بعد أن تولت حماس السلطة في قطاع غزة في حزيران/يونيو 2007، وبدعوى المخاوف الأمنية، فرضت إسرائيل حصارا بريا وبحريا وجويا على غزة شدد القيود السابقة المفروضة على حرية التنقل من والى غزة. وإلى جانب إغلاق معبر رفح من جانب مصر، أدى الحصار إلى "سجن" ما يقرب من مليوني فلسطيني في غزة، وجعلهم غير قادرين على الوصول إلى بقية الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي. وتم استثناء فئات معينة من ذلك، من بينهم المرضى ومرافقوهم الذين يجب عليهم تقديم طلب للحصول على تصريح من السلطات الإسرائيلية للمرور عبر معبر إيريز.
بدأ عدد الخارجين عبر إيريز في الارتفاع بعد الأعمال القتالية في عام 2014 واستمر في عام 2016. لكن انخفضت الأرقام في النصف الثاني من العام، بما في ذلك انخفاض معدل الموافقة للمرضى إلى 64 بالمائة مقابل 77 بالمائة في عام 2015. وعزت السلطات الإسرائيلية هذا الانخفاض إلى مخاوف متعلقة بسوء استخدام التصاريح من جانب حماس.
تفاقم الوضع جراء الانقسام الفلسطيني الداخلي المتواصل: حيث تعطلت التحويلات للعلاج خارج غزة لأكثر من 2,000 مريض بعد أن علقت الحكومة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقرا لها المدفوعات على ما يبدو منذ آذار/مارس 2017. وأفادت منظمة الصحة العالمية في نيسان/أبريل 2017، أن ثلاثة مرضى من غزة فارقوا الحياة في انتظار تصاريح إسرائيلية للحصول على الرعاية الصحية في المستشفيات في القدس الشرقية.
سهام،[1] امرأة تبلغ من العمر 53 عاما من غزة، وهي أم لعشرة أطفال، تم تشخيص إصابتها بسرطان الدم الليمفاوي المزمن في عام 2013. قالت سهام لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في كانون الثاني/يناير 2017: "كانت هذه بداية رحلة طويلة ومؤلمة ومكلفة". تم تحويل سهام إلى مصر بسبب نقص المعدات الطبية في غزة وبسبب الصعوبات في الحصول على تصريح للفحص الطبي في القدس الشرقية. وهناك، اضطرت للبقاء لمدة ثلاثة أشهر، وغالبا على نفقتها الخاصة، لأن السلطة الفلسطينية تغطي تكلفة العلاج الطبي فقط. أثناء وجودها في مصر، أصيبت بالتهاب الكبد الوبائي (سي) ولم تعلم بذلك إلا بعد عودتها إلى غزة ببضعة أشهر.
"لقد خضعت للعلاج الكيميائي في أيار/مايو الماضي (2016)، حيث تم اكتشاف أورام سرطانية جديدة في معدتي وفي الحوض. مسار العلاج كان المفروض ان يستمر لمدة سبع جلسات كل 21 يوما دون انقطاع. أجريت جلستين فقط بسبب عدم إرسال الأدوية من رام الله إلى غزة. انتظرت أكثر من شهرين ثم أحالني طبيبي إلى مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس الشرقية. ضاع عليَّ الموعد مرتين بسبب عدم اصدار تصريح الخروج. كل ما سمعته من السلطات [الإسرائيلية] هو أن التصريح قيد الفحص. بعد حوالي خمسة أشهر من تقديم الطلب لأول مرة، وفقط بعد إحالة قضيتي إلى منظمات حقوق الإنسان وبعد الاحتجاج، حصلت أخيرا على تصريح لمغادرة غزة. وقبل يوم من قدومي إلى القدس، علمت أن السرطان قد انتشر إلى الغدة الدرقية.
يحكم الإغلاق المتكرر لإيريز ورفح على مرضى السرطان بالموت. إنه الموت البطيء. نحن حالات إنسانية. نحن نطالب بحقنا في العلاج.... نريد فقط العلاج ثم العودة إلى بيوتنا. لسنا خطرين ولا نشكل تهديدا لأمن أي شخص. يجب أن يكون لدينا تصريح مفتوح لتجنب كل الصعوبات. التصريح الذي يقدمونه لنا ساري المفعول لمدة يوم واحد فقط. إذا واجهنا حاجزا في القدس، فإنهم يعيدوننا إلى إيريز. تصريح لمدة يوم واحد لا يكفي ".
نشرت في النشرة الإنسانية لشهر كانون الثاني/يناير 2017
انتشر السرطان إلى نخاع العظام عند سهام بعد خمسة أشهر. منذ كانون الثاني/يناير، عادت سهام إلى مستشفى أوغستا فيكتوريا مرة واحدة وتم إخضاعها لدورة جديدة من أربع إلى ست جلسات للعلاج الكيميائي. في أول حزيران/يونيو سهام لم تتمكن من تلقي العلاج بسبب عدم حصولها على تصريح، وكانت مازال تنتظر لتعرف إذا ما كانت ستحصل على تصريح قبل الموعد الجديد في 11 حزيران/يونيو.
"لا يزال طلب التصريح قيد الفحص. أخشى أنني سأخسر موعدي مرة أخرى. قال لي طبيبي أنه يجب تلقي العلاج بالموعد المحدد ، دون إنقطاع لفترات طويلة بين الجلسات. إذا خسرت جلسة واحدة، سوف أضطر إلى بدء دورات العلاج الكيميائي من جديد. أخشى ذلك. إذا انتشرالسرطان في النخاع العظمي، سيستلزم عملية زرع. وأنا لا أريد سلوك هذا الطريق لأنه معقد وخطير جدا. العلاج في الوقت المناسب مهم لمحاولة وقف أو إبطاء تقدم السرطان. أريد فقط أن أستمر في دورة العلاج دون أن أضطر للبدء من جديد. كانت الجلسة الأولى مرهقة. شعرت بالمرض بدرجة كبيرة. وفي طريق عودتي إلى غزة، أغمي عليّ وفقدت الوعي أثناء تفتيشي في إيريز. أحتاج إلى مرافق لكنه يحتاج إلى تصريح، ويجب أن يكون فوق سن معينة وقريب من الدرجة الأولى. تكلفة وجود مرافق معي في القدس الشرقية عاليه وفوق إمكانياتي الإقتصادية.
يقول طبيبي في غزة إن التطلع الإيجابي والمعنويات العالية مهمة في التعامل مع السرطان. كيف يمكنني الحفاظ على الروح المعنوية بينما أكافح للحصول على أبسط الأشياء مثل توفرالمياه الجارية، القدرة على خبز الخبز دون كهرباء وإيجاد المال لتغطية علاجي الطبي. في كل مرة يكون لدي موعد في القدس يقترض زوجي المال من أصدقائه! كيف يمكنني أن أكون إيجابية عندما يكون أولادي خريجو الجامعة عاطلين عن العمل وليس لديهم أمل في العثور على وظيفة؟ أصيب بيتي بأضرار خلال حرب عام 2014 ولم يتم إصلاحه بعد. ليس لدي أي شيء في المنزل لأبيعه من أجل تغطية تكاليف المواصلات. وكانت التخفيضات الأخيرة في رواتب السلطة الفلسطينية هي القشة الأخيرة: تم تخفيض راتبي بنسبة 40 بالمائة. لا أستطيع سداد القروض التي أخذتها للحصول على العلاج الطبي أو لشراء الأدوية للأمراض الأخرى التي أعاني منها، ناهيك عن تحمل شراء الطعام المغذي الذي نصحني طبيبي بأكله.
أن تكون مريضا بالسرطان في غزة هو أن تكون تحت رحمة الاحتلال. إنه حكم بالموت البطيء بسبب نظام التصاريح، والظروف المعيشية القاسية، والفقر والحصار. نريد فقط أن نتلقى العلاج وأن نُعامل بكرامة. نريد أن نعيش الوقت القليل المتبقي لنا بكرامة".
[1] تمت الإشارة في الحالة الأصلية إلى سهام بالاسم المستعار سلمى.