حذّرت نشرة الشؤون الإنسانية التي صدرت الشهر الماضي من أن قطاع غزة بات على حافة الإنهيار. وتتمثل العوامل الرئيسية التي تم تحديدها في تلك النشرة في عدم إحراز تقدُّم على صعيد تنفيذ إتفاق المصالحة بين حركتيْ فتح وحماس، والأزمة المالية غير المسبوقة التي تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وهي احدى الجهات الرئيسية التي تقدم الخدمات في الأرض الفلسطينية المحتلة، والخطر الذي ينطوي عليه نفاد التمويل المرصود لوقود الطوارئ الذي تقدّمه الأمم المتحدة في غزة بحلول منتصف شهر شباط/فبراير.
وقد جرى تدارُك هذا الأخير بصورة مؤقتة بعد تقديم تبرعات وصل مجموعها إلى 3.5 مليون دولار في اللحظة الأخيرة. ومع ذلك، فلن يغطي التمويل المتاح حاليًا سوى نحو نصف الحدّ الأدنى المطلوب للمحافظة على توريد وقود الطوارئ خلال العام 2018، على إفتراض أن إمدادات الكهرباء لن تشهد أي تراجع إضافي. وتتجلى الآثار التي تسببها أزمة الطاقة على جميع قطاعات المجتمع في هذا العدد في حالة الطفل ذو التسعة أعوام والذي تتعطل جلسات غسيل الكلى التي يخضع لها بوتيرة منتظمة بسبب إنقطاع الكهرباء، مما له تبعات خطيرة على صحته، وأيضا في مقابلة أُجريت مع أحد مسؤولي بلدية غزة، يشدّد من خلالها على المخاطر الصحية والبيئية الناجمة عن آلاف الأطنان من القمامة غير المجمَّعة، والتي تتراكم في هذه الآونة في جميع أنحاء المدينة بسبب نقص الوقود اللازم لتسيير شاحنات القمامة.
وفي الوقت الذي لم تشهد فيه الأزمة التي تعصف بوكالة الأونروا تغييرًا كبيراً، فقد جرى حشد بعض آليات تمويل حالات الطوارئ مؤخرًا من أجل التخفيف من آثار هذه الأزمة على أكثر فئات السكان هشاشة. ففي 13 آذار/مارس، أقرّ صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ تقديم منحة إستثنائية تبلغ قيمتها 15 مليون دولار لوكالة الأونروا لدعم المساعدات الغذائية العاجلة من خلال البطاقات التموينية وتوفير فرص النقد مقابل العمل لأكثر من 600,000 لاجئ فلسطيني في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. ومن المقرر أن يوفّر قرض إضافي قدره 15 مليون دولار الدعم للنشاطات الإنسانية المنقِذة للحياة، والتي تنفذها الأونروا في جميع ميادين عملها في الشرق الأوسط، إلى حين تلقّي تمويل إضافي. وقبل ذلك، تمكّن صندوق التبرعات الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة، الذي يديره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، من صرف 900,000 دولار لتأمين الدعم لـ140,000 فلسطيني من بين الأكثر ضعفًا في الضفة الغربية، الذين تُركوا بلا دعم بسبب نقص التمويل. ويساند هذا الإعتماد المالي نشر العيادات المتنقلة في 39 تجمعًا سكانيًا في الضفة الغربية، ويحافظ على توزيع المواد الغذائية على سكان التجمعات البدوية والرعوية في المنطقة (ج)، لفترة تصل إلى ستة أشهر. ومن المقرّر عقد مؤتمر دولي لجمع التبرعات للوكالة، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة، في 15 آذار/مارس في روما.
وفي إحدى المقالات الواردة في نشرة هذا الشهر، والتي تستعرض نظرة عامة حول عمليات الهدم والتهجير في الضفة الغربية خلال شهريْ كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2018، يُسلط الضوء على مدى هشاشة الأوضاع الإنسانية في التجمعات السكانية الفلسطينية في المنطقة (ج). فمن بين المباني التي إستُهدفت خلال هذه الفترة، بحجة عدم وجود رخص البناء، غرفتان صفيتان شُيدتا حديثًا بتمويل من الجهات المانحة في تجمع أبو نوار البدوي الفلسطينية. ويقع هذا التجمع في منطقة أُعدت الخطط لإستخدامها في توسيع مستوطنة معاليه أدوميم (خطة E1)، وهو أحد التجمعات البالغ عددها 46 تجمّعًا والتي يتعرّض سكانها لخطر الترحيل القسري بسبب البيئة القسرية، بما تشمله من تعزيز الخطط الرامية إلى نقلها. ويشير تقييم أُجريَ مؤخرًا إلى أن 36 مدرسة أساسية في المنطقة (ج) وثماني مدارس في القدس الشرقية، يدرس فيها نحو 5,000 طفل، معرّضة لخطر الهدم أو المصادرة.
ويتصل الموضوع الأخير الذي تتناوله نشرة هذا الشهر بالحظر الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على وصول المركبات إلى حزما، وهي قرية فلسطينية يزيد تعداد سكانها على 7,000 نسمة في محافظة القدس، والخروج منها، وذلك ردًّا على ما قام به شبان فلسطينيون من إلقاء الحجارة على مركبات إسرائيلية، حسبما أفادت التقارير. وقد تسبّب هذا الإغلاق، الذي ما يزال متواصلًا منذ أكثر من 40 يومًا حتى وقت كتابة هذه النشرة، في تعطيل قدرة سكان القرية على الوصول إلى الخدمات وسبل العيش، كما يؤثر تأثيرًا غير متناسب على الأطفال، وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة. وما يزال إغلاق التجمعات السكانية الفلسطينية عقب الهجمات التي يشنّها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين، بما فيها إلقاء الحجارة، قائمًا بوتيرة منتظمة منذ أواخر العام 2015. ووفقًا للأمين العام للأمم المتحدة، فقد تبلغ هذه الممارسة حدّ العقاب الجماعي، الذي يحظره القانون الدولي الإنساني حظرًا صارمًا.وفي إشارته إلى الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة، حذّر منسّق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام، نيكولاي ملادينوف، في الإحاطة التي قدّمها لمجلس الأمن في شهر شباط/فبراير من أن تنفيذ الإتفاق الداخلي الفلسطيني "قد توقف"، وأنه في ظل غياب "الخطوات الفورية لمعالجة الأزمة الإنسانية وإنعاش الإقتصاد، سنواجه إنهيارًا مؤسسيًا وإقتصاديًا كاملًا بغزة. وهذا ليس تنبؤًا يبعث على القلق – بل هو حقيقة". وفيما يتعلق بالضفة الغربية، أعاد السيد ملادينوف التأكيد على أنه "يجب علينا نحن في المجتمع الدولي أن نواصل الدعوات إلى إجراء تغييرات جوهرية في السياسة الاسرائيلية ... بما في ذلك وقف بناء المستوطنات، وهدم المباني ومنع مشاريع التنمية الفلسطينية في المنطقة (ج)." كما دعا "جميع الأطراف إلى رفض العنف، وإدانة الإرهاب، وضمان المساءلة والعمل على تخفيف حدّة التوتر."