على مدى الشهور القليلة الماضية، شددت السلطات الإسرائيلية بحجة المخاوف الأمنية، وحماس بدرجة أقل، القيود على تنقّل العاملين الفلسطينيين في المجال الإنساني من قطاع غزة. وتشمل التدابير التي نفذتها السلطات الإسرائيلية تمديد الوقت اللازم لدراسة طلبات تصاريح المغادرة، وزيادة نسبة رفض إصدارها وفرض المنع من السفر لمدة سنة، وفرض القيود على أنواع المواد التي يُسمح بأخذها من غزة وتنفيذ إجراءات جديدة على العبور على مسارب المركبات. وأقامت سلطات حماس نقطة تسجيل جديدة على مدخل غزة. وقد سبّبت هذه التدابير في تزايد حدّة حالة عدم اليقين وحالات التأخير والعقبات اللوجستية، كما لها أثرًا سلبيًا على العمليات الإنسانية. وتواصل الأمم المتحدة إجراء المفاوضات مع الجهات الفاعلة ذات الصلة في إسرائيل وغزة للتخفيف من وطأة هذه التحديات.
لقد شكّلت التصاريح التي تصدرها إسرائيل تحديًا رئيسياً أمام الموظفين العاملين في المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في غزة. فعلى مدى الشهور الإثني عشر الماضية، طرأت زيادة كبيرة على الوقت اللازم لدراسة طلبات التصاريح لمغادرة غزة إلى إسرائيل والضفة الغربية من 14 يومًا إلى 55 يومًا. ويصل الوقت المطلوب لدراسة الطلبات التي تقدَّم للحصول على تصريح ليوم واحد للسفر إلى الأردن عبر إسرائيل إلى 70 يومًا. وعدا عن هذا الاتجاه السلبي، فقد جرى تمديد فترة الفحص الأمني الضروري للحصول على التصاريح التي تحظى بالموافقة من ستة أشهر إلى تسعة أشهر.
وخلال العام 2018، طرأ إرتفاع غير مسبوق على عدد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية الذين مُنعوا من إعادة تقديم طلبات للحصول على تصاريح لفترة تبلغ عامًا كاملًا بعد رفض الطلبات التي قدموها أول مرة. وقد تعرّض نحو 40 موظفًا محليًا من موظفي الأمم المتحدة للمنع من السفر في العام 2017. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام 2018، مُنع 70 موظفًا آخر من موظفي الأمم المتحدة وعدد مماثل من موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية من السفر، مما يحول فعليًا بين هؤلاء الموظفين وبين تنفيذ أي مهمة خارج غزة لمدة عام كامل. ونتيجة للطلبات التي قدمتها الأمم المتحدة للسلطات الإسرائيلية، رُفع المنع عن 15 موظفًا من موظفي الأمم المتحدة وثلاثة من طواقم المنظمات غير الحكومية الدولية في وقت لاحق. وتعدّ هذه الإجراءات تعسفية لأن السبب الذي يقف وراء فرض هذا المنع أو رفعه نادرًا ما يجري الإفصاح عنه. وفي وقت كتابة هذه النشرة، يُمنع ما مجموعه 82 موظفًا من كادر الأمم المتحدة و67 من طواقم المنظمات غير الحكومية الدولية من إعادة تقديم طلبات لمغادرة غزة.
ويسبب تمديد الوقت اللازم لدراسة طلبات التصاريح وإرتفاع نسبة المنع من السفر تحديات تخطيطية ولوجستية، بما تشمله من عجز كبار الموظفين المحليين عن حضور إجتماعات المانحين في القدس الشرقية أو بقية أنحاء الضفة الغربية، مما يتسبب في تقويض مساعي جمع التبرعات التي لا يُستغنى عنها.
منذ شهر آب/أغسطس 2017، فرضت السلطات على معبر إيرز قيودًا جديدة على المواد التي يُسمح للفلسطينيين، بمن فيهم الموظفون المحليون العاملون لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، بحملها معهم عندما يغادرون المعبر عبر ممر المشاة. وتشمل هذه القيود منع حمل الحقائب المدعَّمة (الحقائب ذات العجلات أو ذات الإطارات)، ومستلزمات النظافة، والحواسيب المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، بإستثناء الهواتف المحمولة.
وتشكّل القيود المفروضة على الحواسيب المحمولة والأجهزة الإلكترونية مشكلة على نحو خاص وتسبب تحديات لوجستية، ولا سيما بالنسبة لكبار الموظفين الذين يشاركون في أعمال متابعة الشؤون المالية وتكنولوجيا المعلومات والبرامج، حيث يتعين عليهم أن يجدوا أجهزة بديلة للعمل عليها بعد أن يصلوا إلى وجهتهم.
تسببت التدابير الأمنية الجديدة التي فرضتها السلطات الإسرائيلية في أواخر شهر آذار/مارس 2018 على مسارب المركبات على حاجز إيرز في زيادة التأخير وأوقات الإنتظار. وتشمل هذا التدابير تفتيش مركبات الأمم المتحدة والسيارات الدبلوماسية بفتح جميع أبوابها وتفتيشها بواسطة الكلاب البوليسية، وإنزال المقتنيات الخاصة بالأمم المتحدة منها ومسحها وتفتيشها، وإستخدام جهاز مسح الأجسام بالأشعة السينية.
وتخالف هذه التدابير بروتوكولًا جرى الإتفاق عليه في العام 2016، كما إنها لا تتماشى في جانب كبير منها مع إتفاقية إمتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها لسنة 1946، التي تُعد إسرائيل طرفًا فيها دون تحفظات.
وقد سمحت السلطات الإسرائيلية، في أعقاب المفاوضات التي أُجريت معها، على السماح للحقائب الدبلوماسية الموسومة بوسم الأمم المتحدة بالصورة الملائمة بمغادرة غزة دون إنزالها من مركبات الأمم المتحدة أو إخضاعها للفحص بالأشعة السينية أو التفتيش. وتواصل الأمم المتحدة إجراء المفاوضات بشأن الإجراءات الإشكالية الأخرى.
حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، كانت حماس تقيم حاجزًا على الطريق المؤدي إلى معبر إيرز (والذي كان يُعرف باسم حاجز أربع- أربع)، حيث كان الأفراد المتمركزون عليه يوقفون الأشخاص ويفتشونهم عند دخولهم إلى غزة أو مغادرتهم منها. وفي أعقاب إتفاق المصالحة بين فتح وحماس، نُقلت إدارة هذا الحاجز إلى السلطة الفلسطينية للسماح بتيسير التنقل إلى غزة ومنها.
وخلال الشهور القليلة الماضية، عادت حماس إلى هذه المنطقة وأقامت حاجزًا جديدًا إلى الجنوب من حاجز أربع-أربع، وعملت بالتدريج على إعادة فرض الإجراءات والقيود التي كانت تنفذها قبل شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017. وفي هذه الآونة، تشترط حماس على موظفي المنظمات الدولية التسجيل قبل الدخول إلى غزة أو في وقته، وتفرض القيود على إستخدام المركبات التابعة للمنظمات غير الحكومية الدولية وتستجوب موظفيها بين الفينة والأخرى. ومما يزيد من حدة هذه التحديات غياب الوضوح عن تلك الإشتراطات والإجراءات، التي تسبب حالة من إنعدام الثقة.