شهد هذا الشهر واحدةً من أخطر حالات تصعيد الأعمال القتالية في قطاع غزة وجنوب إسرائيل منذ العام 2014، وذلك بعد أن أُطلِق صاروخ من غزة في يوم 25 آذار/مارس، وأدّى إلى إلحاق أضرار جسيمة بمنزل في وسط إسرائيل وإصابة سبعة إسرائيليين بجروح. وفي أعقاب هذه الحادثة، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية مواقع متعددة في مختلف أنحاء قطاع غزة، مما أسفر عن إصابة شخصين وتهجير 16 أُسرة، بينما أطلقت الجماعات المسلحة الفلسطينية العشرات من القذائف باتجاه جنوب إسرائيل، مما أدى إلى وقوع أضرار، حسبما أفادت التقارير. كما أغلقت السلطات الإسرائيلية معبريْ كرم أبو سالم وإيرز، ولم تسمح إلا بمرور الحالات الإنسانية الطارئة، وفرضت حظرًا على جميع أنشطة الصيد على امتداد الساحل. ويبدو أن تهدئة نسبية لا تزال قائمةً منذ يوم 27 آذار/مارس.
وفي يوم 30 آذار/مارس 2019، اندلعت مظاهرات حاشدة بمحاذاة السياج الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ’مسيرة العودة الكبرى‘، التي تدعو إلى إعمال حق الفلسطينيين في العودة وإنهاء الحصار الإسرائيلي. وقُتل ثلاثة أشخاص، من بينهم فتيان فلسطينيان يبلغ كلاهما من العمر 17 عامًا، وأُصيبَ 1,125 متظاهرًا آخر بجروح، من بينهم 82 شخصًا أُصيبوا بالذخيرة الحية، وفقًا لوزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة. وتُوفي متظاهر رابع متأثرًا بالجروح التي أُصيبَ بها في يوم 4 نيسان/أبريل. ونتيجةً لضبط النفس الذي ظهر في الاحتجاجات التي شهدها يوم 30 آذار/مارس، أعادت السلطات الإسرائيلية فتح معابر غزة في يوم 31 آذار/مارس، ووسّعت مساحة الصيد المسموح بها في يوم 1 نيسان/أبريل إلى 15 ميلًا بحريًا على امتداد الجزء الجنوبي من ساحل غزة، بينما أشارت التقارير إلى أنها أبقت على تحديد مساحة الصيد البالغة 6-12 ميلًا بحريًا في مناطق أخرى.
ومنذ بداية مسيرة العودة الكبرى حتى يوم 31 آذار/مارس 2019، قتلت القوات الإسرائيلية 199 فلسطينيًا، من بينهم 43 طفلًا، وأصابت ما يقرب من 30,300 فلسطيني بجروح، منهم 25 في المائة أُصيبوا بالذخيرة الحية. وقد أثار العدد الكبير للضحايا، الذين سقطوا من بين المحتجّين الفلسطينيين العزّل في ظروف لم يبدُ أنها كانت تشكّل خطرًا مُحِدقًا يهدّد الجنود الإسرائيليين المتمركزين خلف السياج بالموت أو بتعرُّضهم لإصابات خطيرة، القلق إزاء لجوء القوات الإسرائيلية إلى الاستخدام المفرط للقوة وغياب الحماية، ولا سيما حماية الأطفال. وفي يوم 18 آذار/مارس، أصدرت لجنة التحقيق المستقلة والدولية في الانتهاكات المرتكبة خلال الاحتجاجات في الأرض الفلسطينية المحتلة، التي عيّنها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تقريرها النهائي، بعد أن أجرت تحقيقًا حول جميع الفلسطينيين الذين قُتلوا في سياق المظاهرات بين يوميْ 30 آذار/مارس و31 كانون الأول/ديسمبر 2018، والبالغ عددهم 189 فلسطينيًا، وتابعت حالات ما يربو على 700 فلسطيني مصاب. وباستثناء حالتين، وجدت اللجنة أسبابًا معقولة تحملها على الاعتقاد بأن استخدام الذخيرة الحية من قبل القوات الإسرائيلية ضد المتظاهرين كان غير مشروع.
وقد أفرز ارتفاع عدد الإصابات خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى أثره على قدرة القطاع الصحي في قطاع غزة – المنهَك أصلًا بسبب شحّ الأموال وأعوام من الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي الداخلي الفلسطيني وأزمة الطاقة المزمنة – على تقديم الخدمات الأساسية. وفي سياق الاستجابة لهذا الوضع، وحسبما يَرِد على وجه التفصيل في المقالة الرئيسية التي تشملها نشرة هذا الشهر، فقد أولت الجهات الفاعلة الإنسانية الأولوية لتقديم الرعاية الصحية المنقِذة للحياة على الفور، بما شملته من إجراء التنسيق، وتأمين الدعم للنقاط الطبية الميدانية لعلاج المصابين، ونشر الفرق الجراحية، وتأمين شحنات خاصة من الأدوية والمستلزمات الطبية وتخصيص الأموال من خلال الصندوق الإنساني والصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ.
ويعاني الفلسطينيون في قطاع غزة، في الأصل، من مستويات مرتفعة من الضغط النفسي. وتشير التقديرات إلى أن 10,420 شخصًا آخر سيواجهون مشاكل الصحة العقلية الحادة، وأن 41,678 شخصًا سيواجهون مشاكل معتدلة إلى متوسطة، نتيجةً لمظاهرات مسيرة العودة الكبرى. وقد قدّمت المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني الاستجابة من خلال إحالة الأطفال إلى مورِّدي خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي، ومن خلال تعزيز العمل على توفير هذه الخدمات على مستوى التجمعات السكانية من أجل مساعدة سكانها المتضررين على التأقلم مع الأحداث الصادمة التي مروا بها، والوقاية من الأمراض العقلية على المدى البعيد.
وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، استمرّ هدم المباني السكنية، والمباني التي تؤمِّن سُبُل العيش والبنية التحتية للخدمات الأساسية، بحجة الافتقار إلى الرخص التي تصدرها السلطات الإسرائيلية، خلال الربع الأول من العام 2019 بمعدل أعلى مما كان عليه خلال العامين المنصرمين. وفضلًا عن الأشخاص الذين تعرّضوا للتهجير، ألحقت عمليات الهدم الضرر بآلاف آخرين بفعل تدمير توصيلات إمداد المياه والآبار في التجمعات السكانية التي تعاني من شح المياه في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بسبب غياب شبكات المياه وصعوبة الحصول على الرخص اللازمة لإنشاء شبكات توزيع المياه. وتركّز المقالة الأخرى الواردة في نشرة هذا الشهر على ثلاثة تجمعات سكانية يعتريها الضعف بوجه خاص بعدما أقدمت السلطات الإسرائيلية على تدمير أنابيب المياه ومصادرتها في حوادث منفصلة خلال شهر شباط/فبراير.