منذ العام 2002، شوّه جدار طوله يزيد عن 700 كيلومتر معالم الضفة الغربية، وعطّل الحياة الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية والوصول إلى الخدمات.
يسكن الآلاف من الفلسطينيين في تجمعات سكانية بقيت بين الجدار وخط الهدنة للعام 1949 المعترف به دوليًا (الخط الأخضر)، وهم معزولون إلى حد كبير عن المدن الرئيسية وغيرها من بقاع بلدهم.
ويعتمد المزارعون في نحو 150 تجمعًا سكانيًا على تصاريح خاصة ليتمكنوا من الوصول إلى حقولهم وبساتينهم المعزولة. وفي القدس، باتت الأحياء الفلسطينية منفصلة عن بعضها بعضًا وتقع خارج المركز الحضري.
«كانت ابنتي تعاني من السرطان. ولم يسمح الجنود الإسرائيليون لنا بالمرور عبر الحاجر. كنا نقف على الصخور ونقفز منها [على جدار أقصر حل محله جدار أطول منه منذ ذلك الحين]، وابنتي ذات العامين بين ذراعيّ. كان عمرها ست سنوات عندما توفيت.»
«تسكن شقيقتي خلف الجدار، ولكننا لا نستطيع أن نزورها. كانت على بعد 10 دقائق بالسيارة. ترعرع أبنائي وهم لا يعرفون ما يوجد خلف الجدار.»
وُلد حمزه في نفس السنة التي بُني فيها الجدار. وحسبما يتذكره، كان يرى دائمًا مقاطع ضخمة من الإسمنت التي تحجب الأفق. ويمرّ الجدار عبر باحته مباشرة وتحت نافذة الغرفة التي يتقاسمها مع أشقائه الثلاثة. ولا يستطيع أن يرى ما يوجد خلف المقاطع الإسمنتية إلا من سطح منزله. ويستطيع أن يشاهد قبة الصخرة المشرفة من هناك، وهي قريبة للغاية – ومحرّمة عليه مع ذلك.
الهواء ثقيل في الحديقة عندما يبلغ الصباح مداه. ما عادت الريح تجري فيها، وقد شُلَّت حركتها بسبب الإسمنت.
إن الجدار مكّون من جدران اسمنتية، وأسوارا، وخنادق، وأسلاك شائكة، وممرات رملية ممشطة، ونظام مراقبة إلكتروني، وطرق بها دوريات، ومنطقة التماس والعديد من نقاط التفتيش العسكرية.
«نتمنى أن نلعب كرة القدم مع أبناء العموم الذين يسكنون على الجانب الآخر من الجدار.
عندما نبحث عن نسمة من الهواء، نتمنى أن نتمكن من رؤية أي شيء غير هذا الجدار الرمادي الضخم.»
«وُلدت في هذا المنزل قبل 42 عامًا. ونسكن على بعد دقيقتين من مركز مدينة بيت لحم، ولكنها باتت على الجانب الآخر الآن. لا يملك سوى نصف أفراد عائلتي ’الهويات المقدسية.‘
لا يسمح لي ولا لبناتي بدخول القدس دون تصاريح، مع أننا فعليًا على جانب القدس. ولا نستطيع أن نسافر كأسرة. إننا لا نسكن في القدس فعليًا. لست متأكدًا من أننا نعيش حقًا.»
إن الجدار جزء من نظام أكبر من العراقيل التي تحدد حركة الفلسطينيين ليس فقط خارج الأرض الفلسطينية وإنما بداخلها أيضا.
«لا يستطيع أصدقائي من بيت لحم المجيء واللعب هنا. ولا يأتي الأصدقاء من القدس إلى منزلنا الغريب بجانب الجدار.
لو لم يكن هناك جدار، لتخيلت أنني أجلس على شرفتنا الأمامية، وأقيم حفلة صغيرة لأخواتي وأبناء عمي والكثير من الأصدقاء .»
«ولدت هنا في بيت لحم، ولكن على جانب ’القدس‘ من الجدار.
لسنا هنا ولا هناك. لا أستطيع أن أخرج هذا الواقع من ذهني: كانت أمي مصابة بالسرطان وكانت في حاجة إلى المستشفى، ولكن لم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليها. ودام هذا الحال قرابة ثلاث سنوات. هي بخير الآن، ولكنني ما زلت أستيقظ والقلق يعتريني.»
شرعت القوات الإسرائيلية في بناء الجدار بهدف معلن يتمثل في منع الهجمات التي يشنها الفلسطينيون داخل إسرائيل. هذا ويقع الشطر الأعظم من مسار هذا الجدار داخل الضفة الغربية ولا يمتد على خط الهدنة لعام 1949 (الخط الأخضر).
يقول عبد الحليم أبو عثمان، الذي تظهر زوجته وحفيده في الصورة: «كنا نتنقل بسهولة قبل الجدار. لقد بنوه على مسافة قريبة للغاية من منزلنا. وكان الجنود الإسرائيليون يجلسون على سطحنا لمدة زادت عن أربع سنوات. لي أعمام وشقيقة على الجانب الآخر. وفقدنا التواصل مع الأصدقاء الذين يسكنون على بعد شارع فقط.»
كان جد هؤلاء البنات يملك محلات تجارية على كلا جانبي الجدار. كانت تجارته ناجحة. ولكنه اضطر إلى إغلاق محلاته بعدما بُني الجدار. «كنا نتحدث إلى جيراننا خلف الجدار، ولكننا ما عندنا نراهم. كنا سنزور عمتنا والبحر لو لم يكن الجدار هناك. لا بد أن الحياة على الجانب الآخر أفضل.»
عدا عن منع حركة الناس، انطوى بناء الجدار على مصادرة أراضي الفلسطينيين التي بُني عليها وعُبِّدت طرق الدوريات عليها. ويلعب عمر بمحاذاة الجدار على بعد أمتار قليلة فقط من منزل عمه الذي كان قائمًا حتى هدمته السلطات الإسرائيلية. لم يكن عمر قد ولد بعد، ولكن الأنقاض لا تزال بادية للعيان.
قضت محكمة العدل الدولية بتاريخ 9 يوليو/تموز 2004 بأن مقاطع الجدار التي تتغلغل داخل الضفة الغربية تخالف الالتزامات الواقعة على إسرائيل بموجب القانون الدولي، ودعت المحكمة إسرائيل إلى تفكيك هذه المقاطع. إن قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة 10/15 بتاريخ 2 يوليو/تموز2001 يطالب إسرائيل بالامتثال بذلك، هذا ولا زال الجدار قائما.
«عندما بنت السلطات الإسرائيلية الجدار، لم تريد أن نبقى هنا، قريبون للغاية. ثم نصبت السلطات هذه البوابة، ولكنها أرادت فتحها في ساعات محددة.
وحارب محامينا للسماح لنا بالحصول على جهاز تحكم عن بعد، وهو معنا الآن. ولكن يخشى الناس من زيارتنا. فالجنود حولنا في كل مكان. يجب على أحدنا أن يبقى لإغلاق البوابة. كانت حفلة شقيقة زوجتي يوم أمس وكان لا بد من بقاء ابننا الأكبر. الأمر أشبه بالعيش في سجن.»
بما يتنافى مع القانون الدولي والهدف المعلن لبنائه – منع الهجمات التي يشنها الفلسطينيون في إسرائيل - يتغلغل معظم مسار الجدار داخل الضفة الغربية ويفصل الفلسطينيين بالتالي عن بعضهم بعضًا. باتت الشوارع والأحياء التي كانت متصلة فيما مضى عوالم منفصل بضعها عن بعض. ويقوض مسار الجدار سبل عيش الناس ويزيد من اعتمادهم على المساعدات الإنسانية.