شكرًا سيدي الرئيس، أعضاء مجلس الأمن،
أشكركم على إتاحة هذه الفرصة لتقديم إحاطة لكم حول الوضع الإنساني في غزة، والذي أصبح حرجًا على نحو متزايد لا سيما في ظل تواصل العمليات البرّية الإسرائيلية في رفح ومحيطها منذ 6 أيار/مايو.
وبكل صراحة، عجزنا عن إيجاد كلمات تصف ما يحدث في غزة. لقد وصفنا الوضع بأنه كارثي وكابوس حقيقي وجحيم على الأرض. كل هذا صحيح، ولكنه يرقى إلى ما هو أسوأ من ذلك.
ولا تزال الظروف المعيشية تتدهور نتيجة للقتال الضاري، ولا سيما في جباليا وشرق رفح، فضلا عن عمليات القصف الإسرائيلي من البرّ والبحر والجو.
وما انفك عدد الضحايا يتزايد يومًا تلو الآخر. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 35,000 شخص جرّاء أعمال العنف، وأُصيب أكثر من 79,000 آخرين. وهناك نحو 17,000 طفل غير مصحوبين بذويهم أو لا يزالون منفصلين عن أسرهم.
اسمحوا لي أن أشير هنا أيضًا إلى إعلان الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي أنه استعاد جثامين أربعة رهائن إسرائيليين من غزة. وتشير التقديرات إلى أن 128 إسرائيليًا وأجنبيًا ما زالوا في عداد الأسرى في غزة. ويشمل هؤلاء الموتى الذين لا تزال جثامينهم محتجزة.
وكما تعلمون، فإن مستويات العنف الشديدة لم تستثنِ الأمم المتحدة ومجتمع العمل الإنساني. فقد قدّم المنسق الخاص [تور وينسلاند] للتو آخر المستجدّات حول وفاة زميلنا من الأمم المتحدة في 13 أيار/مايو: قُتل موظف آخر من موظفي الأمم المتحدة وأُصيب آخر بجروح خطيرة عندما تعرّضت مركبة تابعة للأمم المتحدة لهجوم بينما كانت تقلهما أثناء توجههم إلى مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس. لقد فقدنا أبًا وزوجًا وزميلًا متفانيًا ذا مسيرة مهنية متميزة. وبذلك يرتفع عدد موظفي الأمم المتحدة الذين قُتلوا في غزة منذ تصعيد الأعمال القتالية إلى 193 موظفًا.
من المستحيل أن نقبل بأن أولئك الذين يسعون لإنقاذ الأرواح يفقدون حياتهم بدلاً من ذلك.
لا سيما وأن 1.1 مليون شخص يواجهون مستويات كارثية من الجوع بينما لا تزال غزة على شفا المجاعة. ومنذ 18 أيار/مايو، لم يعد يعمل سوى عشرة مخابز من أصل 16 مخبزاً يحظى بالدعم من شركائنا في مجال العمل الإنساني. ومع ذلك، من المتوقع أن ينفد مخزون هذه المخابز ووقودها في غضون أيام ما لم يتم تزويدها بإمدادات إضافية. وقد اضطرت المخابز الستة الأخرى، والتي تقع جميعها في جنوب قطاع غزة، إلى التوقف عن العمل إما بسبب نقص الوقود أو بسبب الأعمال القتالية الدائرة.
كما يرزح نظام الرعاية الصحية في غزة تحت وطأة ضغط هائل. ففي رفح، يتعذر الآن الوصول إلى 21 نقطة طبية وأربعة مراكز للرعاية الصحية الأولية وأربعة مستشفيات. وفي الشمال، يتعذر الوصول إلى مستشفيين وخمسة مراكز للرعاية الصحية الأولية و16 نقطة طبية. وكانت جميع هذه المنشآت تقدم الخدمات الطبية الحرجة، بما في ذلك رعاية الإصابات البالغة وإدارة الأمراض غير المعدية فضلاً عن خدمات غسيل الكلى وتقديم الرعاية الصحية للطفولة والأمومة.
ويقدّر بأن نحو 14,000 مريض من ذوي الحالات الحرجة بحاجة حاليًا إلى الإجلاء الطبي من غزة. وقبل إغلاق معبر رفح، كانت عمليات الإجلاء الطبي تصل إلى نحو 50 مريضًا يوميًا. وهذا يعني أنه لم يتم إجلاء ما يقرب من 700 مريض منذ إغلاق معبر رفح.
سيدي الرئيس،
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تعرّض 75 بالمائة من سكان غزة، أي ما يعادل 1.7 مليون نسمة، للنزوح القسري داخل غزة، حيث نزح عدد كبير منهم أربع أو خمس مرات، نتيجة لأوامر الإخلاء المتكررة التي أصدرها الجيش الإسرائيلي.
كما أشارت بعض التقارير إلى أن الآلاف من سكان غزة من المحتمل أن يكونوا قد عبروا إلى مصر، في حين ما زال المزيد منهم يحاول العبور.
وخلال الأسبوعين المنصرمين، نزح ما يزيد عن 800,000 شخص من رفح إلى مناطق أخرى في غزة بحثًا عن الأمان. وفي ظل استمرار النزاع وتعرّض حياة المدنيين للخطر، يجب أن يحظى المدنيون بالحماية.
ولا بد لي أيضًا أن أؤكد، بشكل لا لبس فيه، على وجوب ضمان منح حق العودة الطوعية للأشخاص الذين نزحوا قسرًا داخل غزة أو خارجها، بموجب القانون الدولي.
سيدي الرئيس، أعضاء مجلس الأمن الموقرين،
غدت المخيمات ومراكز الإيواء في حالات الطوارئ في رفح التي كانت مكتظة في السابق فارغة إلى حد كبير.
يلتمس معظم النازحين اللجوء في خانيونس ودير البلح. لكن الوضع الذي يجده السكان لدى وصولهم إلى المواقع الجديدة في هذه المناطق أمر مروّع. فالبنية التحتية القائمة محدودة للغاية، كما تفتقر المواقع إلى المراحيض ونقاط المياه والصرف الصحي والمأوى.
يجب تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين. وهذا يعني، بالنسبة للمدنيين الذين تم إجلاؤهم، ضمان توفير المأوى المناسب إلى أقصى حد ممكن من الناحية العملية وتوفير الحد الأدنى الملائم من متطلبات النظافة والصحة والسلامة والتغذية، وعدم فصل أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم البعض.
هذه الظروف المروعة تترك شكوكًا خطيرة فيما يتعلق بالامتثال لهذه الالتزامات الأساسية.
سيدي الرئيس،
إن التوغل البرّي في رفح يضاعف من العوائق التي تقوض عملية تقديم المساعدات الهشّة بالفعل والتي تواجه تحديات جمّة، على غرار ما ذُكر سابقًا.
وحتى 17 أيار/مايو، كان معبر رفح لا يزال مغلقًا وتعذر الوصول إليه أمام شحنات المساعدات الإنسانية والوقود وحركة الأفراد. وقد حال ذلك دون دخول 82,000 طن متري من الإمدادات، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية الحيوية. وقد دخل نحو 654,000 لتر من الوقود إلى قطاع غزة منذ بداية عملية رفح في 6 أيار/مايو. وهذا يعني أننا نتلقى في المتوسط ربعًا فقط من مخصصات الوقود التي كانت لدينا قبل 6 أيار/ مايو، مما يؤثر على عمل المخابز والمستشفيات وآبار المياه وغيرها من البنى التحتية الحيوية.
ولا يزال معبر كرم أبو سالم – الذي كان يشكل نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الحيوية مفتوحًا من حيث المبدأ، ولكن من الصعب للغاية على منظمات الإغاثة الوصول إليه من جانب غزة بسبب الأعمال القتالية والظروف اللوجستية الصعبة وإجراءات التنسيق المعقدة.
ومن بين الطرق البرّية الشمالية، تم إغلاق معبر إيريز، الذي كان مفتوحًا في الفترة الممتدة بين 1 و9 أيار/مايو، منذ ذلك الحين. ويجري الآن استخدام معبر إيريز الغربي الذي تم افتتاحه حديثًا، والمعروف باسم «السيافا» أو «زيكيم،» لإدخال كميات محدودة من المساعدات، ولكن المناطق الواقعة في محيط هذا المعبر تخضع الآن أيضًا لأوامر الإخلاء.
نرّحب بشحنات المساعدات الأولى التي وصلت في 17 أيار/مايو عن طريق الميناء العائم الذي أقامته الولايات المتحدة. ويشكل الممر البحري الذي تستضيفه قبرص تماشيًا مع القرار 2720 (2023) وبدعم من الدول الأعضاء الأخرى عاملاً مهمًا لعملية إنسانية شاملة في غزة. ولكن كما أكدنا، تعد الطرق البرّية الطريقة الأكثر جدوى وأكثرها فعّالية وكفاءة لإيصال المعونات بالحجم المطلوب.
سيدي الرئيس،
تلتزم الأمم المتحدة وشركاؤنا بالبقاء في غزة وتقديم الخدمات حيثما يحتاج المدنيون إليها، كما أننا نعمل على إعادة هيكلة عملياتنا بما يتناسب مع التحركات السكانية الأخيرة. وتعمل كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار في غزة [السيدة سيغريد كاغ] على التواصل الفعّال مع الأطراف [المعنية] لتسريع تقديم شحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر جميع المسارات الممكنة. ومع ذلك، فإننا نفتقر في الوقت الراهن إلى الإمدادات والوقود اللازمين لتقديم أي مستوى دعم ذي جدوى، وذلك بسبب الإغلاق الحالي لمعبر رفح ومحدودية الوصول عبر معبر كرم أبو سالم وغيره من المعابر.
بإمكاني أن أطلعكم وأعضاء المجلس على قائمة الأمور التي نحن بحاجة إليها. والتي أنتم على دراية بها بالفعل:
أولا: إن حصيلة القتلى والمصابين والدمار في غزة غير معقولة على الإطلاق. نحن نطالب بحماية المدنيين ومساكنهم والبنية التحتية الحيوية التي يعتمدون عليها، بموجب القانون الإنساني الدولي. ويجب اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة من أجل تجنب إلحاق الضرر بالمدنيين وتقليصه في جميع الأحوال.
ثانيًا: نحن بحاجة إلى تيسير وصول المساعدات الإنسانية على وجه السرعة ودون عوائق إلى غزة وداخلها - وذلك أيضًا بموجب القانون الإنساني الدولي. كما يجب فتح جميع نقاط العبور المتاحة والحفاظ على فتحها لفترة طويلة لضمان دخول المساعدات على نطاق واسع.
ثالثاً: نحن بحاجة أيضًا إلى ضمان حماية العاملين في المجال الإنساني وموظفي الأمم المتحدة الذين يعملون جميعًا في ظل ظروف قاسية في غزة. وهذا يقتضي من الأطراف أن تتوخى الحذر بشكل مستمر طوال العمليات العسكرية، وهو ما يهدف نظام الإخطار في المجال الإنساني المتفق عليه إلى تحقيق أقصى قدر منه. كما أنه من الضروري توفير شبكة اتصالات مستقرة.
رابعًا: نحن بحاجة إلى تمويل كاف، ولا سيما لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والتي تشكل الركيزة الأساسية لعملياتنا في مجال المساعدات. وحتى 20 أيار/مايو، لم يتم تمويل النداء العاجل للعام 2024 إلا بنسبة 25 بالمائة. إننا نحث المانحين على المضي قدمًا في التمويل [الذي نحتاجه]. ونحن ممتنون للتمويل الذي تلقيناه بالفعل.
ولكن بكل صراحة، سيدي الرئيس، أعضاء المجلس،
في هذه المرحلة، وعلى غرار ما أشير إليه، فإن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية ووقف التوغل البرّي في رفح هما وحدهما الكفيلان بتأمين الحماية الكاملة للمدنيين، وتهيئة الظروف الملائمة للعاملين في المجال الإنساني للعمل على تقديم المساعدات على النطاق المطلوب، والحد من الخسائر المتزايدة بلا نهاية لهذه المأساة في غزة.
لذا، فإن دعوتنا الرئيسية اليوم هي دعوة جميع الأطراف، على نحو ملح، إلى إحراز تقدّم حقيقي نحو وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، وأن يستخدم مجلس الأمن وجميع الدول الأعضاء نفوذهم لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية.
شكرًا لكم.