(ساهمت منظمة الصحة العالمية في كتابة هذه المقالة.)
شُخصت إصابة أحمد، البالغ من العمر 50 عامًا وأب لستة أطفال ومن سكان مدينة غزة، بمرحلة متقدمة من سرطان القولون في العام 2018. ومنذ ذلك الحين، يجري تحويل أحمد بانتظام إلى مستشفى المُطَّلع في القدس الشرقية للحصول على العلاج الكيماوي. وتتضاعف المعاناة المتصلة بمرضه بسبب انعدام اليقين الذي يلف الإجراءات المطلوبة للحصول على تصريح من تصاريح المغادرة التي تصدرها السلطات الإسرائيلية والصعوبات التي يواجهها في السفر. ويقول أحمد: "يستغرقني الأمر خمس ساعات للوصول إلى المستشفى. وهذا مرهق بدنيًا وعقليًا".
وقد جلب تفشّي فيروس كورونا (كوفيد-19) معه تطورًا إيجابيًا لم يكن متوقعًا في حياة أحمد. ففي شهر نيسان/أبريل، وبدلًا من السفر إلى مستشفى المطلع، حولت وزارة الصحة الفلسطينية أحمد إلى مستشفى الحياة التخصصي في مدينة غزة. وهذا مستشفى خاص تعاقدت وزارة الصحة معه مؤخرًا لتقديم العلاج الكيماوي خلال فترة الوباء. ويعقّب أحمد على ذلك بقوله: "أتلقّى رعاية جيدة هنا [في مستشفى الحياة] وآمل أن تكون هذه الأدوية متوفرة دائمًا هنا في غزة".
وبسبب النقص الطويل الأمد في أدوية السرطان لدى جهاز الصحة العامة في غزة، كان يتعين تحويل معظم مرضى السرطان الذين يحتاجون إلى العلاج الكيماوي إلى مستشفيات خارج غزة، وخاصة في القدس الشرقية. ومع نهاية شهر نيسان/أبريل 2020، كان 54 بالمائة من أدوية الأورام في مستودع الأدوية المركزي بغزة يكفي لفترة تقلّ عن شهر واحد. ولا تتوفر علاجات أخرى لمرضى السرطان، كالعلاج الإشعاعي ومسح الطب النووي، إلى جانب بعض العمليات الجراحية المتخصصة، في قطاع غزة على الإطلاق.
ويتعين على المرضى في قطاع غزة، لكي يتسنّى لهم الحصول على العلاج الطبي في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وإسرائيل، الحصول على تصريح للخروج من السلطات الإسرائيلية.[1] ومع ذلك، لم يتجاوز معدل الموافقة على طلبات التصاريح التي قدّمها مرضى السرطان على وجه الخصوص خلال شهر نيسان/أبريل 65 بالمائة، حيث انخفض هذا المعدل مما نسبته 68 بالمائة في شهر آذار/مارس و76 بالمائة في شهريْ كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2020. ولم تتلقّ غالبية الطلبات التي لم تصدر الموافقة عليها أي ردّ بحلول الأوقات المقررة لمواعيد العلاج، مما يجبر المرضى على ترتيب مواعيد أخرى لعلاجهم في المستشفيات وتقديم طلبات جديدة للحصول على التصاريح.
ولا يزال التأخير في النظر في طلبات التصاريح التي يقدمها المرضى مستمرًا منذ تفشي فيروس كورونا، على الرغم من الانخفاض الحاد الذي طرأ على عدد هذه الطلبات (لجميع العلاجات): حيث تراجع هذا العدد من متوسط بلغ 1,800 طلب في شهريْ كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير إلى نحو 1,300 طلب في شهر آذار/مارس، حتى وصل إلى ما لا يزيد عن 159 طلبًا في شهر نيسان/أبريل. وجاء هذا الانخفاض في أعقاب القرار الذي اتخذته وزارة الصحة بتقليص التحويلات إلى خارج غزة من أجل تقليص خطر العدوى بالفيروس وتركيز الموارد على الاستعداد للتعامل مع هذا الوباء، إلى جانب قرار إسرائيل بتضييق معايير الأهلية التي يجب استيفاؤها للحصول على تصاريح المغادرة وحصرها في مرضى السرطان والحالات الطارئة فقط، للأسباب نفسها.
ويبيّن بحث أجرته منظمة الصحة العالمية الأثر السلبي الكبير على حياة مرضى السرطان الذي يواجهون التأخير ورفض طلبات التصاريح التي يقدمونها للحصول على العلاج الكيماوي أو العلاج الإشعاعي أو كليهما.[2]
يشكّل الحق في أعلى مستوى من الصحة البدنيـة والعقليـة يمكن بلوغه حقًا أساسيًا وشرطًا مسبقًا لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، مما يفرض طائفة من الالتزامات على عاتق السلطات المعنية كافة. ويفرض هذا الحق على السلطات الإسرائيلية، من جملة التزامات أخرى، أن تفعل المزيد لضمان أن الفلسطينيين في قطاع غزة، ولا سيما مرضى السرطان، يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية المقدمة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، على نحو منتظم وفي الوقت المطلوب. كما يفرض هذا الحق على السلطة الفلسطينية وسلطات الأمر الواقع في غزة أن تحسّن التعاون والتنسيق بينها لضمان توريد الأدوية الأساسية والمستهلكات بكميات كافية وبصورة منصفة ومستدامة لمنشآت الرعاية الصحية في قطاع غزة.
وقد أفرز تفشي فيروس كورونا عقبة إضافية أمام مرضى السرطان. فقد نفذت سلطات الأمر الواقع في قطاع غزة تدابير حجر صارمة وفرضتها على جميع القادمين إلى القطاع، بمن فيهم مرضى السرطان الذين عادوا من العلاج الكيماوي في الخارج، لكي تضمن احتواء للوباء على نحو فعال.وتتعايش اعتدال، التي تبلغ من العمر 42 عامًا ومن سكان دير البلح، مع سرطان الثدي منذ شهر شباط/فبراير 2017، ويجري تحويلها بانتظام للعلاج في مستشفى المطلع. وفي يوم 21 آذار/مارس 2020، أُرسلت اعتدال، بعد عودتها من القدس الشرقية، إلى مدرسة محلية لقضاء الحجر فيها لمدة 14 يومًا: "يوجد في كل غرفة صفية خمسة إلى عشرة أشخاص... والمدرسة مفتوحة والجو بارد هنا. وعندما أُصبت بالزكام في البيت، استغرقني الأمر شهرًا حتى تعافيت منه. ماذا سأفعل لو حصل ذلك لي هنا؟"
ولمعالجة النقص المستمر في نظام الرعاية الصحية العامة في قطاع غزة وتخفيف الصعوبات التي يواجهها المرضى الضعفاء، أبرمت وزارة الصحة عقدًا للحصول على خدمات علاج السرطان التي أطلقت حديثًا في مستشفى الحياة التخصصي، والذي باشر العمل على تقديم العلاج الكيماوي في يوم 21 نيسان/أبريل 2020.
ومن شأن إتاحة بعض خدمات العلاج الكيماوي على نطاق أوسع في قطاع غزة أن تخفّف من المشقة التي يتكبدها مرضى السرطان، الذي سيتفادون الصعوبات المرتبطة بنظام التصاريح الإسرائيلي وانعدام اليقين بشأن الحصول على التصاريح، والعبء الذي يفرضه السفر مسافات طويلة واجتياز الحواجز، وفصل أفراد الأسر عن بعضهم بعضًا، وما طرأ مؤخرًا من ضرورة البقاء في الحجر عند العودة.
ولا تزال فجوات كبيرة تشوب الخدمات اللازمة لمرضى السرطان في قطاع غزة، بما فيها العلاج الكيماوي وغيره من العلاجات، في الوقت الذي ما زالت المنشآت الأساسية التي تُجري الدراسات حول السرطان وتقدم العلاج له غير متوفرة. ومع ذلك، فقد جلبت إتاحة بعض العلاجات الكيماوية في غزة مؤخرًا الراحة التي كان الأشخاص الذين يعيشون في حالة شديدة من الضعف في حاجة ماسّة إليها. ولذلك، ينبغي بذل كل جهد للمحافظة على هذا الإنجاز.
[1] للاطلاع على نظرة عامة على معدلات الموافقة على طلبات التصاريح على مدى العقد المنصرم، انظر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نشرة الشؤون الإنسانية، كانون الأول/ديسمبر 2019.
[2] منظمة الصحة العالمية، الحق في الصحة، 2018.
[3] يرد النص على هذا الحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المادة 12، من جملة صكوك أخرى.