في أعقاب تزايد الهجمات الفلسطينية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، طبقت السلطات الإسرائيلية إجراءات تعاقب الفلسطينيين على أفعال لم يرتكبوها و ليسوا مسؤولين عنها جنائيا، متذرعة بالحاجة إلى الردع والوقاية. تشمل هذه الإجراءات تدمير منازل أسر الفلسطينيين الذين نفذوا هجوما أو يشتبه في قيامهم أو التخطيط لهجمات، وإغلاق الأماكن التي يعيش فيها بعض هؤلاء المشتبه بهم.[1] وتزيد هذه الممارسات المخاوف بشأن العقاب الجماعي، وهو أمر محظور بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وفي الأشهر الأخيرة، استهدفت السلطات الإسرائيلية حقوق الإقامة لأفراد أسر الجناة المشتبه بهم، والذين يعيشون في القدس الشرقية، معرضين أفراد هذه الأسر لخطر الترحيل القسري كنتيجة لذلك.
وفي 8 كانون الثاني/يناير 2017، نفذ فلسطيني من حي جبل المكبر في القدس الشرقية هجوما بالصدم بسيارة قرب منزله، مما أسفر عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة 15 آخرين مشاركين في جولة تعليمية؛ أطلقت النيران على المنفذ وقتل خلال الهجوم. وفي اليوم التالي، تلقى ثلاثة عشر من أفراد عائلته (عائلة القنبر) إخطارات بإلغاء إقامتهم في القدس الشرقية، بما في ذلك تصاريح الإقامة التي حصلوا عليها في إطار عملية "جمع شمل العائلة".[2] وقال وزير الداخلية الإسرائيلي، عند إعلان القرار لوسائل الإعلام: "ليكن معلوما لكل الذين يفكرون في تنفيذ هجوم بأن أسرهم ستدفع ثمنا باهظا لأعمالهم، وستكون العواقب وخيمة وبعيدة المدى".
ألغي وضع الإقامة لأحد عشر من أفراد الأسرة في القدس الشرقية في 25 كانون الثاني/يناير 2017 بموجب المادة 11 (أ) (2) من قانون الدخول إلى إسرائيل. و نجا اثنان، لأنهما طفلان على ما يبدو. وعلى الرغم من أن الأساس المذكور الذي استند إليه الإلغاء كان الاشتباه بوجود روابط مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتورط في نشاط إرهابي[3] فإن توقيت الإجراء وبيان الوزير يزيدان المخاوف من أن هذا قد يكون إجراء للعقاب الجماعي.
ويخشى أحد عشر فردا آخر من أسرة القنبر الممتدة من تأجيل تجديد "تصاريحهم العسكرية لجمع شمل الأسرة" بسبب الهجوم. وقد انتهت هذه الوثائق، التي تسمح لهم بالعيش في القدس، في 5 آذار/مارس 2017، ولم يتم تمديدها بعد أسبوعين عندما التقوا بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. كما تعرضت أسرة المهاجم المباشرة- زوجته وأطفاله الأربعة - لعقاب جماعي وللإخلاء القسري عندما تم إغلاق منزل أسرتهم بشكل عقابي في 22 آذار/مارس.
يواجه سكان جبل المكبر (يبلغ إجمالي السكان ما يقرب من 24,000) ست عمليات هدم عقابية وإغلاق منازل منذ عام 2015، مما أدى إلى تشريد عشر أسر: 53 فلسطينيا، من بينهم 30 طفلا.[4] ونُفذت عمليات الهدم هذه على أساس علاقتها بخمس هجمات نفذها سكان من الحي وقتل فيها 14 إسرائيليا (من بينهم أربعة جنود وشرطي) وأصيب 40 إسرائيليا (من بينهم 15 جنديا وشرطيا).[5]
نطاق الإجراءات المطبقة عقب هجوم كانون الثاني/يناير 2017 يبدو أوسع مما كان عليه الحال في الماضي ويؤثر على عدد كبير من أفراد العائلة الممتدة والجيران. وبين 9 و16 كانون الثاني/يناير، تلقى ما يقرب من 240 أسرة تعيش في 80 مبنى إخطارات من بلدية القدس لمخالفات التخطيط وتقسيم المناطق، والتي تعرضهم لخطر عمليات الهدم والإخلاء القسري.[6] كذلك، وثق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية هدم 12 مبنى غير سكني بسبب عدم وجود رخصة بناء. وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها السلطات البلدية مثل هذا الإجراء في الحي، فإن شدة ونطاق الإجراءات فاجأتا السكان. وبالنظر إليها في سياق هجوم كانون الثاني/يناير وإجراءات البلدية، فإن ذلك يثير المخاوف من أن هذه الإجراءات كان الهدف منها معاقبة السكان على النطاق الأوسع.
كانت المحكمة العليا الإسرائيلية سمحت في السابق بعمليات هدم عقابية، لكنها لم تصدر بعد حكما بشأن دستورية إلغاء الإقامة العقابي. ولا تزال هذه الإجراءات العقابية تواجه طعنا في المحكمة منذ عام 2006.[7] وبغض النظر عن الموقف بموجب القانون الإسرائيلي، فإن جميع أشكال العقوبات الجماعية غير مشروعة بموجب القانون الدولي الإنساني، كما تنتهك مجموعة من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحماية المتساوية أمام القانون وافتراض البراءة.[8] ويمكن أن تؤدي الممارسة المحددة لإلغاء الإقامة إلى انتهاك الحظر على عمليات الترحيل القسري بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
منوه أحمد حمدان القنبر (64 عاما) هي واحدة من بين الذين ألغيت إقامتهم في القدس الشرقية ، وهي والدة منفذ الهجوم فادي القنبر. وكانت قد حصلت على إقامة دائمة في عام 1988 في القدس الشرقية بعد عملية جمع شمل تمت بعد زواجها في عام 1981. وبعد يوم من الهجوم، سلمت السلطات الإسرائيلية منوه إخطارا بجلسة في وزارة الداخلية للنظر في وضع إقامتها.
أبلغت منوه المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنها حضرت الجلسة في 18 كانون الثاني/يناير مع محاميها، وزوجها وابن آخر. وعلى الرغم من أن الإشعار الموجه لها كان على أساس أن زواجها كان على ضرة وحصلت على إقامتها على أساس معلومات كاذبة، قالت إن ذلك لم يكن محور الجلسة، وإنما كانت المناقشة حول ابنها والهجوم الذي قام به، وإذا ما كانت تؤيد عمله. وهذا يثير من جديد تساؤلات حول أساس الإجراء المتخذ ضدها وضد أفراد أسرتها الآخرين.
وعلى الرغم من الطبيعة الخطيرة للادعاءات الجنائية الموجهة ضدهم (علاقات مع داعش والتورط في نشاط إرهابي)، يبدو أنه لم يتم توجيه اتهام أو القبض على منوه أو غيرها من أفراد عائلة القنبر على هذه الأسس. وما زالوا يعيشون في الحي ولكنهم يواجهون خطر الترحيل القسري إذا لم ينجح استئنافهم المقدم ضد الإلغاء.[9]
ويوضح الترحيل القسري لواحدة من السكان الآخرين من جبل المكبر، نادية أبو جمل - والتي قتل زوجها ستة إسرائيليين في هجوم في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 - الأثر المدمر لمثل هذه الإجراءات على الفلسطينيين. تم إلغاء طلب نادية أبو جمل لجمع الشمل بعد الهجوم، وأيدت المحكمة العليا الإسرائيلية إلغاء وضع إقامتها في تموز/يوليو 2015. وهدم منزل أسرتها كعقوبة في تشرين الأول/أكتوبر 2015. ومع اجبارها على الخروج، هي تعيش حاليا في الضفة الغربية خارج الجدار، ومفصولة عن أطفالها الأربعة الذين ما زالوا يعيشون مع جديهم في جبل المكبر.
وتحدثت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مع منوه القنبر مرة أخرى بعد أن أُغلق منزل ابنها عقابيا في آذار/مارس. وعلى الرغم من خطر ترحيلها قسرا، كانت أكثر قلقا على أسرتها: "أخشى أن يتم فصلي عن أولادي وأحفادي. وزوجي لا يستطيع النوم في الليل بسبب القلق والتوتر. إنه لا يعرف ما سيحدث لنا. عليّ أن أبقى ثابتة وقوية لتقويته".
[1] عبر الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا عن القلق بشأن مثل هذه الممارسات، مؤكدا أنها قد تصل إلى حد العقاب الجماعي الممنوع، A\HRC\31\40 الفقرات 29-33، 16 آذار/مارس 2017: A\HRC\34\36 الفقرات 31-33: A\71\364 الفقرات 25-29، 16 آذار/مارس 2017.
[2] يجب على حاملي بطاقة هوية القدس الشرقية الذين يتزوجون أشخاصا يحملون هوية الضفة الغربية أو غزة أن يقدموا طلبا إلى وزارة الداخلية الإسرائيلية لجمع الشمل نيابة عنهم إذا كانوا يرغبون في العيش معا في القدس الشرقية. وفي عام 2002، جمدت إسرائيل طلبات جمع الشمل العائلي، وبعد ذلك بسنة أدخلت التجميد في قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل (أمر مؤقت). تم تعديل القانون في عام 2005، مما جعل النساء اللواتي تزيد أعمارهن عن 25 سنة والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 35 سنة مؤهلين للحصول على تصاريح عسكرية لجمع شمل الأسرة للعيش مع أزواجهم في القدس الشرقية. ويسمح تعديل إضافي في عام 2007 بأن تقوم لجنة بمراجعة بعض الحالات خارج الفئة المؤهلة أعلاه والنظر في جمع شمل الأسرة بناء على "أسس إنسانية استثنائية".
[3] رسالة مؤرخة في 25/01/17 من سلطة السكان والهجرة.
[4] هذا بالإضافة إلى 36 عملية هدم وحوادث هدم ذاتي جرت على أساس عدم وجود رخص بناء وأدى ذلك لتشريد 44 شخصاً ومن ناحية أخرى أثر على 46 شخصا آخرين خلال الفترة نفسها (2015 – كانون الثاني/يناير 2017).
[5] قاعدة بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية حول حماية المدنيين.
[6] رسم الخرائط الأولية للأشخاص المتضررين من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كانون الثاني/يناير 2017.
[7] محكمة العدل العليا 7803/06. تم ترحيل أربعة فلسطينيين من القدس الشرقية قسرا إلى الضفة الغربية بعد إلغاء إقامتهم على أساس عدم الولاء بسبب ارتباطهم المزعوم بحركة حماس. انظر أيضا A\67\372، الفقرة 39.
[8] المادة 14، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. اعتمادا على شكل العقوبة، يمكن انتهاك المزيد من الحقوق. على سبيل المثال. تؤدي عمليات الهدم العقابية إلى انتهاكات للحق في السكن الملائم وحظر الإخلاء القسري (المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انظر أيضا المواد 6 و7 و9 و16 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
[9] المادة 47، اتفاقية جنيف الرابعة. السكان الفلسطينيون في القدس الشرقية هم أشخاص محميون بموجب القانون الدولي الإنساني، رغم ضم إسرائيل غير المشروع للمدينة.