أجمع مشاركون في إجتماع لجنة الإتصال المخصّصة لتنسيق المساعدة الدولية المقدّمة للشعب الفلسطيني، وهو الإجتماع الذي عقده مانحون لدعم الأرض الفلسطينية المحتلة على مستوى الوزراء في يوم 27 أيلول/ سبتمبر، على إعتبار الأوضاع الإنسانية كارثية في قطاع غزة. ومن جملة الملاحظات التي أبداها هؤلاء المشاركون، تحذيراً للبنك الدولي من أن إقتصاد غزة "في حالة هبوط حادّ، حيث سجّل نموًا نسبته سالب 6 بالمائة خلال الربع الأول من العام 2018، ومعدل بطالة وصل إلى 53 بالمائة (ويزيد معدلها عن 70 بالمائة بين الشباب)... وبالنظر إلى أنّ الشخص الثاني من إثنين في غزة كان يعيش تحت خط الفقر قبل ظهور هذه المستجدات الأخيرة، هذا التدهور يبعث على القلق." [1]
ووفقًا للبنك الدولي، يقف وراء التدهور الذي شهده العامان 2017 و2018 تراجعٌ حادّ في تحويل الأموال إلى قطاع غزة، وهي مصدر الدخل الحصري تقريبًا الذي بقيَ للقطاع في أعقاب إستنزاف القطاع الإنتاجي نتيجةً للحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه بحجة المخاوف الأمنية منذ ما يزيد على عقد كامل من الزمن. وشمل التراجع الذي طرأ على هذه ’التحويلات‘، بصورة رئيسية، تقليص الموازنة التي ترصدها السلطة الفلسطينية لغزة في سياق الإنقسام الداخلي الفلسطيني، وصرف مبالغ محدودة من التعهدات التي إلتزمت بها جهات مانحة دولية لإعادة الإعمار، وتخفيض المساعدات الإنمائية التي تقدّمها حكومة الولايات المتحدة، وتراجع في تمويل المساعدات الإنسانية.
تستعرض أولى المقالات الواردة في نشرة الشؤون الإنسانية لهذا الشهر نظرة عامة على تمويل الأنشطة الإنسانية حتى هذه اللحظة من العام 2018، والتي بلغ دعمها أقل مستوياته على الإطلاق وباتت تُعَدّ إحدى أسوأ العمليات من ناحية تمويلها على مستوى العالم. فحتى نهاية شهر أيلول/ سبتمبر، لم يُجمع سوى 29 بالمائة من مبلغ قدره 539.7 مليون دولار أُطلِقت المناشدة لتأمينه خلال العام 2018، وذلك بالمقارنة مع 47 بالمائة و50 بالمائة بحلول نهاية العامين 2017 و2016 على التوالي. وبينما يكمن السبب الرئيسي وراء فجوات التمويل في تراجع المساهمات المقدّمة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تشكّل مشاريعها أكثر من نصف خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2018 تقريبًا، فإن جميع الوكالات تقريبًا تشهد نقصًا أكبر في التمويل ممّا شهدته في السنوات السابقة. وللوفاء بالإحتياجات الإنسانية الفورية، صرف المنسق الإنساني في يوم 22 أيلول/ سبتمبر مبلغًا قدره 8.3 مليون دولار من الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة من أجل السماح بتنفيذ بعض المشاريع الحيوية التي تشملها خطة الإستجابة الإنسانية.[2] ومن البوادر الإيجابية أن وكالة الأونروا حصلت، في يوم 27 أيلول/ سبتمبر، على تعهدات إضافية متعددة من مختلف الدول الأعضاء بتقديم ما مجموعه 122 مليون دولار. ومن شأن هذا المبلغ، حال صرفه، أن يقلّص العجز الذي تعاني منها الوكالة خلال العام 2018 في جميع مجالات عملياتها في الشرق الأوسط إلى 64 مليون دولار.
ويكمن بُعد مهم آخر من أبعاد المعاناة التي تعصف بسكان قطاع غزة، وتتناوله مقالة أخرى في هذه النشرة، في عزلهم عن بقية أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي. فشريحة قليلة من هؤلاء السكان مؤهلة للحصول على تصاريح الخروج التي تيسّر لهم مغادرة هذا الجيب المحاصر عبر معبر إيرز الذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية، بمن فيهم المرضى الذين يجري تحويلهم لغايات الحصول على العلاج الطبي غير المتاح في غزة. فخلال النصف الأول من العام 2018، وافقت السلطات الإسرائيلية على أقل من 60 بالمائة من طلبات التصاريح التي قدّمها المرضى، ولم تُبدِ أسبابًا محددة تقف وراء رفض معظم الطلبات المقدمة أو تأخيرها. ومن جهة أخرى، لم يزل معبر رفح الذي يخضع للسيطرة المصرية مفتوحًا بصورة متواصلة تقريبًا منذ شهر أيار/ مايو 2018، مما أسهم في إستعادة منفذ محتمل أمام جميع السكان. ومع ذلك، فقد عرقل هذا التطور تقليص عدد المسافرين الذين يُسمح لهم بالمرور عبر المعبر كل يوم (نحو 350 مسافرًا)، والمعايير الغامضة المعتمَدة في إختيار هؤلاء المسافرين، وأوقات الإنتظار الطويلة على المعبر، وعمليات التفتيش الأمني المتعددة التي يخضع لها المسافرون والصعوبات التي يواجهونها في طريقهم إلى القاهرة وعودتهم منها إلى غزة.
وعلى نحو ما أبرزته نشرات الشؤون الإنسانية السابقة، تسبّب الإرتفاع الهائل الذي طرأ على أعداد الضحايا الذين أُصيبوا في سياق مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘ في إرهاق القطاع الصحي الهشّ أصلًا في غزة وأفرز المزيد من الإحتياجات. فخلال شهر أيلول/ سبتمبر، وفي سياق المعاناة وحالة إنعدام الأمل المتزايدة، إتّسع نطاق المظاهرات التي باتت الآن تندلع كل يوم تقريبًا، بما فيها تجمّعات ليلية على مقربة من السياج الحدودي، ومحاولات ترمي إلى كسر الحصار البحري ومظاهرات بالقرب من معبر إيريز المخصص للمسافرين. وإلى جانب إلقاء العبوات الناسفة التي بات وتيرها بالتزايد باتجاه القوات الإسرائيلية ومحاولات يُقْدِم عليها بعض المتظاهرين لإختراق السياج الحدودي، وقد تمخّضت هذه المستجدات عن مقتل 23 فلسطينيًا، بينهم ثمانية أطفال، وإصابة 1,240 آخرين بجروح خلال هذا الشهر. وفي أعقاب مقتل سبعة متظاهرين، بمن فيهم طفلان، في يوم 28 أيلول/ سبتمبر، دعا المنسق الإنساني "إسرائيل وحماس وجميع الأطراف الفاعلة الأخرى، التي لها القدرة على التأثير في هذا الوضع، إلى إتخاذ إجراء الآن لمنع حدوث المزيد من التدهور ووقوع خسائر في الأرواح."
وللتخفيف من حدّة الكارثة الإنسانية التي تتكشّف فصولها في غزة، قدّمت الأمم المتحدة، خلال إجتماع لجنة الإتصال المخصصة لتنسيق المساعدة الدولية المقدّمة للشعب الفلسطيني، حزمة من مشاريع البنية التحتية العاجلة التي تستهدف النهوض بتقديم خدمات المياه والكهرباء والرعاية الصحية، في ذات الوقت الذي تولّد فيه الدخل وتخلق فرص العمل على نحو يحدث أثرًا سريعًا على أرض الواقع في غضون إطار زمني يتراوح من ستة أشهر إلى 12 شهرًا. وبينما أُعِدّت الخطط اللازمة لإطلاق هذه المشاريع كافة وجرت الموافقة عليها، فهي ما تزال في إنتظار التمويل المطلوب لتكون في موضع التنفيذ. وأيًا كان الأمر، فإن هذه المشاريع لا تحلّ محل المساعدات الإنسانية الفورية المطلوبة بصورة عاجلة.
[1] World Bank, Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, 27 September 2018, para. 1.
[2] يمثل الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة صندوقًا مشتركًا للطوارئ. ويتولّى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إدارة هذا الصندوق بالنيابة عن المنسق الإنساني. للمزيد من التفاصيل، أنظرهنا .