ما يزال الوضع الإنساني في قطاع غزة يشهد تدهورًا. فمنذ أن بدأ التوتر يعصف بالقطاع منذ يوم 30 آذار/مارس، حيث ينظم الفلسطينيون مظاهرات أسبوعية بمحاذاة السياج الحدودي مع إسرائيل في سياق ’مسيرة العودة الكبرى‘. وحتى يوم 30 أيار/مايو، قتلت القوات الإسرائيلية 128 فلسطينيًا، معظمهم خلال المظاهرات، وأصابت أكثر من 13,000 آخرين بجروح، بمن فيهم ما يزيد عن 3,600 أصيبوا بالذخيرة الحية، مما يثير قلقًا عميقًا إزاء الإستخدام المفرط للقوة.
ويتجاوز عدد الإصابات الهائل العدد لأولئك الذين أصيبوا بجروح خلال الأعمال القتالية التي إندلعت في العام 2014. ففي يوم 23 أيار/مايو، أعلن المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بيير كراهينبول، عقب زيارته إلى المنشآت الصحية في غزة: "إنني أعتقد جازمًا أنّ الكثيرين في العالم يقللون تمامًا من حجم الكارثة التي حلّت بقطاع غزة على الصعيد الإنساني منذ بداية المسيرات في يوم 30 آذار/مارس [...] ولم يبعث عدد الجرحى الصدمة في نفسي فحسب، بل أثارتها طبيعة الإصابات أيضًا [...] فنمط الإصابات، من حيث الجرح الصغير الذي تسبّبه الرصاصة عندما تدخل والجرح الكبير الذي تحدِثه عند خروجها، يشير إلى أن الذخيرة المستخدمة تتسبّب في إلحاق أضرار جسيمة بالأعضاء الداخلية وأنسجة العضلات والعظام."
وتتناول المقالة الرئيسية التي يشملها عدد نشرة الشؤون الإنسانية لهذا الشهر الصعوبات التي يواجهها القطاع الصحي في غزة في التعامل مع هذه الإصابات. فقد أُستُنفدت اللوازم الطبية إلى حد كبير، وبات تقديم الخدمات الطبية للمرضى غير المصابين في الأحداث محط جدل، حيث جرى تحويل الأقسام غير الجراحية إلى أقسام لإجراء العمليات الجراحية من أجل التعامل مع التدفق الهائل لأعداد الجرحى الذين أصيبوا بجروح خلال هذه الأحداث. وتعيِّن على المستشفيات التابعة لوزارة الصحة أن تعلق عمل جميع عياداتها الخارجية لكي تتعامل مع تدفق الأعداد الهائلة من المصابين. وقد تسبّبت هذه التطورات في تفاقم الوضع الهش في الأصل للنظام الصحي في غزة نتيجة لما يزيد على 10 أعوام من الحصار، وإستفحال الإنقسام الداخلي الفلسطيني، وتفاقم أزمة الطاقة وعدم إنتظام دفع رواتب أفراد الطواقم الطبية العاملين في القطاع العام.
وقد تفاقم الوضع بسبب التصعيد المؤقت الذي جاء بين يومي 28 و30 أيار/مايو، ويُعدّ الأخطر منذ الأعمال القتالية التي شهدها العام 2014. فقد أطلقت الجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة ما يزيد على 200 صاروخ وقذيفة بإتجاه إسرائيل، حيث جرى إعتراض معظمها في الجو أو سقطت في مناطق مفتوحة، مما أدى إلى إصابة عدد قليل من الإسرائيليين بجروح وإلحاق أضرار محدودة، بما فيها الضرر الذي أصاب روضة أطفال. وأطلقت القوات الإسرائيلية قذائف الدبابات وشنت غارات جوية على 65 هدفًا في غزة، وقتلت أربعة من أفراد الجماعات المسلحة وألحقت الضرر بالعديد من المواقع العسكرية. وعلى الرغم مما بدا من أن هذه الجولة من أعمال العنف قد بلغت نهايتها، يشكّل تأجّج العنف "تحذيرًا لجميع الأطراف بشأن مدى إقترابنا من هاوية الحرب في كل يوم"، وذلك وفقًا للملاحظة التي أبداها منسق الأمم المتحدة الخاص ملادينوف في الإحاطة التي قدّمها لمجلس الأمن في يوم 30 أيار/مايو.
ويأتي تصاعد وتيرة العنف وتزايد أعداد الضحايا في ظل ظروف معيشية متردية في غزة. وتركّز مقالة أخرى من المقالات الواردة في نشرة هذا الشهر على مسح نشره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مؤخرًا، حيث يبيّن أن معدلات الفقر في غزة إرتفعت من 38.8 في المائة في العام 2011 إلى 53 في المائة بحلول نهاية العام 2017، مما ألحق الضرر بمليون شخص، من بينهم 400,000 طفل. ويُعرف الفقراء على أنهم أولئك الذين يعيشون على ما يقل عن 4.6 دولار في اليوم، والذي يقدِّر الجهاز المركزي للإحصاء أنه الحد الأدنى لتغطية الإحتياجات الأساسية للأسر المعيشية، بما فيها الغذاء، الذي يستحوذ على ما نسبته 35 في المائة من إستهلاك الأسر المعيشية في غزة.
وقد رفعت الأمم المتحدة، من خلال وكالة الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي، من حجم المساعدات الغذائية التي تقدمها بصورة ملحوظة على مدى السنوات القليلة الماضية: ففي هذه الآونة، تقدم الأونروا المساعدات الغذائية لما يقرب من مليون لاجئ في غزة، كما يستهدف برنامج الأغذية العالمي عددًا إضافيًا يبلغ 245,000 شخص يعانون من إنعدام شديد في الأمن الغذائي من غير اللاجئين. ومع ذلك، تفيد كلتا الوكالتين إلى نقص حاد في التمويل: فمن جملة المبلغ الذي يصل إلى 224.8 مليون دولار الذي طُلب في خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018 لتغطية إحتياجات الأمن الغذائي في قطاع غزة، لم يتم إستلام سوى 37.7 مليون دولار، أو 16.7 في المائة من المبلغ المطلوب حتى الآن، وهو ما يعرّض إستمرار البرامج للخطر خلال النصف الثاني من هذا العام.
وفي الضفة الغربية، تتناول مقالتان ترِدان في نشرة هذا الشهر قضيتين تثيران القلق منذ أمد طويل: عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، والذي تتزايد وتيرته منذ العام 2017، والأثر الإنساني للمساعي المتواصلة التي تبذلها المنظمات الإستيطانية الإسرائيلية في سبيل السيطرة على الممتلكات الواقعة في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
وبخصوص القضية الثانية، تتناول دراسة حالة الصعوبات الحالية التي تواجهها عائلة قِرِّش التي تم إخلاؤها من منزلها في البلدة القديمة بالقدس في شهر أيلول/سبتمبر 2016، عقب صدور قرار من المحكمة. وحاليًا، تواجه عائلتان أخريان في حي الشيخ جراح خطرًا وشيكًا بإخلائهما في السياق نفسه.
ومما يبعث على القلق القرار النهائي الذي أصدرته محكمة العدل العليا الإسرائيلية في يوم 24 أيار/مايو بشأن قضية تجمّع الخان الأحمر البدوي الفلسطيني التي طال أمدها، حيث يمهّد هذا القرار الطريق أمام هدم التجمع بأكمله، بما يشمله من مدرسة شُيدت بتمويل من المانحين ويدرس فيها طلاب من تجمعات بدوية أخرى في المنطقة، والترحيل القسري لسكانه، وذلك بذريعة الإفتقار إلى رخص البناء. وُيعد هذا التجمع واحدًا من 18 تجمعًا يقع في منطقة مخصصة لخطة (E1) الإستيطانية أو بجوارها. وفي يوم 30 أيار/مايو، صادقت السلطات الإسرائيلية على مخطط لتشييد 92 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة كفار أدوميم الملاصقة لتجمع الخان الأحمر. كما رفع سكان هذه المستوطنة إلتماسًا إلى المحكمة العليا لتنفيذ أوامر هدم غير منفَّذة، كانت قد صدرت بحق التجمع المذكور.