لا يزال التفاهم غير الرسمي بشأن وقف إطلاق النار، والذي وضع حدًّا لتصعيد الأعمال القتالية في مطلع شهر أيار/مايو، قائمًا إلى حدّ كبير. وقد شهد شهر حزيران/يونيو شيئًا من تخفيف القيود المفروضة – توسيع منطقة الصيد، وإصدار عدد أكبر من التصاريح لرجال الأعمال، وصرف جزء من المساعدات التي تموّلها قطر – مما أسهم إلى حدّ ما في التخفيف من وطأة الوضع الإنساني في غزة.
ومع ذلك، فلا تزال الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية دون حلّ، حيث أعلنت أنها لن تدفع لموظفيها سوى 60 بالمائة من رواتبهم المستحقة عن شهر حزيران/يونيو. ويأتي ذلك بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية قبول الإيرادات الضريبية الشهرية التي تجبيها إسرائيل بالنيابة عنها منذ شهر شباط/فبراير، طالما بقيت إسرائيل تخصم المبلغ الذي ترى أن السلطة الفلسطينية تدفعه لأُسر "الشهداء والأسرى". وقد حذّر منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، في الإحاطة الأخيرة التي قدّمها لمجلس الأمن، من أن "الأزمة المالية والتدابير التقشفية المتصلة بها تسبب آثارًا وخيمة على الإقتصاد الفلسطيني، وما يواكب ذلك من توقّعات ببقاء آفاق القطاع الخاص قاتمة للغاية."
وقد تضمنت نشرة الشؤون الإنسانية الصادرة في الشهر الماضي مقالة حول التهديد بتنفيذ عمليات هدم جماعي في حيّ وادي ياصول بالقدس الشرقية، حيث يواجه نحو 500 شخص خطر تهجيرهم منها بعد أن استنفدوا جميع سُبُل الإنتصاف القانونية المحلية تقريبًا. وتتناول المقالة الأولى الواردة في نشرة هذا الشهر الخطر الذي تشكّله عمليات الهدم المتعددة في صور باهر، وهو حيّ فلسطيني آخر في القدس الشرقية.
يقع الجزء الأكبر من حيّ صور باهر داخل حدود المنطقة البلدية في القدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل إلى إقليمها، ولكن سكّانه يملكون أراضٍ في المناطق (أ) و(ب) و(ج)، حسب تصنيفها بموجب إتفاقيات أوسلو. وقد شُيِّد الجدار داخل الحي، على نحو يناقض فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في العام 2004، والتي قضت بأن مقاطع الجدار التي تتغلغل داخل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تخالف الإلتزامات الواقعة على إسرائيل بموجب القانون الدولي.
ويترك مسار الجدار المقام في حي صور باهر أجزاء من المناطق (أ) و(ب) و(ج) على جانب ’القدس‘. وفي العام 2011، أصدرت السلطات الإسرائيلية أمرًا عسكريًا يحدّد منطقة عازلة يتراوح مداها من 100 إلى 300 متر على كِلا جانبي الجدار في صور باهر، حيث يُفرض حظر على أعمال البناء فيها بداعي المخاوف الأمنية. وتضمّ المنطقة العازلة ما يزيد عن 200 بناية، من بينها نحو 100 بناية شُيِّدت بعد صدور الأمر العسكري المذكور في العام 2011، وذلك في سياق القيود المشدّدة التي تكبّل قدرة الفلسطينيين على الحصول على رخص البناء في القدس الشرقية.
وفي يوم 11 حزيران/يونيو 2019، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية استئنافًا كان سكان صور باهر قد رفعوه في العام 2017، وطالبوا فيه بإلغاء الأمر العسكري و/أو الإحجام عن هدم مبانيهم. وفي يوم 18 حزيران/يونيو، أرسلت القوات الإسرائيلية "إخطارًا بنيّة الهدم" إلى هؤلاء السكان. ويستهدف هذا الإخطار، الذي ينقضي في يوم 18 تموز/يوليو، عشر بنايات مأهولة أو قيد الإنشاء، وتتألف من نحو 70 شقة. ومن شأن عمليات الهدم، في حال تنفيذها، أن تتسبّب في تهجير ثلاث أسر، تضم 17 فردًا، من بينهم تسعة أطفال، وإلحاق الضرر بنحو 350 شخصًا آخر. وتُعَدّ عمليات الهدم والتهديد بتنفيذها وسياسات التخطيط التقييدية من بين العناصر الرئيسية التي تشكّل البيئة القسرية التي تعيش مناطق عديدة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تحت وطأتها وتولّد خطر الترحيل القسري الذي يطال عددًا ليس بالقليل من الفلسطينيين.
وتتناول المقالة الثانية الواردة في نشرة هذا الشهر الوصول إلى القدس الشرقية خلال شهر رمضان المبارك، الذي انقضى في يوم 4 حزيران/يونيو. فبينما يُشترط على غالبية الفلسطينيين من بقية أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية للوصول إلى القدس الشرقية، يجري تخفيف هذه الشروط في شهر رمضان لغايات أداء صلاة الجمعة. وكما هو الحال في الأعوام المنصرمة، رصد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إلى جانب المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني، إمكانية الوصول إلى المدينة من أجل تحديد المخاطر التي تشوب الحماية وتدابير التخفيف بالنسبة للفئات الضعيفة، وذلك في سياق التحليل الذي يُجريه المكتب لاتجاهات حرية الوصول على نطاق أعمّ.
وفي إطار تدابير التخفيف، سمحت السلطات الإسرائيلية في هذا العام لحمَلة هوية الضفة الغربية من النساء من جميع الأعمار، وللرجال الذين تقلّ أعمارهم عن 16 عامًا وتزيد عن 40 عامًا، بالدخول إلى القدس الشرقية دون تصاريح في أيام الجمعة. وقد يسّر هذا الأمر لنحو 320,000 شخص من حملة هوية الضفة الغربية الدخول إلى القدس الشرقية لأداء صلوات الجمعة الأربع. وبالمقارنة مع الأعوام الماضية، سجّل هذا العام تحسّنًا عامًا على صعيد الوصول، لأسباب من بينها تركيب بوابات للمرور السريع على حاجزيْ قلنديا وجيلو في مطلع العام 2019 للأشخاص الذين يحملون بطاقات الهوية الممغنطة. ومع ذلك، لم تصدر تصاريح خاصة بشهر رمضان لسكان قطاع غزة خلال هذا العام.
وتتطرق المقالة الأخيرة في هذه النشرة إلى جوانب التحسّن التي طرأت على إمدادات الكهرباء في قطاع غزة. فعلى مدى العقد المنصرم، كانت غزة تعاني من عجز مزمن في إمدادات الكهرباء، مما خلّف آثارًا وخيمة على الخدمات الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي وقوّض الظروف المعيشية الهشة في الأصل. ففي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، قدّمت حكومة قطر تمويلًا قدره 60 مليون دولار، مما أسهم في زيادة إمدادات الكهرباء لفترة تتراوح من 14 ساعة إلى 15 ساعة في اليوم وتقليص إنفاق الأسر ومشاريع الأعمال على الوقود. وفي شهر أيار/مايو 2019، تعهدت قطر بتقديم تمويل إضافي قدره 180 دولار. ويشمل هذا التمويل دعم خدمات الكهرباء ويسمح للأمم المتحدة بتسهيل توريد الوقود لمحطة غزة لتوليد الكهرباء حتى نهاية العام 2019.
وإضافة إلى ما تقدّم، فقد تم ربط عدة منشآت صحية مباشرةً بمصدر إمداد الكهرباء الرئيسي أو تركيب ألواح الطاقة الشمسية فيها، مما أسهم في تقليص اعتمادها على مولدات الكهرباء. ومع ذلك، فلا تزال إمدادات الكهرباء التي شهدت تحسّنًا لا تفي إلا بما يقلّ عن نصف الطلب على الكهرباء في غزة، حيث يتواصل انقطاع الكهرباء الذي يعطّل عمل المنشآت الصحية والمستشفيات ويعرّض الخدمات الأساسية للخطر. كما تسلّط هذه المقالة الأخيرة الضوء على الجهود التي تبذلها هيئات الحكم المحلي والمنظمات الشريكة في مجموعة الصحة على صعيد التخفيف من آثار إنقطاع الكهرباء المستمر.