يتفاوت الأثر الذي سببته أعمال العنف والإصابات الناجمة عن مظاهرات مسيرة العودة الكبرى، التي يشهدها قطاع غزة، حسب الجنس بسبب الأعراف الإجتماعية السائدة فيه.
فبين شهريْ أيار/مايو وحزيران/يونيو 2018، أجرى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقييمًا سريعًا لبيان الآثار المحددة التي تخلِّفها مسيرة العودة الكبرى على النساء والفتيات الفلسطينيات. وشمل هذا التقييم تنظيم نقاشات مع خمس مجموعات بؤرية وإجراء عشر مقابلات منظَّمة ومعمّقة. وتألّفت كل مجموعة من المجموعات البؤرية من نساء شاركْن في المظاهرات أو تأثّرن بها تأثرًا مباشرًا، إلى جانب ممثلات عن مؤسسات تقدّم الخدمات الإجتماعية لهؤلاء النسوة.
وقد عبَّرت جميع المشاركات تقريبًا عن مستوى متقدم من تأييد مسيرة العودة الكبرى والدوافع التي تقف وراءها، والتي تتمثل في إعادة التأكيد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، والإحتجاج على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ أمد بعيد والآثار الوخيمة التي يخلّفها على حياة أبنائه وسُبل عيشهم.
وأشارت غالبية النساء إلى أن الموافقة على مشاركتهن في المظاهرات ينبغي أن يمنحها لهن رجل يُعَدّ بمثابة رب الأسرة، سواء كان زوجًا أم أبًا. وعلى الرغم من العادات الإجتماعية والثقافية المحافِظة السائدة في غزة، لا تثير مشاركة النساء في المظاهرات الخوف ولا تسبب تبعات سلبية في حال حصولهن على تلك الموافقة. ووفقًا للمشاركات في المجموعات البؤرية، تشارك النساء في المظاهرات بصورة أكبر في غير أيام الجمعة، التي يؤدّين فيها في العادة مهامهن المنزلية، حيث يمثّل يوم الجمعة نهاية الأسبوع ويومًا يلتئم فيه شمْل أُسرهن. كما يسود الإنطباع بأن المظاهرات التي تشهدها أيام الجمعة تتّصف بقدر أكبر من العنف من تلك التي تنظَّم في بقية أيام الأسبوع.
منذ بداية المظاهرات التي تنظَّم في سياق مسيرة العودة الكبرى في يوم 30 آذار/مارس 2018 وحتى يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، قتلت القوات الإسرائيلية إمرأة واحدة وفتاة واحدة، وأصابت ما يربو على 1,800 إمرأة وفتاة أخرى بجروح. وتشكّل النساء والفتيات نحو 1 بالمائة من مجمل أعداد القتلى، و8 بالمائة من حصيلة المصابين في هذا السياق. ومن بين المصابات، بمن فيهن أولئك اللواتي حصلْن على العلاج في الميدان، أُصيبَ ما نسبته 68 بالمائة منهن جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع و10 بالمائة بالذخيرة الحية.
وعلى الرغم من النسبة المتدنية نسبيًا للإصابات في صفوف الإناث، غالبًا ما تكون التبعات المترتبة على هذه الإصابات أشد وطأة على النساء وعلى بقية أفراد أسرهن، خصوصًا في الحالات التي تكون فيها المصابة أمًا. وقد أشارت بعض المشاركات إلى أنه يُتوقع من النساء أن يواصلن إنجاز أعمالهن المنزلية بصرف النظر عن تعرُّضهن للإصابة. وشدّدت أخريات على أن النساء الجريحات يعتمدن على أفراد أسرهن لكي يحصلن على العلاج الطبي بالنظر إلى العُرف الذي يرى أنه لا يجوز للمرأة أن تغادر منزلها دون مرافق. كما أشارت بعض النساء إلى أن الفتاة أو الشابة التي تصاب بجروح خطيرة قد تنعدم فرص الزواج المتاحة أمامها.
وأفادت عدة مشاركات بأنهن امتنعن عن تلقّي العلاج الطبي عقب استنشاق كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع لكي يتفاديْن إحتمالية نشوب التوتر مع أزواجهن. وقالت إحدى المشاركات: "زوجي يعلم أنني أشارك، ولكنه غير راضٍ عن ذلك. وقال لي إنني حرة في الذهاب، ولكنني أنا المسؤولة عما يحدث لي. وقد أُصبتُ بالغاز المسيل للدموع في مرات كثيرة. وفي إحدى المرات، تلقّيتُ الإسعاف الأولي في مستشفى ميداني، ولكني طلبت منهم عدم تسجيل بياناتي. ولو علم زوجي بهذا الأمر لمنعني من الذهاب مرة أخرى."
إتّفق جميع المشاركات والنساء اللواتي أُجرِيت المقابلات معهن على أن مقتل المعيل الأساسي يترك أثرًا مباشرًا وفوريًا على الظروف المعيشية التي تحياها أرملته وأطفاله. وبالنظر إلى الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية الراهنة في غزة، تُعَدّ الفرص المتاحة أمام النساء لسدّ فجوة الدخل ضئيلة. فخلال الربع الثالث من العام 2018، كان ما يقل عن 26 بالمائة من النساء يشاركن في القوى العاملة (بمعنى أنهن كُنّ يعملن أو يبحثن عن فرصة عمل) و78 بالمائة منهن كُنّ عاطلات عن العمل (مقابل 46 بالمائة من الرجال).
وفي ضوء العادات الإجتماعية الراهنة، يتوقع من والدَيْ الرجل القتيل أو إخوته أن يؤمِّنوا احتياجات أطفاله الأيتام، ولا سيما إذا كانت زوجته/والدتهن لا تملك مصدرًا يدرّ دخلًا عليها. وحسب الأعراف السائدة، فإن أسرة الزوج (دون أسرة الزوجة) هي التي تستحق الحصول على المستحقات الإجتماعية التي تدفعها السلطات أو مؤسسات المجتمع المدني عقب مقتل إبنها، وهو ما يُفضي بأرملته إلى فقدان زمام السيطرة على حياتها وعلى أطفالها. كما أشارت المشاركات في المجموعات البؤرية إلى أن معظم النساء يعانين من قلة المعرفة بحقوقهن ومن غياب الوعي بالمنظمات التي تقدّم الإستشارات والدعم لهن.
معدلات البطالة في الربع الثالث من العام 2018 في قطاع غزة، حسب الجنس
وحسب التقسيم الذي يمليه العرف السائد للأعمال المنزلية، تقع المسؤولية عن علاج الفرد المصاب في الأُسرة بصورة رئيسية على الأم أو الزوجة. وقد أجبر العدد الهائل للأشخاص المصابين منذ بداية مظاهرات مسيرة العودة الكبرى، وما اقترن به من انقطاع الكهرباء ونقص الأدوية والمعدات، المستشفيات على تسريح المرضى قبل أوان شفائهم ونقل المسؤولية عن علاجهم إلى أسرهم. وتقول إحدى المشاركات "إن هذا الأمر شاقّ ومرهِق للغاية، ويأتي على رأس عملنا المعتاد في البيت." وأضافت مشاركة أخرى القول إنها تقع في الحرج عندما تتسول الدواء لابنها بسبب الظروف الإقتصادية المتردية التي تعيشها أسرتها: "لقد أَطلِقت النار عليه وأصيبَ خلال مظاهرة وقال الأطباء إنه يتعين بتر رجله. ومع ذلك، فلم نتلقّ سوى 200 دولار وعُدنا أدراجنا إلى منزلنا. وقد أنقفتُ هذا المبلغ كله لشراء سرير وفرشة خاصة وأدوية. ولم يأتِ أحد يسأل عنّا بعد ذلك."
في سياق العنف الأسري الذي يحتل مستويات مرتفعة في الأصل، أفادت بعض المشاركات بأن النساء غالبًا مع يقعْن ضحية لسوء المعاملة النفسية والجسدية على يد أزواجهن، الذين يتهموهن بالمسؤولية عن إصابة أبنائهم أو بناتهم. وقالت إحدى المشاركات: "أُصيبت إبنتي في مظاهرة. وفي كل مرة يراها زوجي طريحة في الفراش أو تستخدم العكازات يقول لي إنها غلطتي وإن مستقبلها قد ضاع. وهذا يحدث كل يوم. وأنا وابنتي في حالة نفسية سيئة."
وتشير دراسة نشرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2017 إلى أن غياب الفرص الإقتصادية أمام المعيلين وأُسرهم تشكّل عوامل محورية في العنف القائم على النوع الإجتماعي في غزة. كما يرتبط الفقر بالإكتظاظ. فغالبًا ما تشير الناجيات من العنف إلى أن عيشهن مع الأسر الممتدة لأزواجهن يزيد من حدة إساءة معاملتهن. ومن جملة العوامل التي تتيح استمرار الأوضاع التي تشهد إساءة معاملة النساء أن من يرتكب العنف الأسري نادرًا ما تُفرض عليه العقوبات القانونية أو الجنائية أو الإجتماعية (إن هي فُرضت عليه أصلًا) جراء سلوكه؛ فلا يُعَدّ العنف ضد المرأة في سياق الزواج بمثابة جريمة بموجب القانون المدني وقانون الأسرة في قطاع غزة، وتُولي الأعراف الإجتماعية السائدة الأولوية للمحافظة على الزواج بصرف النظر عن التكلفة التي تتكبدها ضحاياه.
حسبما يَرِد في خطة الإستجابة الإنسانية للعام 2019، لا يزال تعميم مراعاة المنظور القائم على النوع الإجتماعي يمثّل أولوية لدى مجتمع العمل الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة. وتلتزم المنظمات الشريكة بتقديم الإستجابة التي تراعي الإحتياجات وأوجُه الضعف المتميزة لدى الأشخاص على اختلاف جنسهم وأعمارهم، وتتلاءم معها. ويؤكّد مؤشر جديد وأفضل للنوع الإجتماعي والسن، والذي سيجري تطبيقه بصورة كاملة في دورة التخطيط للعام 2019، على الإلتزام بتعميم مراعاة المنظور القائم على النوع الإجتماعي باعتباره وسيلة لضمان إعداد البرامج الإنسانية بأعلى مستوى من الجودة وعلى نحو يتوافق مع المعايير الدولية. ويعزز مؤشر النوع الإجتماعي والسن الأداة السابقة من خلال إدراج السن (إلى جانب النوع الإجتماعي)، وإضافة محور للرصد، وهو الأهم. وفضلًا عن قياس مدى فعالية البرامج، يمثل هذا المؤشر أداة قيِّمة للتعليم والرقابة الذاتية، حيث يتيح للمؤسسات أن تتعلّم عن طريق إعداد البرامج التي تستجيب للتنوع بجوانبه كافة. وفي العام 2019، ستواصل المجموعة الإنسانية المعنية بالنوع الإجتماعي، التي تشترك هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في رئاستها، العمل على ضمان تعميم مراعاة النوع الإجتماعي والسن في تحليل الإحتياجات الخاصة بالمجموعات، وإعداد الخطط اللازمة لتنفيذ أشكال الإستجابة وتنفيذها ورصدها.
خلال العام 2018، موَّل الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة أربعة مشاريع تتعامل مع العنف القائم على النوع الإجتماعي في قطاع غزة. وتنفّذ هذه المشاريع، التي تبلغ قيمتها 1.02 مليون دولار، أربع منظمات غير حكومية، اثنتان منها محليتان وأخريان دوليتان، لفترات تتراوح من سبعة أشهر إلى 11 شهرًا، بدءًا من شهر آذار/مارس 2018. وتستهدف هذه المشاريع أكثر من 23,000 مستفيدًا، 61 بالمائة منهم نساء، و16 بالمائة فتيات، و16 بالمائة رجال، و7 بالمائة فتيان. وتتقاطع المشاريع الأربعة في الهدف الذي يرمي إلى تعزيز وتقوية آليات توفير الحماية للنساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الإجتماعي أو اللواتي لحِق بهن الضرر بسبب العنف من خلال تقديم أشكال الإستجابة المناسبة لاحتياجاتهن النفسية والصحية. ويمثّل الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة صندوقًا مشتركًا يتولى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إدارته بالنيابة عن المنسق الإنساني. وفي العام 2018، رصد الصندوق ما مجموعه 21.2 مليون دولار من المساهمات التي قدّمتها عشر دول أعضاء لدعم 52 مشروعًا في مختلف أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية.