لقد دفعت المستجدات التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية قطاع غزة إلى حافة الإنهيار. فأولاً، تواجه وكالة الأونروا، التي تُعَدّ واحدة من مقدّمي الخدمات الرئيسيين والمصدر الذي يؤمِّن سُبل العيش لما يقرب من 1,3 مليون لاجئ فلسطيني في غزة، أزمة مالية غير مسبوقة. وقد جاء ذلك عقب إشارات من الولايات المتحدة، وهي المانح الرئيسي للوكالة، إلى أن إجمالي المساهمات التي تقدمها للوكالة في جميع مناطق عملياتها في الشرق الأوسط سوف يتراجع بصورة كبيرة خلال العام 2018 عن المبلغ الذي يزيد على 350 مليون دولار، والذي قدمته لها في العام 2017. وتتعرّض التدخلات الإنسانية التي تنفذها وكالة الأونروا، والتي تشمل تقديم المساعدات الغذائية لنحو مليون شخص في قطاع غزة، للخطر بوجه خاص. فحتى هذا اليوم من العام 2018، لم يقدَّم شيء من التمويل الذي تصرفه الولايات المتحدة لهذه المشاريع، ولم تكن المساهمات التي قدّمها المانحون الآخرون كافية لتغطية هذه الفجوة. وتشكّل المشاريع التي تنفذها الوكالة ما نسبته 53 في المائة من إجمالي الإحتياجات اللازمة لخطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018، والإستراتيجية متعددة الوكالات والمناشدة التي أُطلقت لتأمين التمويل لمجتمع العمل الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ثانيًا، وحسبما تؤكّد عليه إحدى المقالات الواردة في نشرة الشؤون الإنسانية لهذا الشهر، فقد أدى عدم إحراز تقدم على صعيد تنفيذ إتفاق المصالحة، الذي جرى التوصّل إليه بين حركتيّ فتح وحماس في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلى تحسّن ضئيل بالنسبة لسكان غزة. وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية عَدَلت عن تقليص التمويل الذي كانت تنفذه منذ شهر حزيران/يونيو 2017، مما أسهم في زيادة إمدادات الكهرباء التي تزوّدها إسرائيل، فلم يُترجم هذا الأمر إلى تحقيق مكاسب صافية ذات قيمة متساوية بسبب تحويل الأموال المخصصة لمحطة غزة لتوليد الكهرباء، وهو ما تسبّب في تقليص قدرتها على إنتاج الطاقة. ونتيجةً لذلك، ما يزال إنقطاع الكهرباء لفترة تصل إلى 16 ساعة في اليوم يتسبب في تقويض تقديم الخدمات الأساسية. وقد أعادت السلطة الفلسطينية فرض عدد من الضرائب على سكان غزة، حيث يُحتمل أن تزيد هذه الضرائب، وما يقترن بها من أزمة الرواتب المستمرة في القطاع العام، الوضع الإقتصادي المتردي في الأصل سوءًا، وهو ما يتجسّد في معدل البطالة الذي يتجاوز 46 في المائة. ومع أن سلطات حماس سلّمت السيطرة على الجانب الفلسطيني من معابر غزة للسلطة الفلسطينية، فلم يطرأ أي تغيّر على أعداد الأشخاص الذين يُسمح لهم بالتنقل عبر المعابر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والمصرية.
ثالثًا، من المتوقع نفاد التمويل المرصود لوقود الطوارئ الذي تقدّمه الأمم المتحدة لمرافق الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي الأساسية في غزة، والذي يسمح لها بتشغيل المولدات الإحتياطية في ظل إنقطاع الكهرباء، بحلول منتصف شهر شباط/فبراير، ما لم يجرِ تأمين تمويل جديد. وعقب نفاد إحتياطيات الوقود بصورة كاملة تقريبًا في يوم 29 كانون الثاني/يناير، أعلن مستشفى بيت حانون، الذي يخدم ما يربو على 300,000 شخص في شماليّ غزة، عن توقّفه عن تقديم الخدمات الطبية. ودون وقود الطوارئ، فسوف يطرأ تقليص حاد على خدمات الطوارئ والخدمات التشخيصية التي تقدمها المستشفيات العامة الاثني عشر الأخرى، ويفيض 55 حوضًا من أحواض مياه الصرف الصحي، وسوف يتراجع تشغيل 48 محطة تحلية بنحو 20 في المائة، وتنخفض القدرة على جمع 1,700 طن من النفايات الصلبة في اليوم بمقدار الثلث. وثمة حاجة مستعجلة لتأمين 5.6 مليون دولار من أجل المحافظة على توفير 700,000 لتر من الوقود في الشهر خلال العام 2018 لـ175 منشأة من المنشآت الحيوية. وهذا هو الحدّ الأدنى المطلوب للحيلولة دون إنهيار الخدمات الأساسية.
وتبيّن مقالة أخرى تَرِد في نشرة هذا الشهر أنّ الوضع في غزة شهد المزيد من إنعدام الإستقرار بسبب تصاعد حدّة التوتر الذي لوحظ منذ إعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل في يوم 6 كانون الأول/ديسمبر 2017. فسبعة عشر فلسطينيًا من الفلسطينيين العشرين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة حتى يوم 30 كانون الثاني/يناير، وتسعة منهم في غزة، قُتلوا خلال المظاهرات والإشتباكات التي ألقى الفلسطينيون الحجارة في الغالبية الساحقة منها على تلك القوات. وفي أعقاب مقتل أحد هؤلاء الفلسطينيين، أثار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان مخاوف جدّية "حول ما إذا كانت القوة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية متلائمة مع التهديد." وقد قُتل الفلسطينيون الثلاثة الآخرون في غارات جوية شنّتها إسرائيل على غزة ردًا على الصواريخ والقذائف التي أطلقتها الفصائل المسلحة في غزة بإتجاه جنوب إسرائيل.
ومن القضايا الأخرى المتعلقة بغزة، والتي تتطرق هذه النشرة إليها أيضًا، قضية العنف القائم على النوع الإجتماعي. فوفقاً لعدد من إستطلاعات الرأي، تُعَدّ هذه المشكلة أكثر حدّة في غزة منها في الضفة الغربية، وهي تُعزى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية فيه. وقد نشرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مؤخرًا تقريرًا يسلّط الضوء على الفجوات المستمرة والإحتياجات التي تستدعي منع العنف القائم على النوع الإجتماعي وتنفيذ أنشطة الخدمات المتصلة بهذا الجانب في غزة. ويشير هذا التقرير إلى أن الفقر وغياب الفرص الإقتصادية المتاحة لأرباب الأسر وأُسرهم تشكل عوامل رئيسية تقف وراء إستشراء هذا العنف في غزة. وتقدّم العشرات من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأهلية المحلية في غزة الدعم لضحايا العنف القائم على النوع الإجتماعي. وحسب الوصف الوارد على لسان ناجية من العنف القائم على النوع الإجتماعي في هذه النشرة، فقد ساعدها هذا الدعم في إستعادة إحساس جديد بهدفها في حياتها.
وفيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة، شدّد المنسق الخاص لعملية السلام، نيكولاي ملادينوف، في الإحاطة التي قدّمها لمجلس الأمن مؤخرًا، على أنه من أجل منع المزيد من المعاناة وتفادي تصعيد جديد، "يجب التعامل مع مجموعة التحديات الإنسانية والسياسية والأمنية القابلة للاشتعال على وجه السرعة وبصورة فعّالة."