسان، الذي وُلد من رحم الفظائع التي شهدتها الحربان العالميتان. وعوضًا عن ذلك، يجري التعدي على حقوق الإنسان في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة. ولن تجلب الانتهاكات التي تُقترف بحق السكان في هاتين المنطقتين السلام ولا الأمن لأي من الشعبين.
ففي إسرائيل، صدمت أعمال القتل والعنف الجنسي والخطف التي أقدمت عليها حماس وغيرها من الجماعات المسلحة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر أمةً بأسرها، ولم يسلم منها كبار السن والمعوقون والأطفال. وتقع على عاتق الجهات المسلحة الفاعلة من غير الدول التزامات بموجب القانون الدولي كذلك. وينبغي إخضاع الجناة للمساءلة. ويجب إطلاق سراح جميع الرهائن دون شروط، ولكن يتعين في هذه الأثناء إتاحة إمكانية الوصول إليهم من أجل التحقق من ظروفهم.
وفي غزة، لا يتّسم ردّ إسرائيل بالتناسب. فلا يمكن تبرير الغارات الجوية التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية المدنية، كالمستشفيات والمدارس ومنشآت الأمم المتحدة، وتهجير السكان المدنيين المرة تلو الاخرى. ولا يمكن تسويغ الحصار الذي يحرم جميع سكان غزة من الغذاء والمياه والرعاية الصحية والنظافة الصحية. إننا نطّلع الآن على تقارير تفيد بتجميع الرجال والفتيان، من سن 15 عامًا فما فوق، في غزة وتعريتهم إلا ملابسهم الداخلية وتُعصَب عيونهم ويؤخذون إلى أماكن مجهولة. ويجب إتاحة إمكانية الوصول إلى جميع المحتجزين والأسرى بغية التحقق من ظروفهم.
إن هذه الأزمة لا تتعلق بعدد الشاحنات التي تدخل غزة. فإسرائيل ملزَمة، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، بضمان توفير المعايير الكافية من النظافة الصحية والصحة العامة وتأمين الغذاء والرعاية الطبية للسكان القابعين تحت احتلالها. وعلى إسرائيل أن تسمح للمجتمع الإنساني بتقديم المعونات بأمان داخل غزة في شتى أرجائها.
ولا صلة لهذه الأزمة بالمناطق الآمنة أيضًا. فإعلان أحادي الجانب تصدره سلطة قائمة بالاحتلال عن رقعة من الأرض لا تتوفر فيها أي بنية تحتية أو غذاء أو مياه أو رعاية صحية أو نظافة صحية باعتبارها «منطقة آمنة» لا يعني أنها كذلك. ويصدُق هذا بوجه خاص على الحالات التي تخلو من ضمانات بحرية التنقل وضمانات للمجتمع الإنساني لكي يقدم المعونات أينما دعت الحاجة إليها.
إن الضرورة تقتضي وقف لإطلاق النار – يجب التشاور بشأن شروطه مع العاملين في المجال الإنساني والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي الضفة الغربية، لا تزال التقارير ترِد بشأن مستويات غير مسبوقة من عنف الدولة والمستوطنين الإسرائيليين بحق الفلسطينيين، وتهجيرهم وفرض القيود على تنقلهم واحتجازهم على أساس تعسفي وإساءة معاملتهم خلال سنة 2023، وهذه تزيد من خطورة البيئة التمييزية والقسرية القائمة في الأصل. فقد سقط 265 من بين 464 فلسطينيًا، ممن قُتلوا في الضفة الغربية على مدى سنة 2023، منذ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكان ثلاثة على الأقل من هؤلاء من ذوي الإعاقة. وهُجِّر ما لا يقل عن 1,000 شخص قسرًا من أراضيهم بسبب عنف المستوطنين وعجزهم عن الوصول إلى أراضيهم.
وهناك حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى منظمات المجتمع المدني في فلسطين وإسرائيل ممن تناضل في كل يوم في سبيل حماية حقوق الإنسان. وهذه تتعرض للهجوم بدل ذلك. وعلينا كلنا أن نحميها.
ينبغي ألا أُضطَر لإصدار مثل هذا البيان في سنة 2023. يبدو أننا لم نتعلم شيئًا على مدى السنوات الخمسة والسبعين الماضية.