منذ أواخر آذار/مارس 2018، يشارك الآلاف من الفلسطينيين في مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘ الأسبوعية بمحاذاة السياج الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل، يطلبون من خلالها حق الفلسطينيين في العودة ووضع حدّ للحصار الإسرائيلي. وقد أثار العدد الكبير للضحايا، الذين سقطوا من بين المحتجّين الفلسطينيين العزّل، ولا سيما ارتفاع عدد الأشخاص الذين أُصيبوا بالذخيرة الحية، في ظروف لم يبدُ أنها كانت تشكّل خطرًا مُحِدقًا يهدّد الجنود الإسرائيليين المتمركزين خلف السياج بالموت أو بتعرُّضهم لإصابات خطيرة، القلق إزاء الاستخدام المفرط للقوّة من قبل القوات الإسرائيلية.[1] وتتناول المقالة الأولى الواردة في عدد هذا الشهر الأثر الإنساني لهذه الإصابات على المصابين أنفسهم وتداعيات عبء يفوق طاقة النظام الصحي في قطاع غزة.
وفي يوم 29 أيار/مايو، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا حول الإصابات التي وقعت بين صفوف الفلسطينيين خلال العام الأول من ’مسيرة العودة الكبرى‘، بناءً على بحث أجرته المنظمة بالتعاون مع ما يزيد عن 20 وكالة. ففي الفترة ما بين يوميْ 30 آذار/مارس 2018 و30 آذار/مارس 2019، قُتِل 277 فلسطينيًا وأُصيبَ أكثر من 28,000 آخرين خلال الفترة التي شهدت هذه الاحتجاجات. ويشير التقرير أن النقاط الطبية الميدانية، التي أقامتها منظمة الصحة العالمية لعلاج المصابين بدعم من وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أزاحت عبئًا هائلًا عن كاهل شبكة المستشفيات، المنهَكة أصلًا في قطاع غزة، من أعداد مرتفعة من المصابين خلال ’مسيرة العودة الكبرى‘، وأن حياة ما يتراوح من 435 إلى 1,227 شخصًا قد أُنِقذت بفضل مسار إحالة الإصابات، الذي جرى اعتماده.”
ومع ذلك، يحتاج ما نسبته 60 في المائة من المصابين في ’مسيرة العودة الكبرى‘ إلى العلاج في المستشفيات، بمن فيهم أكثر من 6,800 مصابًا بالذخيرة الحية. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، "بينما يرهِق هذا الوضع حتى خدمات الطوارئ التي يتم تجهيزها بشكل جيد في أفضل الأنظمة الصحية في كل مكان، فإنها تشكّل تحديًا يكاد يستحيل على مستشفيات غزة أن تتغلب عليه.[2]
وقد سبّبت الذخيرة فائقة السرعة، التي تستخدمها إسرائيل ضد المتظاهرين، "أضرارًا بالغة بالعظام وأضرارًا لا يمكن تداركُها في الأوعية العصبية. وغالبًا ما يزيد الضرر البالغ الذي يصيب الأنسجة اللينة من تعقيد هذه الإصابات."[3] وقد تمخّض استخدام هذه الذخيرة عن إصابات دائمة غيّرت مجرى حياة من أُصيبَ بها، حيث تقدّر منظمة الصحة العالمية أن ما يتراوح من 20 إلى 30 في بالمائة ممن أصيبوا بالذخيرة الحية في أطرافهم، أو ما بين 1,209 و1,746 مريضًا، يحتاجون إلى أحد أشكال العلاج الطبي المتخصّص من المستوى الثالث.
ويتطلّب تقديم هذا النوع من العلاج موارد إضافية من نظام صحي يعاني من تحدّيات طويلة الأمد، بما فيها نقص الأدوية والمستهلكات الطبية، وأزمة الرواتب التي لا تزال تؤثّر على موظفي الحكومة وشُحّ التمويل. وكما ورد في الملاحظة للدكتور جيرالد روكينشاوب، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة، "لا تمثّل التدخّلات التي تنفَّذ في علاج الإصابات إستجابة لحالة الطوارئ فحسب، بل هي أيضًا إستثمارًا يُعدّ أطول أمدًا في بناء قدرات النظام الصحي من أجل معالجة الفجوات الخطيرة التي تشوب تقديم الخدمات، والتي لا تزال مستفحلة منذ سنوات." وبسبب الزيادة الهائلة في أعداد المصابين، يكون قطاع الصحة هو القطاع الوحيد الذي استدعى زيادة في التمويل في خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2019، بالمقارنة مع العام 2018. وبحلول نهاية شهر أيار/مايو، تم تمويل نحو 42 في المائة من المبلغ المطلوب، وقدره 32 مليون دولار.
ويكمن تحدٍّ إضافي يواجهه الأشخاص الذين أصيبوا خلال ’مسيرة العودة الكبرى‘ في القيود التي لا تنفكّ إسرائيل تفرضها على وصول المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية غير المتاحة في غزة. فبين يوميْ 30 آذار/مارس 2018 و30 نيسان/أبريل 2019، تمت المصادقة على 17 في المائة فقط من أصل 550 طلبًا قدّمه المرضى الذين أصيبوا في مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘ لمغادرة قطاع غزة عبر معبر إيرز والحصول على رعاية صحية في إسرائيل والضفة الغربية وفقا لموعد طبي محدّد. وعلى الرغم من أن معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية لا يزال مفتوحًا بصورة مستمرة تقريبًا منذ شهر تموز/يوليو 2018، فلا يفتأ الخروج إلى مصر، ولا سيما للمرضى، محدودًا، حسبما توضّحه إحدى دراسات الحالة الواردة في نشرة هذا الشهر.
وتتطرق المقالة الأخرى التي تَرِد ضمن نشرة هذا الشهر إلى نظام تخطيط مُقيِّد في القدس الشرقية، والذي يجعل حصول الفلسطينيين على رخص البناء للوفاء باحتياجاتهم الأساسية من السكن والبنية التحتية أمراً شبه مستحيل. ونتيجةً لذلك، باتت أحياء بأكملها تفتقر إلى الترخيص، وتواجه التهديد بهدمها وتهجير سكانها.
ومن بين هذه الأحياء حيّ وادي ياصول في سلوان، الذي يؤوي نحو 700 فلسطيني. وتصنّف السلطات الإسرائيلية هذا الحي باعتباره ’منطقة خضراء‘، وقد دأبت على رفض المحاولات التي يبذلها سكانه لإعادة تنظيمه وتصنيفه كحي "سكني". ويواجه نحو 500 شخص يسكنون في 50 بناية في وادي ياصول خطر التهجير بعدما استنفدوا جميع سُبُل الانتصاف القانونية المحلية تقريبًا. وقد هُدمت عدة مبانٍ في هذا الحي خلال شهر نيسان/أبريل، الذي شهد أعلى عدد من عمليات الهدم في القدس الشرقية في شهر واحد منذ أن باشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية توثيق هذه العمليات بصورة منهجية في العام 2009. وقد أصابت القوات الإسرائيلية خمسة أشخاص بجروح خطيرة خلال هذه العملية. وتتناول إحدى دراسات الحالة الواردة في هذه النشرة هذه الحادثة وأثر عمليات الهدم على السكان الذين فقدوا منازلهم، بمن فيهم الأطفال.
[1] في يوم 18 آذار/مارس، أصدرت لجنة التحقيق المستقلة والدولية في الإحتجاجات في الأرض الفلسطينية المحتلة، والتي عيّنها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تقريرها النهائي، بعد أن أجرت تحقيقًا حول جميع الفلسطينيين الذين قُتلوا في سياق المظاهرات في الفترة الواقعة بين 30 آذار/مارس و31 كانون الأول/ديسمبر 2018، والبالغ عددهم 189 فلسطينيًا، وتابعت حالة ما يزيد على 700 فلسطيني مصاب. وباستثناء حالتين، وجدت اللجنة أسبابًا معقولة تحملها على الاعتقاد بأن استخدام الذخيرة الحية من قبل القوات الإسرائيلية ضد المتظاهرين كان غير مشروع.
[2] منظمة الصحة العالمية، تجمع الصحة في الأرض الفلسطينية المحتلة، الاستجابة للإصابات الطارئة 2018-2019
[3] المصدر السابق، ص. 32.