[كما تم إلقاؤها]
السيد الرئيس، أصحاب السعادة،
لقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولوها مطالب الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا منذ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والتي تنص على:
وهذه المطالب ليست بالمستحيلة ولا هي بالجديدة.
اسمحوا لي أن أستهلّ إحاطتي بنقل بعض الأصوات من غزة.
«وأنا في مركز الإيواء، أسمع النساء يستغثن طيلة الليل طلبًا للعون.»
«نستيقظ كل يوم لا لشيء إلا لنبحث عن الماء والغذاء.»
«أُجبَر، بصفتي أمًا، على أن أشاهد أبنائي وهم يتضورون جوعًا ويبكون الليل بطوله.»
«نريد أن تتوقف الحرب وأن نحلم باليوم الذي نستطيع فيه أن نعود إلى منازلنا في الشمال.»
«أمضيت أربعة أشهر دون أن أستحم.»
«يجب علينا أن نقص شعرنا بسبب القمل، ونفتقر إلى الشامبو ومواد النظافة الصحية.»
ليست هذه سوى بعض الأمور التي أخبرتني النساء بها عندما قابلتهن في دير البلح بغزة في يوم 9 تموز/يوليو.
وقد تحدثن كلهن عن غياب الأمان والكرامة والخصوصية في المخيمات المكتظة.
وقال العديد من النساء إن أفكارًا تراودهن بالإقدام على الانتحار.
وتكمن معاناتهن الشديدة – وخاصة بوصفهن أمهات – في أنهن لا يملكن القدرة على حماية أطفالهن.
وهذا هو واجب جميع الآباء والأمهات تجاه أطفالهم.
وقد أُصيب الآلاف من هؤلاء الأطفال بإصابات مروعة، كالحروق من الدرجة الثالثة وبتر الأطراف والصدمة العقلية العميقة.
ومن المحزن أن الكثير من حالات بتر الأطراف لم تكن لتكون ضرورية لو كان ما يكفي من الرعاية الطبية متاحًا.
والأطفال الذين يقضون نحبهم غالبًا ما يموتون موتًا بطيئًا ومؤلمًا للغاية.
وسوف يعاني الناجون منهم من إعاقات طيلة حياتهم ومن مستقبل يلفّه الحزن.
وحُرم 625,000 طفل من التعليم طيلة سنة دراسية كاملة.
وغني عن البيان أن طفلًا بلا تعليم هو طفل بلا مستقبل.
ويتجول الأطفال حول المواقع التي تؤوي النازحين على مدار 24 ساعة في اليوم، دون أن يرافقهم أحد في الغالب، ويتعرضون لمخاطر هائلة وللمزيد من الإصابات بسبب اللعب في الركام المليء بالذخائر غير المنفجرة.
كما يتعرضون لخطر الإصابة بأمراض خطيرة، كشلل الأطفال، بسبب جبال من النفايات وأنهار من مياه الصرف الصحي التي تتدفق بين مراكز إيواء النازحين.
السيد الرئيس،
كل شخص في غزة معرّض لمخاطر الإصابة والمرض.
وأولئك الذين ينجون من القنابل والرصاص لا يزالون يواجهون خطر الجوع والظروف غير الصحية وغياب الرعاية الصحية.
ولا يحصل الناس المصابون أصلًا باعتلالات صحية، كالسرطان أو الفشل الكلوي أو السكري، على العلاج الذي يحتاجون إليه.
ويحتاج عشرات الآلاف من المرضى إلى الإجلاء الطبي.
السيد الرئيس،
لقد زاد الاكتظاظ في مواقع النازحين من مستويات التوتر والعنف بين المجتمعات المحلية، بما يشمله ذلك من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.
وما عاد هناك نظام عام نتيجة للحرب.
فما النظام العام الذي يمكننا أن نتوقعه من مليوني إنسان يُجبرون على الدوام على التنقل في أرجاء قطاع مدمر من الأرض الضيقة، وفي أثناء القتال العنيف؟
فدون النظام العام، لن تكون هناك مساءلة ولا حماية أبدًا.
ثمة حاجة عاجلة إلى حماية السكان المدنيين في غزة، والعمليات الإنسانية على السواء. فيجب حماية العاملين في المجال الإنساني والأصول الإنسانية من جميع أشكال الهجمات العنيفة.
السيد الرئيس،
وسط الدمار الذي طال النسيج الاجتماعي والبنية التحتية، لا تدّخر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية جهدًا من أجل تقديم المساعدات المنقذة للحياة لأشد الناس ضعفًا.
ونحن نعلم ما يجب فعله لمدّ يد العون للسكان في غزة، ولكن ثمة فجوة بين ما يجب فعله وما يستطيع العاملون في المجال الإنساني أن يفعلوه.
لا تكمن المشكلة في التزام العاملين في مجال تقديم المعونة أو استعدادهم، بل في عجزهم عن إنجاز الولاية المعهودة إليهم، وذلك هو ما يقع خارج نطاق سيطرتنا.
لقد حذّر أسلافي وزملائي – في وقت مبكر من هذا النزاع – من غياب بيئة ممكّنة.
وبعد ما يقرب من عشرة أشهر من هذه اندلاع هذه الأزمة، لا تزال بيئة ممكنة وآمنة لتقديم المساعدات الإنسانية غير موجودة في غزة.
وكما قال أحد زملائي: «يبدو الأمر كما لو أن ركابنا حُطمت، ومع ذلك فهم يطلبون منا أن نقفز.»
ولم تزل وكالة الأونروا تتحمل عبء هذه الأزمة.
إن الحملة التي تستهدف الأونروا، والهجمات التي تطال مقراتها والمساعي التشريعية التي ترمي إلى الإعلان عنها بوصفها منظمة إرهابية بغية إنهاء عملياتها – غير مقبولة البتة وتعرّض عملياتنا للخطر.
وحسبما قاله الأمين العام من قبل، تُعدّ الأونروا العمود الفقري لعملياتنا في فلسطين.
السيد الرئيس،
إن الأمم المتحدة، اليوم، ليست في وضع يمكنها من تقديم المساعدات الضرورية للسكان في غزة، ناهيك عن توسيع نطاقها، ما لم تتوفر عوامل محددة.
والعوامل الممكّنة التي تلزم العمليات الإنسانية ليست بالأمر الجديد.
ففي المقام الأول، نحن في حاجة إلى حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما يشمل حماية جميع موظفي المساعدة الإنسانية وأصولها.
وتقع على عاتق الأطراف المتحاربة مسؤولية حماية الجهات الفاعلة الإنسانية.
فواجب رعاية جميع العاملين في المجال الإنساني يُشكّل أحد أكبر شواغلنا.
والمخاطر في غزة اليوم غير مقبولة.
وللتخفيف من هذه المخاطر، نحتاج إلى أنظمة ومعدات، من جملة أشياء أخرى.
ثانيًا، يجب ضمان استلام المساعدات الإنسانية وإرسالها وتسليمها دون عقبات وعلى نحو آمن فورًا.
فالإجراءات الحالية المتبعة في إيصال إرساليات المعونة والوقود من المعابر إلى الناس المحتاجين مرهقة وخطيرة ومكلفة.
يجب استخدام جميع المعابر في الوقت ذاته، إلى جانب تبسيط الإجراءات، بما يشمل معبر رفح.
كما يجب إعادة فتح معبر رفح للإجلاء الطبي للمرضى وتنقل الناس والعاملين في المجال الإنساني ونقل البضائع والوقود.
ومن أجل تسريع عملية إيصال المعونات، ما فتئنا نطلب السماح لشاحناتنا بالتوجه مباشرة من مصر والأردن إلى الوجهات الإنسانية داخل غزة.
فالمعونات ينبغي ألا تنتظر.
كما طلبنا مرارًا وتكرارًا فتح جميع الحواجز داخل غزة في الوقت نفسه من أجل تيسير التنقل من الشمال إلى الجنوب، وبالعكس.
ثالثًا، يجب ألا تُفرض قيود على كمية المواد الإنسانية التي يمكن أن تدخل غزة. فنحن نكافح اليوم في سبيل إدخال الأجهزة والإمدادات الطبية، إلى جانب قطع الغيار اللازمة من أجل إصلاح البنية التحتية المدنية.
رابعًا، لن يتمكن العاملون من تنفيذ مهامهم دون إصدار التأشيرات لجميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
إن قائمة الشروط المسبقة طويلة.
لا تستطيع المعونات الإنسانية وحدها أن تقيم أود سكان يفتقرون إلى جميع الخدمات والمرافق الأساسية، وليس ذلك في وسعنا في ظل الظروف السائدة في غزة بصفة خاصة.
ومهما كان الشكل الذي يأخذه النزاع في المستقبل القريب، يجب أن يملك العاملون في المجال الإنساني القدرة على الوصول بأمان إلى السكان المحتاجين أينما كانوا في غزة، وفي جميع أنحاء غزة.
وفي الختام، السيد الرئيس، أود أن أؤكد من جديد أن الأمم المتحدة وشركاءنا في غزة لن يستسلموا أبدًا.
سوف نواصل تقديم المساعدات التي تمسّ الحاجة إليها. ولكننا نحتاج إلى بيئة ممكّنة وآمنة لكي نقوم بذلك.
إننا لا نبالغ مهما قلنا في وصف الأثر الإنساني لهذا النزاع.
وسوف يطاردنا هذا الأثر كلنا، ليس لسنوات، وإنما لأجيال قادمة.
إننا في حاجة إلى وقف إطلاق النار، والقدرة على تقديم المعونات للفلسطينيين بما يتوافق مع المبادئ الإنسانية وإطلاق سراح الرهائن على الفور ودون شروط.
ويجب على الأطراف كافة أن تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني.
وهذا يشمل حماية المدنيين، وضمان الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، والسماح لهم بالمغادرة إلى أماكن أكثر أمنًا والسماح لهم بالعودة، حالما تسمح الظروف بذلك.
شكرًا لكم.