تصدير بقلم المنسق الإنساني
في هذا العام الأخير من دورة الأعوام 2018-2020، تطلق المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني مناشدةً لتقديم مبلغ قدره 348 مليون دولار لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة. وهذا المبلغ شبيه بالمبلغ المطلوب في العام 2019، وقدره 350 مليون دولار، ولكنه يقلّ بشوط بعيد عن المبلغ الذي طُلب في مناشدة العام 2018، وهو 550 مليون دولار. ولا يعكس هذا الانخفاض تراجعًا في نطاق الاحتياجات، وإنما يُعَدّ إقرارًا باستمرار نقص التمويل الموجّه للعمليات الإنسانية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. فبحلول نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، لم يجرِ تأمين سوى 60 في المائة تقريبًا من المبلغ الذي طُلب لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2019، وهو ما يمثل بالأرقام الحقيقية تقليصًا شهده التمويل. ويأتي هذا التقليص على الرغم من تنبؤات البنك الدولي بأن الاقتصاد في الأرض الفلسطينية المحتلة "يُتوقع أن ينزلق في كساد في العامين 2020 و2021،" وهو واقع يُحتمل أن يزيد من نطاق المحنة الإنسانية.[1]
فقد جرى تحديد نحو 2.4 مليون فلسطيني، أو واحد من كل فلسطينيين اثنين في الأرض الفلسطينية المحتلة، على أنهم في حاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية خلال العام 2020. وتتناول "النظرة العامة على الاحتياجات الإنسانية" المرفقة النطاق الكامل لهذه الاحتياجات على وجه التفصيل. ومن بين هؤلاء، سوف يتم استهداف 1.5 مليونًا من الأشخاص الأكثر ضعفًا، وهو ما يشكل زيادة طفيفة عن عددهم البالغ 1.4 مليون شخص في العام 2019. وهذا يعني أن نحو مليون شخص ضعيف تقريبًا، ولا سيما في قطاع غزة، لن يتلقّوا أي مساعدة من خلال خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2020، حتى لو حظيت هذه الخطة بتمويل كامل.
وقد سجلت غزة بعض التحسن خلال العام 2019، حسبما يَرِد في جزئية "سياق الأزمة" أدناه. ومع ذلك، فلا يزال الوضع الإنساني يشهد تدهورًا، والانقسام الداخلي الفلسطيني مستفحلًا، وتكرار حالات تصعيد أعمال العنف يهدد بإشعال فتيل مواجهة أعمّ. وما فتأت مظاهرات "مسيرة العودة الكبرى‘ مستمرة، مما يؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا ويزيد الضغط على النظام الصحي المنهك أصلًا. وفضلًا عن معدلات انعدام الأمن الغذائي والفقر والبطالة التي تشهد ارتفاعًا مستمرًا، فهناك إشارات متزايدة على التدهور الذي يصيب النسيج الاجتماعي في غزة.
وهذا يشمل آلاف الأسر التي تواجه الإجراءات القانونية أو الإخلاء بسبب انعدام قدرتها على تسديد الإيجارات المستحقة عليها وغيرها من المصاريف، ناهيك عن التقارير التي تفيد بانتشار الإدمان على المخدرات على نطاق واسع، وزيادة حالات الانتحار وتزايد "هجرة الأدمغة"، حيث يحاول الشباب والمتعلّمون الرحيل عن غزة. ويثير وضع الأطفال القلق بوجه خاص، حسبما يُستدلّ على ذلك من زيادة عمالة الأطفال وزواج القاصرين ووجود 250,000 طفل يعانون من اضطرابات حادة أو متوسطة في صحتهم العقلية. وسوف يزيد التقصير في مساعدة هذه الفئات الضعيفة من تفاقم إستراتيجيات التكيف السلبية ويقوّض القدرة على الصمود.
وبينما تخفّ حدة الوضع في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، فقد طرأت زيادة على توسيع المستوطنات وعنف المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول وعمليات الهدم والإخلاء في العام 2019، مما أدى استشراء البيئة القسرية التي تعيشها التجمعات السكانية الفلسطينية الضعيفة وتقويض الآمال المعلَّقة على حل الدولتين. كما تواجه منظمات العمل الإنساني في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة سياقًا عملياتيًا يتسم بقدر متزايد من الصعوبات، مما يفرض تحديات أكبر من ذي قبل على قدرتها على مزاولة عملها بسبب القيود والاعتبارات السياسية والهجمات التي تستهدف نزع الصفة الشرعية عن العمل الإنساني.
ويتطلّب هذا المناخ السياسي المناوئ وشُحّ الموارد من الدول الأعضاء أن تزيد معدلات التمويل الذي تقدمه من أجل تمكيننا من تقديم الخدمات الأساسية للفئات الأضعف من الفلسطينيين القابعين تحت نير الاحتلال وحماية حقوقهم. ويجب أن تُستتبع زيادة التمويل الإنساني بدعم الحيز العملياتي في وجه التحديات المتزايدة وبمشاركة سياسية لمعالجة الانتهاكات الواقعة على القانون الدولي، والتي تقع في صُلب أزمة الحماية في الأرض الفلسطينية المحتلة. وسوف تحافظ خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2020 على الموقع المركزي الذي تتبوّأه الحماية على جميع مستويات العمل الإنساني، باعتبارها مسؤولية مشتركة على نطاق المنظومة، من أجل تمكين الفلسطينيين من التكيف مع الآثار التي تخلّفها هذه الأزمة الطويلة الأمد وتجاوزها، في ذات الوقت الذي تُبذَل فيها المساعي لاجتراح حلول مستدامة.
[1] World Bank, Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, 26 September 2019, p. 4.