ساهم صندوق الأمم المتحدة للسكان في كتابة هذه المقالة بالنيابة عن مجموعة العمل المعنية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في مجموعة الحماية.
تسكن مها (اسم مستعار)، التي تبلغ من العمر 40 عامًا وأم لثلاثة أطفال، في مخيم البريج، وهو أحد أفقر مخيمات اللاجئين وأكثرها اكتظاظًا في وسط قطاع غزة. وتواجه أربع من كل عشر نساء في قطاع غزة العنف الأسري على يد أزواجهن في الغالب.[1] ومها واحدة من هؤلاء النسوة.
وكانت علاقة مها مع زوجها يشوبها التوتر حتى قبل بداية أزمة فيروس كورونا، ولكنها شهدت المزيد من التدهور مع تكشُّف هذه الأزمة وتطورها. وقد تقوضت الظروف المعيشية في غزة بفعل الحصار الإسرائيلي طويل الأمد والصراع الداخلي الفلسطيني، وتفاقمت بسبب تكرار الأعمال القتالية والاشتباكات. ودأب زوج مها، الذي يتملّكه الغضب وينتابه اليأس بسبب افتقاره لدخل ثابت وقدرته المحدودة على إعالة أسرته، على الاعتداء عليها لفظيًا وجسديًا. ومع استفحال الأزمة، وبعدما اضطُر زوجها إلى قضاء وقت أكبر في المنزل، شهد مستوى العنف ازديادًا في وتيرته وشدّته معًا. وتقول مها: "أشعر في بعض الأحيان أن هذا كابوسًا سوف أستيقظ منه في نهاية المطاف، ولكن هذا الكابوس لا نهاية له، ولست أدري إلى أي مدى أستطيع أن أتحمّل هذا".
وبناءً على تقييم أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان، أفضت أزمة فيروس كورونا وحالة الطوارئ التي أُعلنت في يوم 5 آذار/مارس وما تلاها من فرض الإغلاق إلى استشراء حالات الضعف في أوساط النساء والأطفال، مما زاد من خطر تعرضهم لمختلف أشكال العنف، بما فيه العنف الذي يمارسه الأزواج. وتزيد المخاوف الناجمة عن الفيروس والضائقة الاقتصادية وتدابير الحجر من التوتر داخل الأسر، مما يتسبب في تفاقم العنف الأسري.
وأشار مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي إلى أن الاستشارات التي قدّمها في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي شهدت زيادة بلغت 69 بالمائة في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة خلال شهر نيسان/أبريل، بالمقارنة مع شهر آذار/مارس. ووفقًا لمؤسسة سوا، وهي منظمة غير حكومية فلسطينية تدير أحد خطوط المساعدة الهاتفية في الأرض الفلسطينية المحتلة، طرأت زيادة نسبتها 20 بالمائة على الاتصالات المتعلقة بحالات الاعتداء والعنف على أساس أسبوعي في الفترة الواقعة بين الأسبوع الأخير من شهر آذار/مارس ويوم 9 نيسان/أبريل. وفي الأسبوع الذي تلا هذه الفترة، أشارت التقارير إلى ارتفاع تلك الحالات بما نسبته 43 بالمائة، حيث ورد 54 اتصالًا من نساء و26 اتصالًا من رجال. وجاءت هذه الاتصالات في معظمها من قطاع غزة.
تحدي العقبات التي تقف أمام تقديم الخدمات
يؤثر تفشّي الأمراض على النساء والرجال بطرق متباينة، وتؤدي الأوبئة إلى تفاقم ما هو موجود من حالات انعدام المساواة بين الجنسين. وفي الوقت نفسه، تتعطل الخدمات التي تحتاج إليها النساء والفتيات بصفة خاصة خلال هذه الأزمات، بما فيها الأمن والأمان والوصول إلى العدالة، أو تتراجع بالنظر إلى تحويل الموارد للاستجابة لمواجهة الأزمة القائمة وتداعياتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
وبسبب القيود المفروضة على التنقل وتدابير الإغلاق منذ بداية أزمة فيروس كورونا، تقلصت الرعاية المنقذة للحياة والدعم المخصص للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأرض الفلسطينية المحتلة، مما أفرز فجوة في الاستجابة للناجيات أنفسهن وأولئك المعرضات لخطر هذا العنف. وجرى تقليص مستوى التواصل المباشر وإمكانية الوصول إلى الخدمات المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في أماكن مأمونة إلى حد كبير، أو تعليقها بالكامل في معظم الحالات. فقد أُغلق المأوى الذي تديره الحكومة في قطاع غزة ووُجهت التعليمات إلى مراكز الإيواء في الضفة الغربية بعدم إدخال أي حالات جديدة ما لم تكن قد خضعت للحجر لمدة 14 يومًا، وهو ما فرض تحديًا على مراكز الإيواء التي لم تكن مجهزة لتشمل مرافق للحجر.
وقد غيّر ما لا يقل عن 24 منظمة تقدم الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في الأرض الفلسطينية المحتلة[2] الطرق التي تعتمدها في تقديم خدماتها، فصارت تقدم الدعم عن بعد منذ منتصف شهر آذار/مارس. وجرى اعتماد الخطوط الساخنة ومجموعات الدردشة على شبكة الإنترنت، بينما شهدت أنشطة التوعية على محطات التلفزة والإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي زيادة ملحوظة. ووزعت هذه المنظمات المواد الغذائية ومجموعات لوازم النظافة الشخصية والنظافة الصحية على الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي والأُسر المعرضة للخطر، بما فيها تلك الموجودة في الحجر. كما قدم المحامون والعاملون الاجتماعيون والصحيون خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة القانونية وإدارة الحالات عبر خطوط الهاتف الأرضي والهواتف النقالة. وبحلول نهاية شهر نيسان/أبريل 2020، كانت هذه المنظمات قد تواصلت مع 3,130 امرأة وفتاة في قطاع غزة و3,162 امرأة وفتاة وفتًى ورجلًا في الضفة الغربية.[3]
ومنذ يوم 22 آذار/مارس، قدمت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، وهي منظمة غير حكومية، 1,417 استشارة عن بعد ونظمت 1,168 جلسة إرشادية عبر الهاتف مع 597 حالة في قطاع غزة والضفة الغربية، من بينها 988 حالة لها صلة مباشرة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. ومها واحدة من كثيرات تمثلهن هذه الأرقام.
ولا تقيم مها أي علاقات خارج نطاق أسرتها المباشرة. وهي تشعر بقدر كبير من الحرج في التواصل مع جيرانها، لأنه من المرجح أنهم استرقوا السمع وزوجها يكيل الإساءات اللفظية لها، ولا ترغب في أن تكون موضع شفقة لدى أحد. كما تأثرت المحاولات التي بذلتها في سبيل بناء علاقة صحية مع أطفالها بشدة بسبب العنف. وبينما لا يزال أطفالها يكنّون الحب لها، فهي تشعر بأنهم لا يحترمونها، ولا سيما أكبر أبنائها الذي يلومها بسبب المشاكل التي تعصف بالأسرة. ومن جانب آخر، تعاني ابنتها من الكوابيس والتبول اللاإرادي، وربما يعزى ذلك إلى العنف الأسري.
وقد تواصلت معها مع جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، حيث كانت تتصل بها عندما لم يكن زوجها في المنزل. ومن خلال الإرشاد، وجدت مها فضاء افتراضيًا مأمونًا يسّر لها التعبير عن مشاريعها والتنفيس عن همومها وتلقّي الدعم في كيفية حماية نفسها وأطفالها من الخطر. وتلقّت المشورة حول كيفية إجراء حوار بنّاء مع زوجها، كما قدمت الجمعية المعلومات لها حول توفر آليات أخرى للحماية، كمراكز الإيواء المحلية.
وأخبرت مها المرشدة: "بعدما تحدثتُ إليك وتعلمتُ تمارين التنفيس وكيف أتعامل مع زوجي بطريقة أفضل وأشرح المشكلة بهدوء وكيف تؤثر عليّ دون أن أبكي أو أصرخ، تحسّن الوضع... وأشعر أن الوضع اصبح قابلًا أكثر للاحتمال، وأنا مسرورة بهذا الإنجاز، مع أنه ليس كافيًا".
وبينما ينتظر العالم بقلق تخفيف تدابير الإغلاق تدريجيًا في ظل التراجع الذي طرأ على عدد الأشخاص الذين تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، لا ينبغي نسيان النساء من أمثال مها. فالإجراءات العاجلة مطلوبة لتوسيع نطاق الخدمات الحالية لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي ودعم ضحاياه واحتواء هذه الأزمة التي تدور رحاها في أزمة طارئة.
[1] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، النتائج الأولية لمسح العنف في المجتمع الفلسطيني، 2019.
[2] تستجيب 15 منظمة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في الضفة الغربية وتسع في قطاع غزة. انظر أدلة الخدمات المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في حالة الطوارئ خلال أزمة فيروس كورونا، والذي أعدته المجموعة الفرعية المعنية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.
[3] بناءً على المدخلات الأسبوعية التي جمعتها المجموعة الفرعية المعنية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في غزة والضفة الغربية.