تضمّنت نشرة الشؤون الإنسانية الصادرة في الشهر الماضي مقالة ركّزت على الخطر الذي تشكّله عمليات الهدم المتعددة في صور باهر، وهو حيّ فلسطيني يقع الجزء الأكبر منه داخل حدود المنطقة البلدية في القدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل إلى إقليمها. ففي يوم 22 تموز/يوليو، وفي سياق عملية كبيرة، نشرت السلطات الإسرائيلية المئات من أفراد القوات الأمنية في الحي من أجل تنفيذ عمليات الهدم، حيث دمّرت عشرة مبانٍ، من بينها تسع بنايات سكنية، ثلاث منها كانت مأهولة. وأسفر هذا الهدم عن تهجير أربع أسر، من بينها 14 طفلًا، كما تكبّدت عشرات الأسر الأخرى التي اشترت شققًا في تلك البنايات خسائر في ممتلكاتها. وجاءت عمليات الهدم عقب صدور قرار عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية في يوم 11 حزيران/يونيو، حيث صرّحت فيه بتنفيذها بناءً على أمر عسكري يحظر البناء في منطقة عازلة أمنية على مقربة من الجدار. وكما اتّضح في الإحاطة التي قُدِّمت لمجلس الأمن في هذا الشهر، "لا تتماشى السياسة التي تنتهجها إسرائيل في تدمير الممتلكات الفلسطينية مع الالتزامات التي يمليها عليها القانون الدولي الإنساني، وهي تسهم في خطر الترحيل القسري الذي يواجه العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية."
وعلى مدى الشهور القليلة الماضية، أعربت المقالات الواردة في هذه النشرة عن القلق حيال التهديد بتنفيذ عمليات هدم جماعي في منطقة وادي ياصول في حيّ سلوان بالقدس الشرقية، حيث يواجه أكثر من 550 شخص خطر تهجيرهم منه والرقم القياسي الذي سجّلته عمليات الهدم، بما فيها الهدم الذاتي، التي نُفّذت في القدس الشرقية خلال شهر نيسان/أبريل 2019. وحتى نهاية شهر تموز/يوليو، هُدم نحو 126 مبنًى في القدس الشرقية، مما أدى إلى تهجير 203 أشخاص، بالمقارنة مع هدم 107 مبانٍ وتهجير 93 شخصًا خلال الفترة نفسها من العام 2018.
وتتناول المقالة الأولى الواردة في نشرة هذا الشهر شاغلًا آخر ما زال قائمًا، وهو الأثر الإنساني الناتج عن استيلاء المنظمات الإستيطانية الإسرائيلية على الممتلكات داخل الأحياء الفلسطينية والإخلاء القسري الذي يطال سكانها الفلسطينيين. ويضع هذا النشاط نُصب عينيه حي سلوان بصفة خاصة. ففي أحدث المستجدات التي شهدها يوم 10 تموز/يوليو، أخلت السلطات الإسرائيلية أمًا وأبناءها البالغين الأربعة من منزلهم في حي سلوان، بعد أن خاضوا معركة قانونية على مدى 25 عامًا وانتهت بصدور قرار من المحكمة العليا لصالح المنظمات الإستيطانية. وانتقل المستوطنون للسكن في الشقة التي أُخليت منها الأسرة، التي غدت تواجه الحرمان النفسي والإجتماعي وحُرمت من مأواها وسبل عيشها. وتشير التقديرات إلى أن هنالك دعاوى إخلاء مرفوعة في هذه الآونة ضد 199 أسرة فلسطينية، غالبيتها من قبل منظمات استيطانية، مما يعرّض نحو 900 فلسطيني آخر لخطر التهجير.
وفي قطاع غزة، لا يزال التفاهم بشأن وقف إطلاق النار، الذي جرى التوصل إليه في مطلع شهر أيار/مايو، قائمًا. وطرأ انخفاض ملموس على عدد الضحايا الذين سقطوا في مظاهرات ’مسيرة العودة الكبرى‘، حيث سجّل مقتل فلسطيني، يبلغ من العمر 23 عامًا في يوم 26 تموز/يوليو، وهي حالة القتل الأولى التي تشهدها هذه الإحتجاجات منذ يوم 10 أيار/مايو. وأدّى هذا الهدوء النسبي إلى بعض أوجه التحسّن على الأرض، بما شمله من توريد إمدادات الوقود إلى محطة غزة لتوليد الكهرباء مجددًا والتخفيف من حدّة القيود المفروضة على صيد الأسماك. وفي شهر تموز/يوليو، أعادت السلطات الإسرائيلية 35 قاربًا إضافيًا من قوارب الصيد، التي كانت القوات البحرية الإسرائيلية قد صادرتها في سياق فرض القيود على الوصول. وتمّ المباشرة بالأعمال التحضيرية لتشييد مستشفى ميداني جديد، ستتولى تشغيله منظمة غير حكومية يقع مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية ويقدّم طائفة واسعة من الخدمات الطبية. وأخيرًا، خفّفت إسرائيل بعض الشروط المسبقة التي يُشترط على رجال الأعمال في غزة الوفاء بها عند تقديم طلبات للحصول على تصاريح لمغادرة غزة عبر معبر إيرز، حيث سجّل شهر حزيران/يونيو أعلى عدد من الفلسطينيين الذين غادروا غزة منذ شهر آب/أغسطس 2015. ووفقًا للتقارير الإعلامية، يلجأ عمال في غزة إلى استخدام التصاريح التي تُمنح لرجال الأعمال للدخول إلى إسرائيل والعمل فيها.
ومع ذلك، وحسبما يرد في المقالة الثانية التي تشملها نشرة هذا الشهر، فقد تفاقمت القيود المفروضة على الموظفين المحليين العاملين في المجال الإنساني عند مغادرة قطاع غزة منذ مطلع العام 2018، وذلك بسبب إجراءات تقديم طلبات التصاريح، والأنظمة المفروضة على عبور المركبات، وطبيعة المواد التي يُسمح للموظفين المحليين بإخراجها معهم من غزة. كما أعادت حماس إرساء وجودها وشدّدت القيود التي تفرضها قرب معبر إيرز بين غزة وإسرائيل. وقد أسهمت هذه التدابير، مجتمعةً، في استفحال حالة انعدام اليقين وزيادة حالات التأخير والعقبات اللوجستية التي تقف في طريق المنظمات العاملة في المجال الإنساني وعرقلة عملياتها وتراجُع نوعية الخدمات التي تقدّمها.
وتتناول المقالة الأخيرة في نشرة هذا الشهر اختتام مشروع نفّذته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، حيث عمد هذا المشروع الذي استهدف 90,000 طفل في جميع أنحاء قطاع غزة خلال فصل الصيف إلى تنظيم الأنشطة الترويحية، وتقديم المساعدة النفسية والاجتماعية، وإحالة الأطفال إلى مراكز الصحة العقلية المتخصصة، حيثما اقتضى الأمر ذلك. وقد لحقت الأضرار بالأطفال، الذين يشكّلون نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، بسبب تدهور الأحوال المعيشية، وبسبب مشاركتهم في المظاهرات الحاشدة بمحاذاة السياج الحدودي وتعرُّضهم للعنف في هذا السياق. وقد تطرّقت إحدى مقالات نشرة شهر نيسان/أبريل 2019 إلى اتّساع رقعة الفقر وتزايد عمالة الأطفال في قطاع غزة، حيث انخرط نحو 2 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 10 أعوام إلى 17 عامًا في أعمال بدوام كامل أو جزئي خلال العام 2018. وعلى وجه الإجمال، ثمّة نقص واسع النطاق في مناطق اللعب المأمونة، والفرص الترويجية والأنشطة الترفيهية المتاحة أمام معظم الأطفال في غزة خلال فصل الصيف.