منذ مطلع العام 2018، لا تزال السلطات الإسرائيلية، وحماس بدرجة أقل، تفرض تدابير مختلفة أسهمت في تشديد القيود على دخول العاملين الفلسطينيين في المجال الإنساني إلى قطاع غزة وخروجهم منه بحجة المخاوف الأمنية. وقد أسفرت هذه التدابير، مجتمعةً، عن استفحال حالة إنعدام اليقين وزيادة حالات التأخير والعقبات اللوجستية التي تقف في طريق المنظمات العاملة في المجال الإنساني وعرقلة عملياتها وتراجُع نوعية الخدمات التي تقدّمها.
يمثّل الشرط الذي يقتضي الحصول على التصاريح التي تصدرها السلطات الإسرائيلية تحدّيًا طويل الأمد أمام الموظفين المحليين العاملين لدى المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في قطاع غزة. فمنذ مطلع العام 2018، مايزال عدد هؤلاء الموظفين الذين مُنعوا من إعادة تقديم طلبات للحصول على تصاريح لفترة تبلغ عامًا كاملًا يشهد زيادة مطّردة، حيث يُعدّ هذا الإجراء شرطًا يُفرض على العاملين المحليين بعد رفض الطلبات التي قدّموها أول مرة للحصول على تصاريح تيسّر لهم الوصول إلى القدس الشرقية وبقية أنحاء الضفة الغربية، بحجة الدواعي الأمنية. وقد تعرّض نحو 40 موظفًا محليًا من موظفي الأمم المتحدة للمنع من السفر في العام 2017. وارتفع هذا العدد ليطال 140 موظفًا آخر من موظفي الأمم المتحدة و73 من العاملين لدى المنظمات غير الحكومية الدولية بحلول نهاية العام 2018. وبدءًا من شهر حزيران/يونيو 2019، مُنع 150 موظفًا من موظفي الأمم المتحدة و111 موظفًا آخر من موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية من تقديم طلبات التصاريح على مدى عام بأكمله. ونتيجةً لذلك، يُمنع نحو نصف الموظفين المحليين الذي يعملون لدى الأمم المتحدة في غزة، باستثناء موظفي وكالة الأونروا، فعليًا من تنفيذ أي مهمة خارج غزة لمدة عام كامل. وعلى الرغم من منع بعض موظفي وكالة الأونروا من السفر، فإن غالبية موظفيها المحليين في غزة، والذين يقارب عددهم 11,000 موظفًا، يعملون في قطاعيْ التعليم والصحة، اللذين لا يتطلبان منهم مغادرة غزة على أساس منتظم.
وتشترط السلطات الإسرائيلية على الموظفين المحليين تقديم طلبات التصاريح التي يحتاجون إليها لمغادرة غزة إلى إسرائيل والضفة الغربية قبل 55 يوم عمل من تاريخ مغادرتهم، وذلك بالمقارنة مع المدة التي كانت تبلغ 14 يومًا خلال العام 2017. ويصل الوقت الرسمي المطلوب لدراسة الطلب الذي يقدَّم للحصول على تصريح ليوم واحد للسفر إلى الأردن عبر إسرائيل إلى 70 يومًا. وعلى الرغم من أن بعض الموظفين المحليين الذين يُحظر عليهم السفر إلى الضفة الغربية يستطيعون تقديم الطلبات للحصول على تصريح لغايات المرور إلى الأردن، تفيد التقارير بأن آخرين لا يزالون محرومين من هذا الخيار لأسباب أمنية، أو لأن الأسباب التي تقف وراء سفرهم إلى الخارج لا تستوفي المعايير التقييدية التي تفرضها السلطات الإسرائيلية.
ويسبّب الوقت الطويل اللازم لدراسة طلبات التصاريح منذ العام 2017، وما يقترن به من زيادة عدد الموظفين المحليين الذين يُحظر عليهم إعادة تقديم الطلبات على مدى عام كامل، تحديات تخطيطية ولوجستية. ومن جملة هذه التحديات عجز كبار الموظفين المحليين عن حضور اجتماعات المانحين في القدس الشرقية أو بقية أنحاء الضفة الغربية، مما يتسبّب في تقويض مساعي جمع التبرعات التي لا يُستغنى عنها. وليس في وسع كبار الموظفين الذين يديرون برامج في غزة والضفة الغربية معًا متابعة البرامج التي تنفَّذ في الضفة الغربية لضمان اتّساقها من حيث النوعية. ولا يستطيع الموظفون الذين يقع مقر عملهم في غزة أن يشاركوا في الدورات التدريبية التي تُعقد في الضفة الغربية، مما يقوّض الإمكانيات المتاحة أمام المنظمات لبناء قدراتها، بما يشمل قدرات الموظفين الذين يقدّمون الدعم الصحي المباشر في غزة. وإضافة إلى ذلك، تتسبّب هذه القيود في تقويض المساعي التي تُعنى بضمان الوفاء بمعايير محددة تضعها الأمم المتحدة، على الوجه الذي يطلبه المانحون والسلطات الإسرائيلية. ويهدّد فرض هذه التدابير لفترة طويلة بتردّي نوعية الخدمات التي تقدّمها الوكالات العاملة في المجال الإنساني.
لا تزال التدابير الأمنية المحسّنة التي طبّقتها السلطات الإسرائيلية في أواخر شهر آذار/مارس 2018 على مسرب المركبات على حاجز إيرز قائمة. وتشمل هذا التدابير تفتيش مركبات الأمم المتحدة والسيارات الدبلوماسية بفتح جميع أبوابها وتفتيشها بواسطة الكلاب البوليسية، وإنزال المقتنيات الخاصة بالأمم المتحدة منها ومسحها وتفتيشها. ولا تتماشى هذه التدابير مع اتفاقية إمتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها لسنة 1946، التي تُعدّ إسرائيل طرفًا فيها دون تحفظات. وقد وافقت السلطات الإسرائيلية على إعفاء الحقائب الدبلوماسية وبعض المقتنيات الأخرى التابعة للأمم المتحدة، بما فيها معدات السلامة والمركبات، من إجراءات التفتيش. ومع ذلك، يتواصل تفتيش المركبات وارتكاب عدد من المخالفات الأخرى. وتتذرّع السلطات الإسرائيلية بالمخاوف الأمنية وتسوقها سببًا لإنفاذ التدابير المذكورة. ومن جملة هذه المخاوف الزيادة التي شهدتها المساعي التي تهدف إلى تهريب المواد المحظورة، بما فيها الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج. ففي شهر آذار/مارس 2018، اعتُقل سائق كان يعمل لدى القنصلية الفرنسية على معبر إيرز وخضع للمحاكمة بسبب محاولته تهريب أسلحة تحت غطاء دبلوماسي.
ومنذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، حصرت السلطات الإسرائيلية الموظفين المؤهّلين لقيادة المركبات عبر معبر إيرز في حمَلة البطاقات السارية المفعول التي تصدرها وزارة الشؤون الخارجية، كما قصَرت الموظفين الدبلوماسيين الذين يستطيعون المرور عبر مسرب المركبات على أولئك الذين يحملون جوازات سفر دبلوماسية، مع استبعاد الموظفين الذين يحملون جوازات سفر محلية وتأشيرات دبلوماسية.
منذ شهر آب/أغسطس 2017، لا تزال قيود إضافية تُفرض على المواد التي يُسمح لجميع الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، بمن فيهم الموظفون المحليون العاملون لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، بحملها معهم عبر مسرب المشاة على معبر إيرز. وتشمل هذه القيود منع حمل الحقائب المدعَّمة (الحقائب ذات العجلات أو ذات الإطارات)، ومستلزمات النظافة، والحواسيب المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. وفي حين يُسمح بحمل الهواتف المحمولة، يُفرض حظر على شواحن هذه الهواتف. وتثير القيود المفروضة على الحواسيب المحمولة والأجهزة الإلكترونية تحديات بوجه خاص أمام كبار الموظفين الذين يشاركون في أعمال متابعة الشؤون المالية وتكنولوجيا المعلومات والبرامج في غزة، حيث يتعين عليهم أن يجدوا أجهزة بديلة للعمل عليها بعد أن يصلوا إلى وجهتهم.
خلال العام المنصرم، أعادت حماس تثبيت وجودها بالقرب من معبر إيرز في غزة، وهو إجراء سوّغته باعتباره تدبيرًا أمنيًا مؤقتًا في بادئ الأمر. وفي شهر آذار/مارس 2018، أعادت حماس فرض الإجراءات والقيود التي علّقت العمل بها عقب إبرام اتفاقية المصالحة بينها وبين حركة فتح، والتي وُقِّعت في القاهرة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017. وفي هذه الآونة، تشترط حماس على موظفي المنظمات الدولية التسجيل عند دخولهم إلى غزة وخروجهم منها، وتفرض القيود على استخدام المركبات التابعة للمنظمات غير الحكومية الدولية وتتسبّب في تأخير الموظفين بين الحين والآخر بسبب إستجوابهم، ولا سيما أولئك المسافرين إلى الخارج أو العاملين لدى المنظمات غير الحكومية الدولية. كما منعت حماس الوصول إلى معبر إيرز لمدة ستة أيام خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018 بعد وقوع حادث أمني. وإضافة إلى ذلك، تمنع حماس الوكالات الإنسانية في بعض الحالات من الوصول إلى مناطق معينة بالقرب من السياج الحدودي داخل قطاع غزة.
تعدّ مؤسسة "إنقاذ الطفل" إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية التي تضررت بسبب تشديد القيود على الوصول إلى قطاع غزة والخروج منه. وتصل الإستجابة التي تقدّمها المؤسسة، في هذه الآونة، إلى 123,500 شخص، بمن فيهم 90,510 أطفال. وتستدعي هذه الإستجابة من الموظفين، ومن بينهم الموظفون الإداريون، الوصول إلى نقاط تقديم الاستجابة في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة لغايات تأمين فرص التدريب والتعلّم، وممارسة قدر وافٍ من الرقابة، وإنجاز أعمال المتابعة والتقييم، وضمان المساءلة أمام الجهات المستفيدة.
وفي هذه الآونة، يُفرض حظر أمني مدته عام كامل على أكثر من نصف الموظفين العاملين لدى مؤسسة "إنفاذ الطفل"، بمن فيهم الموظفون الذين مُنحوا تصاريح في السابق. ومنعت السلطات الإسرائيلية مشاركة موظفي غزة في اجتماع عُقد في الأردن في شهر نيسان/أبريل 2019، على الرغم من التأكيدات الأولية التي صدرت بشأن تنسيق مشاركتهم. وبسبب ذلك، اضطُرت منظمة "إنقاذ الطفل" إلى دفع رسوم إلغاء مشاركة هؤلاء الموظفين في الإجتماع المذكور. ولم يكن في وُسع موظفي المؤسسة في غزة أن يشاركوا في الاجتمعات السنوية التي أقامتها المؤشسسة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. وتخلّف هذه القيود المشددة آثارًا نفسية ومالية وإدارية وتتسبب في تقويض قدرة المؤسسة على تقديم المساعدة للأطفال على نحو فعال.