في شهر تشرين الأول/أكتوبر، صدرت أحكام في دعاوى قضائية رُفعت إلى محكمة العدل الإسرائيلية بشأن أربعة تجمعات فلسطينية في شمال غور الأردن لصالح هدمها بسبب عدم وجود تراخيص لبنائها، التي لا تمنحها السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين إلاّ في حالات نادرة. ونتيجةً لذلك، بات ما يزيد على مئتي مبنى، 26% منها موّلته جهات مانحة، مهدّدة بالهدم، في تجمعات مكحول، وحمصة-البقيعة، والفارسية-احميّر، والفارسية-نبع الغزال. وبات ما يقدَّر عددهم بـ171 شخصًا، 50% منهم أطفال، يواجهون خطرًا وشيكًا بتهجيرهم من هذه التجمعات. وتُعَدّ أعمال الهدم أو التهديد بالهدم، وما يترافق معها من سياسات التخطيط التمييزية التي تجعل من شبه المستحيل على السكان الفلسطينيين في المنطقة (ج) الحصول على تراخيص البناء، من جملة السياسات الإسرائيلية التي قال الأمين العام أنها تخلق بيئة قسرية تفرض الضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على الرحيل عن تجمعاتهم السكانية وتثير خطر الترحيل القسري.
وتقع التجمعات السكانية الأربعة المذكورة في المنطقة (ج)، التي لا يغطي مخطط تنظيمي واحد أُعِدّ للتجمعات الفلسطينية فيها سوى 1% من مساحة هذه المنطقة بأسرها.[1] وهناك في هذه الآونة ما يزيد على 12,500 أمر هدم صدرت بحق المباني الفلسطينية في المنطقة (ج)، وهي بإنتظار تنفيذها. وقبل صدور الأحكام القضائية الأخيرة عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية، طلب المحامون الموكَّلون عن هذه التجمعات تمديد تجميد أوامر الهدم العالقة من أجل تمكينهم من تقديم مخططات هيكلية تفصيلية إلى التجمعات المذكورة.[2] وقد رفضت المحكمة طلب المستدعين بتمديد تجميد أوامر الهدم. ومع ذلك، أصدرت المحكمة في يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر أمرًا مؤقتًا في قضية تجمّع مكحول، حيث قضت فيه بمنع تنفيذ أعمال الهدم حتى تاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2017.
ويجري إستهداف شمال غور الأردن بحملات هدم متعددة. فقد أدّت موجة من أعمال الهدم التي طالت تجمّع مكحول منذ العام 2013 إلى مغادرة نصف سكان هذا التجمّع: خمس من أصل عشر أسر. وبات من تبقى من هذه الأسر، التي تتألف من 29 شخصًا، منهم 15 طفلًا، في أوضاع هشّة: حيث يواجه ما يقرب من 47 مبنى، من بينها 11 مبنى تمّ تمويله من قبل جهات مانحة، خطر الهدم المحتمل. وتشمل هذه المباني: سبعة مبان سكنية، و16 حظيرة مواشي وخمسة مبانٍ لتخزين العلف اللازم لإطعام 1,110 رؤوس من الأغنام في التجمّع، وخمس مطابخ خارجية وخمس أفران لخبز الطابون، وأربعة مراحيض وخمس وحدات من الألواح الشمسية لتوليد الطاقة (أنظر إلى دراسة الحالة أدناه).
ومن بين الأسر المقيمة في تجمّع حمصة-البقيعة، تضررت ثلاث أسر تتألف من 26 فردًا، من بينهم 18 طفلًا، حيث يواجه 21 مبنى، من بينها مبنيان تمّ تمويلهما من قبل جهات مانحة، التهديد الوشيك بهدمها. وهذه المباني تشمل: ثلاثة مبانٍ سكنية، وتسع حظائر للماشية، وستة مبانٍ لتخزين العلف اللازم لإطعام 750 رأسًا من الأغنام التي تملكها هذه الأسر، وثلاثة مطابخ، وثلاثة أفران لخبز الطابون ووحدتان من الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.
وفي تجمّع الفارسية-احميّر، تواجه 16 أسرة، يقدَّر عدد أفرادها بـ84 فردًا، من بينهم 41 طفلًا، خطر التهجير منه. فهناك أوامر بإنتظار تنفيذها لهدم المباني التي تملكها هذه الأسر، وعددها 97 مبنى، من بينها 27 مبنى تمّ تمويله من قبل جهات مانحة. وتشمل هذه المباني 25 مبنى سكنيًا، و17 حظيرة للمواشي، وثمانية مبانٍ لتخزين العلف اللازم لإطعام 500 رأس من الأغنام التي تعود ملكيتها لتلك الأسر، و12 مطبخًا، وثمانية أفران لخبز الطابون، و14 مرحاضًا و12 وحدة من الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.
وفي تجمّع الفارسية-نبع الغزال، تواجه سبع من أصل عشر أسر، تضم 32 فردًا، بمن فيهم 16 طفلًا، التهديد بتهجيرها من هذا التجمّع. كما باتت المباني الثلاثون التي تملكها هذه الأسر بدون حماية من خطر هدمها. وتشمل هذه المباني: سبعة مبان سكنية، وستة حظائر للمواشي، وثلاثة مبانٍ لتخزين العلف الضروري لإطعام نحو 750 رأسًا من الأغنام التي تملكها تلك الأسر، وأربعة مطابخ، وثلاثة أفران لخبر الطابون وثلاثة مراحيض. وقد موّلت الجهات المانحة تشييد 14 مبنى من المباني التي يتهددها خطر الهدم.
وتقع تجمعات حمصة-البقيعة، والفارسية-نبع الغزال والفارسية-احميّر، بمجموعها أو أجزاء منها، في مناطق أُعلن عنها ’مناطق إطلاق نار‘. وسكان هذه التجمعات ليسوا سوى قلّة من نحو 6,200 فلسطيني يقطنون في 38 تجمعًا بدويًا أو رعويًا يقع معظمها في مثل هذه المواقع في المنطقة (ج). وهذه التجمعات هي بعضاّ من أكثر التجمعات السكانية الضعيفة في الضفة الغربية، حيث يعاني سكانها من إمكانية محدودة أو صعبة في الحصول على خدمات التعليم والخدمات الصحية، والبنية التحتية اللازمة لشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء. كما تتعرض هذه التجمعات لإجراءات ’الإ نتقال المؤقت‘ بسبب الأنشطة العسكرية: فقد جرى إخلاء تجمّع حمصة-البقيعة أكثر من 38 مرة بسبب التدريب العسكري على مدى السنوات الخمس الماضية.
يقول السيد بشارات، في سياق وصف تجربته: "عشتُ في مكحول على مدى السنوات الإثنتي عشرة الماضية، ولكنني ترعرعت في منطقة تسمّى الرواق القريبة من حمصة-البقيعة، وهي على بُعد عدّة كيلومترات من هنا. في العام 1998، عندما كان عمري 21 عامًا، رأيت جرافة تابعة للجيش الإسرائيلي أول مرة وهي تدمّر بيتنا وحظائر مواشينا في الرواق، حيث كان والداي وأجدادي يسكنون منذ العقد الرابع من القرن الماضي. وأتذكر كيف هدموا أو صادروا خيامنا وحظائر مواشينا، حتى أنهم إستخدموا الجرافة في تدمير خزانات مياهنا وصادروا صهريج المياه خاصتنا".
"أعدنا بناء منازلنا ورفعنا دعوى أمام المحكمة ضد أعمال الهدم. وبعد ذلك بخمس سنوات، في شهر تموز/يوليو 2003، أبلغنا محامينا بأننا خسرنا قضيتنا أمام المحكمة لأن المنطقة كانت مصنفة كمنطقة عسكرية مغلقة. وبين شهريّ آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2003، أُجبرنا كلنا على هدم منازلنا وعلى الإنتقال إلى تجمعات قريبة منا. وقد إنتقلتُ إلى الحديدية، وبعدها بسنتين إلى مكحول. وتزوجت في شهر تشرين الأول/أكتوبر. وبعد ذلك بشهرين، هدم الجيش الإسرائيلي كل ما بقي قائمًا في الرواق، بما في ذلك عدّة حظائر للمواشي، وخزانات مياه وثلاثة أشجار، وطمرها بالتراب".
"لم نتخلَّ عن الرواق كليًا، ولكن الحياة تغيرت. في الأيام الخوالي، كنتَ ترى أكثر من 35 جرارًا تعمل خلال موسم الحراثة وأكثر من 15 حصّادة و20 جرارًا خلال موسم الحصاد. كان وقتًا تغمره السعادة مع العشرات من الناس. أما الآن، فهذه المنطقة خالية في معظمها. فلم يتبقَّ سوى خمس أو ست عائلات من مكحول والحديدية تزرع ما يقرب من 7,000 دونم في هذه المنطقة. وتوقفت العائلات الأخرى، التي كانت تنحدر من طمون في غالبيتها، عن زراعة الأراضي في المنطقة بعد حفر الأنفاق وفرض قيود أخرى على الوصول على إمتداد الحدود الغربية لغور الأردن في العام 2000.
"أسكن في مكحول مع زوجتي وأطفالي السبعة. والأراضي هنا أراضٍ خاصة تعود ملكيتها لفلسطينيين، كما هو الحال في الرواق. ولديّ عقد إيجار مع مالك الأرض الفلسطيني، وهو من طوباس، وأدفع إيجارًا سنويًا يبلغ 250 دينارًا أردنيًا. وفي العام 2013، وقبل أيام قليلة من الهدم الجماعي في مكحول، أبلغنا المحامي أن القضية التي كنا قد رفعناها أمام المحكمة من أجل إضفاء صفة قانونية على المباني التي نملكهاقد تمّ رفضها.[3] وكانت هذه تجربة الهدم الثانية التي شهدتها في حياتي. وبعد سلسلة من أعمال الهدم والمصادرات، بما فيها المساعدات الإنسانية، أعدنا بناء مبانينا وحياتنا هنا. ولكن عائلة واحدة رحلت. وفي العام 2015، هُدمت منازل أربع من أصل تسع أسر بقيت هنا. وقد رحلت أسرتان من هذه الأسر. كما رحلت أسرتان أخريان في وقت لاحق. ويبدو أن أعمال الهدم أو الخوف منها قد ألقت بحمل ثقيل على تلك الأسر. وقد بقيت خمس أسر في مكحول، من بينها أسرتي".[4]
"وفي مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام، أبلغنا المحامي الذي وكّلناه بأننا خسرنا الدعوى التي رفعناها أمام المحكمة مرة أخرى. وقال لنا أن نتوقع الهدم في أي وقت الآن، بصرف النظر عن الإستئناف الذي رفعه ضدّ هذا الحكم أمام محكمة العدل العليا. وأنا أعزّي نفسي وأقول إنني سوف أعيد بناء منزلي. ولكنهم لو هدموا منزلنا في الشتاء مع هطول الأمطار وفي الجو القارس، فسوف يكون لذلك آثار شديدة الضرر على أسرتي".
"الرعي هو مصدر الدخل الرئيسي لأسرتي. ففي العام 2000، إشتريت 30 خروفًا، وأملك الآن 350 من الخراف. وفي حال هدم الجيش الإسرائيلي منازلنا وطردنا من مكحول، فقد أُضطر إلى الإنتقال إلى منطقة عاطوف، غرب الخنادق. وأراضي الرعي في تلك المنطقة محدودة، وقد أضطر إلى بيع بعض من ماشيتي، وهو ما من شأنه أن يخلّف آثارًا خطيرة على أسرتي. والمنطقة هناك مصنفة منطقة (ج) أيضًا، ولكنها ليست مستهدفة بأعمال الهدم بصورة كبيرة كما هو الحال في مكحول.
وأضاف السيد بشارات: "سنواصل العيش هنا إن شاء الله. فليس في وسعي أن أتخيل أن أُطرَد من هنا. إن ذلك أشبه ما يكون بإخراج سمكة من الماء".
تمّ إجراء المقابلة في يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 2017
[1] كان متوسط معدل الموافقة على الطلبات التي يقدمها الفلسطينيون للحصول على تراخيص البناء في المنطقة (ج) في الفترة الممتدة بين العام 2007 و2016 يقل عن 4%.
[2] وحتى هذا التاريخ، جرى إعداد 110 مخطط هيكلي للتجمعات السكانية الواقعة في المنطقة (ج). ومن شأن هذه المخططات، في حال الموافقة عليها، أن تعزز قدرة سكان هذه التجمعات على الحصول على تراخيص البناء إلى حدّ كبير. ومع ذلك، لم توافق الإدارة المدنية الإسرائيلية إلاّ على خمسة من المخططات الـ110 التي قُدّمت لها. وما يزال 96 طلبًا آخر قيد الدراسة لدى الإدارة المدنية الإسرائيلية منذ فترة تزيد على 18 شهرًا.
[3] أنظر إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، "التقرير الأسبوعي، 10-16 أيلول/سبتمبر 2013"
[4] بالإضافة إلى الأسر الخمس التي رحلت عن مكحول على مدى السنوات الأربع الماضية، كانت عشر أسر أخرى قد إنتقلت من هذا التجمّع في سنوات سابقة بسبب القيود المفروضة على التنقل والتخطيط في بيئة قسرية أفرزت آثارًا وخيمة على وصول سكان التجمّع إلى أراضي الرعي ومصادر المياه. للإطّلاع على المزيد من المعلومات، أنظر إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، "تطورات إمكانية التنقل والوصول في الضفة الغربية"، أيلول/سبتمبر 2012"، ص. 24-25