على مدى العقد المنصرم، كانت غزة تعاني من عجز مزمن في إمدادات الكهرباء، مما خلّف آثارًا وخيمة على الخدمات الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي وقوّض الظروف المعيشية الهشة في الأصل. وقد طرأ المزيد من التدهور على هذا الوضع عقب شهر نيسان/أبريل 2017 بسبب الخلافات التي نشبت بين سلطات الأمر الواقع في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، وهي خلافات كانت قائمةً منذ استيلاء حركة حماس على مقاليد السلطة في غزة في العام 2007. وقد دفع الإخفاق في إيجاد حلّ لخلاف طويل الأمد بين سلطتين فلسطينيتين حول قضايا تتعلق بإعفاء الوقود من الضريبة وجباية الإيرادات من مستهلكي الكهرباء بالسلطة الفلسطينية إلى تقليص المدفوعات التي كانت ترصدها للكهرباء في غزة. وأدى هذا الوضع، الذي زاد من تفاقمه وقف إمدادات الكهرباء من مصر بسبب تعطُّل خطوط التغذية والعجز عن إصلاحها، إلى انقطاع الكهرباء لفترة تتراوح من 20 إلى 22 ساعة في اليوم.[1] ولقد سبب نقص إمدادات الكهرباء آثارًا حادة على الخدمات الأساسية، كخدمات الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي، وقوّض الإقتصاد الهش في غزة، ولا سيما قطاعات الصناعة التحويلية والزراعة. وخلال هذه الفترة، عملت الأمم المتحدة على تنسيق توريد وقود الطوارئ الذي تموّله الجهات المانحة لتشغيل المولدات وضمان عمل ما يقرب من 250 منشأة حيوية من المنشآت الصحية ومنشآت المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.
ولا تزال كميات إضافية من الوقود متوفرة لدى محطة غزة لتوليد الكهرباء منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 بعد أن قدّمت حكومة قطر تمويلًا قدره 60 مليون دولار. وقد يسّر هذا الأمر زيادة إمدادات الكهرباء لفترة تتراوح من 14 ساعة إلى 15 ساعة في اليوم مقابل فترة كانت تقلّ عن سبع ساعات في السابق، حسبما يبيّنه الرسم البياني أدناه. وأدّت زيادة إمدادات الكهرباء إلى تحسُّن عام في الظروف المعيشية المتفاقمة في غزة. كما تراجعت نسبة إنفاق الأسر ومشاريع الأعمال على الوقود من أجل تشغيل المولدات الإحتياطية، وشهد تقديم الخدمات الأساسية وخدمات المياه والصرف الصحي تحسّنًا أيضًا. وإضافة إلى ذلك، أسهمت هذه الزيادة في تقليص الحاجة إلى إمدادات وقود الطوارئ التي كانت الأمم المتحدة تؤمّنها للحيلولة دون انهيار الخدمات الأساسية.
وبناءً على التمويل القطري، كان من المتوقع أن تواصل محطة غزة لتوليد الكهرباء عملها بهذه الوتيرة المرتفعة حتى شهر نيسان/أبريل 2019. ولكن حكومة قطر تعهدت في شهر أيار/مايو 2019 بتقديم تمويل إضافي قدره 180 مليون دولار لتأمين "الدعم الإغاثي والإنساني العاجل بالإضافة إلى دعم برامج الأمم المتحدة في فلسطين ودعم خدمات الكهرباء"[2], وهو ما يتيح للأمم المتحدة أن تقدّم الوقود لمحطة غزة لتوليد الكهرباء حتى نهاية العام 2019.[3]
وعلى الرغم من إمدادات الوقود الإضافية منذ نهاية العام 2018، لم تفِ إمدادات الكهرباء التي يزوّدها الخط الإسرائيلي ومحطة غزة لتوليد الكهرباء معًا إلا بما يقلّ عن نصف الطلب على الكهرباء في غزة خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2019.[4] وإضافة إلى ذلك، فقد يقع توريد الوقود تحت تأثير الوضع الأمني في غزة، ولا تزال الخدمات الأساسية معرّضة للخطر. وقد برز أحدث الأمثلة على ذلك في يوم 25 حزيران/يونيو، عندما تسبّبت البالونات الحارقة التي أُطلقت من غزة في اندلاع 13 حريقًا جنوبيّ إسرائيل، حيث علّقت السلطات الإسرائيلية في أعقاب هذه الحادثة توريد الوقود إلى محطة غزة لتوليد الكهرباء بين يوميْ 25 و29 حزيران/يونيو.[5]
يعطّل انقطاع الكهرباء عمل المنشآت الصحية والمستشفيات، ويقوّض الخدمات الأساسية، بما فيها خدمات العناية المركزة وغسيل الكلى، ويُلحِق الضرر بغرف العمليات وبتخزين الأدوية واللقاحات. وفي شهر شباط/فبراير 2019، زوّدت شركة توزيع كهرباء محافظات غزة، وبالإتفاق مع وزارة الصحة، تسعة من أصل 14 مستشفًى عامًا في غزة بكميات إضافية من الكهرباء من الشبكة الرئيسية عبر خطوط كهرباء إضافية. وشهد إمدادات الكهرباء المتاحة في هذه المستشفيات التسعة ارتفاعًا ملحوظًا من المتوسط الذي كان يبلغ 13 ساعة في اليوم على مدى الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2019 إلى 22 ساعة في اليوم في شهريْ نيسان/أبريل وأيار/مايو.
ويُعَدّ التحسن الذي طرأ على إمدادات الكهرباء أساسيًا لضمان استدامة الخدمات المنقذة للحياة. ومع ذلك، فمايزال القطاع الصحي في غزة يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوقود لتشغيل المولدات الإحتياطية في أوقات انقطاع الكهرباء. ولتقليص الإعتماد على تبرعات الوقود وتعزيز قدرة القطاع الصحي على الصمود، تعمل منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الشريكة الأخرى في مجموعة الصحة على تزويد المستشفيات العامة الرئيسية بمصادر بديلة للطاقة.
وفي يوم 17 حزيران/يونيو 2019، دشّنت منظمة الصحة العالمية والمنظمات الشريكة المنفِّذة محطة جديدة للطاقة الشمسية في مستشفى ناصر، وهو أحد المستشفيات الرئيسية في قطاع غزة ويقدّم خدماته لنحو 27,000 مريض في الشهر. وتؤمّن محطة الطاقة الشمسية، التي موّلتها حكومة اليابان وتبلغ قدرتها 250 كيلوواط، 420 ميغاواط/ساعة من الطاقة النظيفة على مدار العام ويُتوقع أن توفّر ما يقرب من 166,000 لتر من الوقود. وقد جرى تنسيق تنفيذ المشروع مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والبنك الدولي، الذي التزم أيضًا بدعم إمداد مستشفى ناصر بالكهرباء من الطاقة الشمسية. ومن المقرّر أن تغطي هذه الجهود المشتركة نحو 17 بالمائة من احتياجات المستشفى من الكهرباء.
ومن شأن الكهرباء التي تولّدها ألواح الطاقة الشمسية أن تقلّص الإعتماد على مولدات الطوارئ وتبرعات الوقود إلى حدّ كبير. ومن شأنها كذلك أن تعزّز قدرة النظام الصحي على الصمود أمام الصدمات التي يواجهها في المستقبل. وبفضل هذا التدخل، غدا نحو 19,000 مريض في الشهر يملكون القدرة على الحصول على الخدمات الصحية المنقذة للحياة وتلك اللازمة للبقاء على قيد الحياة. ومن بين هؤلاء المرضى نحو 12,300 امرأة يحضُرن إلى أقسام الطوارئ، و136 مريضًا يحتاجون إلى غسيل الكلى، وأكثر من 158 طفل من حديثي الولادة في وحدات الرعاية المركزة. ومع ذلك، تقتضي الضرورة اعتماد نهج شامل لضمان إمدادات الطاقة المستدامة وضخ المزيد من الاستثمارات في تحديث البنية التحتية لإمدادات الكهرباء في غزة لضمان كفاءة المستشفيات والقطاع الصحي بعمومه في مجال الطاقة.[6]
ويقول الدكتور جيرالد روكينشاوب، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة، إن "انقطاع إمدادات الكهرباء يفرض تحديًا هائلًا أمام القطاع الصحي في غزة، حيث يعرّض حياة أكثر المرضى ضعفًا للخطر. ويشكّل إمداد مستشفى ناصر بالكهرباء من الطاقة الشمسية خطوة مهمة على صعيد ضمان تزويد المنشآت الصحية بإمدادات الكهرباء التي تتّسم بقدر أكبر من الاستدامة. ونُعرِب عن امتناننا لحكومة اليابان التي موّلت هذه المبادرة التي تسهم أيضًا في بناء نظام صحي يتمتع بقدرة أكبر على الصمود وفي تعزيز الاستدامة البيئية في غزة."
دشّن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحكومة اليابان، بالشراكة مع وزارة الصحة وسلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي، مشروع نظام الطاقة الشمسية في شهر أيار/مايو 2019. واستهدف هذا المشروع مختبرات الرعاية الصحية في أربعة مستشفيات، هي: مستشفى بيت حانون في شمال غزة، ومستشفى الهلال الإماراتي في رفح، ومستشفى النجار في خانيونس، ومستشفى شهداء الأقصى في المنطقة الوسطى.
ومن المقرّر أن يحسّن هذا المشروع، الذي بلغت تكلفته 500,000 دولار، إمكانية حصول ما يربو على 470,000 فلسطيني في غزة على خدمات الرعاية الصحية من خلال توليد 85 كيلوواط من إمدادات الكهرباء المستدامة لأربعة مختبرات. وهذا يعادل توفير ما نسبته 50 بالمائة من استهلاك الكهرباء. كما جرى استبدال 540 مصباحًا فلوريًا بمصابيح الدايود المبتعث للضوء.[7]
"يشكّل انقطاع الكهرباء مشكلة هائلة بالنسبة لنا. وكانت المعدات الطبية تتعطّل دائمًا، وليس لدينا سوى مهندس واحد دوره وقائي بحت. ولم يكن في مقدورنا أن نتحمّل تكلفة أجهزة جديدة، وهذه تعطّلت في نهاية المطاف بسبب مشكلة الكهرباء. كما عانينا من نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات الإحتياطية وبطاريات الإمداد المتواصل بالطاقة. وفي إحدى المناسبات، أُدخل طفل إلى المستشفى بعد أن سقط عن بناية. وكانت الكهرباء مقطوعة ولم يشتغل المولّد. ولذلك، اضطُررنا إلى استعمال الأضواء على هواتفنا النقالة لإجراء تنفس صناعي له وإنقاذ حياته.
"ولحسن الحظ، طرأ تحسن ملحوظ على إمدادات الكهرباء على مدى الشهور القليلة الماضية، حيث تصلنا الكهرباء على مدار 20 ساعة من الشبكة. ويفيد أفراد الطاقم الطبي بأن المعدات باتت تتعطل بوتيرة أقل من السابق، وهم يشعرون بضغط أقل من التشويش الذي يمسّ عملهم، حيث كانوا يُضطَرون إلى تأجيل العمليات الجراحية، ومن الآثار السلبية العامة على جودة الرعاية التي يقدّمونها."
وعلى الرغم من كفاءة هذا المشروع، فلا يمكن تشغيل جميع المعدات الطبية من خلال نظام الطاقة الشمسية. فوفقًا لصبحي قشطة، رئيس وحدة الهندسة والصيانة في المستشفى: "تبلغ احتياجاتنا الكلية من الكهرباء نحو 1,800 أمبير، وكنّا نشهد انقطاع الكهرباء لفترة تصل إلى 20 ساعة. ويؤمّن نظام الطاقة الشمسية الجديد نحو 350 أمبير. وتكمن أهمية هذا المشروع في أنه يقلّص من مستوى اعتمادنا على الوقود ويقلّل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ناهيك عن تكلفة الوقود وصيانة المولّد."
[1] كما تعطّل تشغيل المحطة، خلال الأعوام السابقة، بعد أن توقّف تهريب الوقود الذي تدعمه الحكومة المصرية عبر الأنفاق بعد العام 2013، وبسبب جباية مبالغ محدودة من الدفعات المستحقة على المستهلكين، وتدمير صهاريج تخزين الوقود في غارة إسرائيلية استهدفتها في شهر تموز/يوليو 2014، والقيود المفروضة على استيراد قطع الغيار، والمعدات والوقود في ظل الحصار الإسرائيلي.
[2] سمو الأمير يوجه بتخصيص ٤٨٠ مليون دولار دعما للشعب الفلسطيني، 6 أيار/مايو 2019.
[3] Nickolay Mladenov Special Coordinator for the Middle East Peace Process Briefing to the Security Council on the situation in the Middle East, 22 May 2019
[5] Israel Blocks Fuel Deliveries to Gaza Power Plant, 25 June 2019
[6] انظر report to the Ad Hoc Liaison Committee 30 April 2019
[7] With Funds from the Government of Japan - UNDP Inaugurates Renewable Energy for All Project in Gaza, 30 May 2019