النساء الفلسطينيات اللواتي يواجهن النزاعات
ريمبدأت حياتي المهنية بمسار مختلف كثيراً عمّا انا عليه الآن. درست الرياضيات في الجامعة وبعد التخرج بدأت بالتعليم في مدرسة ابتدائية. شعرت بعد وقت قصير أن روتين التعليم كاد أن يقتلني. فأردت أن أعمل أكثر واندمج في المجتمع بطريقة مختلفة. لذلك قررت أن أتخذ دورة تدريبية لمدة سنة واحدة في برنامج غزة للصحة النفسية كجزء من برنامج تمكين النساء الذي يدعم النساء الناجيات من العنف في قطاع غزة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي أتيحت لي فيها فرصة اللقاء مع الدكتور الراحل إياد السراج، الذي كان بمثابة منارة لحقوق الإنسان، والذي أسس برنامج غزة للصحة النفسية وكان مديره حتى وفاته في عام 2013.
بعد فترة وجيزة من مقابلة الدكتور إياد السراج، انضممت إلى أحد البرامج داخل مؤسسته. وفي عام 2009، بدأ البرنامج في التطور ليصبح مؤسسة مستقلة تسمى "جمعية حماية المرأة والطفل" (عائشة)، حيث عملت كمنسقة برامج. في عام 2011، أنهيت درجة الماجستير في علم النفس، وفي عام 2013، أصبحت المديرة التنفيذية لـ عائشة.
لقد مرّ 23 عامًا منذ أن بدأت رحلتي الجديدة، من التعلّم والتعليم إلى تقديم خدمات متنوعة إلى أكثر النساء والأطفال تهميشًا الذين يعانون في غزة. لقد كان طريق طويل من المعاناة بالنسبة لي، كأم عاملة لستة أطفال. خلال كل تصعيد في غزة، كنت أدعو الله أن يحميهم. لقد شهدت القصف المباشر وغيره من أعمال العنف. كنا نتمنى في كل عام أن يكون الذي بعده أفضل، ولكن لسوء الحظ لم يأت مستقبلاً أفضل إلى غزة حتى الآن ولكن يبقى أملي بذلك.
كانت بدايتي الأولى والأكثر إثارة للمشاعر هي العمل مع الناجين من الصراع في تموز (يوليو) 2006، أثناء التوغل الإسرائيلي في بلدة عطاطرة في شمال قطاع غزة. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمح لي فيها مدرّبي بالتحدث مباشرة مع الضحية. لقد عانقتها لتهدئتها وجعلها تشعر بالأمان إلى حد ما. ما زلت أتذكر ألمها وحزنها العميقين، بسبب فقدان ابنها وزوجها وشقيقها. في تلك الجلسة الأولى مع النساء الحزينات، بكيت وشاركت مشاعري الخاصة مع النساء خلال الجلسة. كان فقدان أخي في عام 2008 أصعب لحظة في حياتي، الأمر الذي جعلني أدرك المعنى العميق للفقدان، لكنه دفعني أيضًا إلى تقوية عملي لمنع العنف وتخفيف معاناة النساء الحزينات.
في البداية، ركّزت في عملي على تقديم خدمات الدعم النفسي، لكنني أدركت بمرور الوقت مدى الحاجة إلى خدمات أكثر شمولاً. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات والتقارير أن معدلات العنف المنزلي ضد المرأة قد تضاعفت نتيجة للصراع المستمر. لذا أُنشئت جمعية عائشة لحماية المرأة والطفل كمنظمة تستهدف النساء وتقدم الدعم النفسي والاجتماعي المتخصص للنساء المتأثرات بالنزاع، بعد أن أثبتت شهادات من النساء وجود فجوة. أذكر امرأة واحدة، على سبيل المثال، فقدت طفلاً، لكنها لم تجد أحداً يدعمها. تكافح من أجل مواجهة الصدمة وحدها، تدهور زواجها، وتطلقت في نهاية المطاف. حتى الآن، يمكنني سماع كلماتها لي: "أتمنى لو كنت قد عرفتك من قبل!"
في نهاية المطاف، أعتقد أن العمل الذي نقوم به يجب أن يجسد منهجًا إنسانيًا عميقًا، في جوهره، مع التركيز على الفئات الذين نقدّم لهم الخدمات، والاتصال بهم، وعدم دفعهم لمصالح المؤسسات. على الرغم من المواقف الصعبة، لا تزال النساء هي الأكثر قدرة على التحمّل داخل أسرها خلال الأزمات ويجب دعمهن. يسهم عمل جمعية عائشة في تحسين جودة الخدمات المتاحة للنساء اللواتي بحاجة لمثل هذه الخدمات في غزة وتوسيع نطاق العمل ليشمل قطاعات مختلفة من العمل الإنساني، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والقانونية والصحية. وتعتبر جمعية عائشة أول مؤسسة نسائية تحصل على الدعم من الصندوق الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
نعتقد أن النساء الفلسطينيات قادرات على التغيير ولديهن القدرة الحقيقية على تغيير أجيال بأكملها، من أجل بناء دولة فلسطينية تعيش في حرية وأمان وسلام. ونطمح أن نعيش الحياة التي نستحقها، تمامًا مثل النساء والشعوب الأخرى في العالم.