في ثمانينات القرن الماضي، صنفت السلطات الإسرائيلية جزءًا من مَسافر يطّا جنوب جبل الخليل باعتبارها «منطقة إطلاق النار »918 ، وهي عبارة عن منطقة عسكرية مغلقة. ومنذ هذا لإعلان، يتعرض السكان لخطر الإخلاء القسري والهدم والترحيل القسري. وما عاد لقريتيْ خربة صارورة وخروبة وجود بعد هدم المنازل فيهما.
صُنف نحو 20 بالمائة من أراضي الضفة الغربية على أنها «مناطق إطلاق نار »، مما يُلحق الضرر بأكثر من 5,000 فلسطيني يقطنون في 38 تجمعًا سكانيًا.
تسكن 215 أسرة فلسطينية تضم نحو 1,150 فردًا، من بينهم 569 طفلًًا، في منطقة مسافر يطا في هذه الآونة.
في العام 1999، أصدرت الحكومة الإسرائيلية أوامر بإخلاء نحو 700 فلسطيني من سكان مسافر يطا بسبب «السكن في منطقة إطلاق نار بصورة غير قانونية ». ونتيجةً لذلك، أخلى الجيش الإسرائيلي معظم هؤلاء الفلسطينيين بالقوة ودمر منازلهم وممتلكاتهم أو صادرها. وقد تعارض هذا الإخلاء مع أمر عسكري إسرائيلي قائم كان ينص على عدم سريان القيود المتعلقة
بمنطقة إطلاق النار على السكان الحاليين في المنطقة.[1]
وبعد ذلك بعدة أشهر، أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أمرًا مؤقتًا، استجابةً لالتماس رفعه سكان المنطقة، وسمحت بموجبه لمعظمهم بالعودة ريثما يصدر قرار نهائي عن المحكمة. ولكن جود أوامر الإخلاء ترك هؤلاء السكان يعيشون في ظل التهديد المستمر بتدمير ممتلكاتهم وخطر ترحيلهم قسرًا عن مناطق سكناهم.
وفي التماس رُفع إلى محكمة العدل العليا في العام 2012 ، أعاد الجيش الإسرائيلي تأكيد حقه في إخلاء ثماني تجمعات من أصل 13 تجمعًا سكانيًا من المنطقة، مع إتاحة الإمكانية لهم للوصول إلى أراضيهم لزراعتها والرعي فيها في أيام نهاية الأسبوع وخلال العطلات اليهودية دون غيرها. وتحّدت منظمات العمل القانوني والمساعدات الإنسانية والمناصرة هذا القرار وقدمت الحماية المؤقتة من الإخلاء القسري للسكان الفلسطينيين في مسافر يطا.
وفي جلسة عقدتها المحكمة في آب/أغسطس 2020، دفعت السلطات الإسرائيلية بأن أبناء التجمعات الفلسطينية لم يكونوا يسكنون في المنطقة عندما أُعلن عنها منطقة إطلاق نار، وأنهم بحكم ذلك لا يملكون الحق في مواصلة السكن في منازلهم فيها.
وفي تموز/يوليو 2020، قُدم للمحكمة محضر جلسة محاكمة عُقدت في العام 1981 ، حيث وجهت وزارة الزراعة بموجبه تعليماتها للقوات الإسرائيلية بإقامة مناطق إطلاق نار في المنطقة لتهجير سكانها الفلسطينيين.[2]
وبالتوازي مع ذلك، لا تزال التجمعات السكانية في مسافر يطا تتعرض لعدة موجات من عمليات الهدم وأوامر الهدم منذ العام 1999 ، بما فيها القرى الواقعة خارج منطقة إطلاق النار.[3]
وفي 4 أيار/مايو 2022، قضت محكمة العدل العليا بأنه ليس ثمة عقبات قانونية تحول دون تنفيذ الخطط الرامية إلى طرد السكان الفلسطينيين من مسافر يطا لإتاحة المجال أمام إجراء التدريبات العسكرية،[4] وهو ما يعرضهم فعليًا لخطر الإخلاء القسري والتهجير التعسفي والترحيل القسري الوشيك.
ومنذ صدور قرار المحكمة في 4 أيار/مايو، لا تزال السلطات الإسرائيلية تزيد من حدة البيئة القسرية التي تفرضها على الفلسطينيين في مسافر يطا.
18 أيار/مايو: أصدرت القوات الإسرائيلية أمرًا عسكريًا بمصادرة الأراضي لشق طريق من مسربين لتسيير دورياتها في "منطقة إطلاق النار".
11 أيار/مايو و 1 حزيران/يونيو 2022: هُدمت منازل العشرات من الفلسطينيين في خربة الفخيت والمركز. وبالنسبة لبعض هؤلاء، شكّل الهدم الذي نُفذ في 1 حزيران/يونيو المرة الثالثة التي فقدوا فيها منازلهم خلال فترة تقل عن سنة.
7 حزيران/يونيو: أصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر بهدم المنازل السبعة ومعظم المباني التي يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم في خربة التبان.
10 حزيران/يونيو: طافت القوات الإسرائيلية على المنازل واحدًا واحدًا في معظم التجمعات السكانية لتصوير وجوه سكانها وبطاقات هوياتهم، مما أثار خوفهم من تزايد القيود المفروضة على تنقلهم.
16 حزيران/يونيو: صدر المزيد من أوامر الهدم التي طالت 20 مبنًى في خلة الضبع بعد يوم من الإعلان عن إجراء تدريب عسكري في المنطقة.
20 حزيران/يونيو: سلمت القوات الإسرائيلية إعلانًا للمحامين في مسافر يطا، حيث أشارت فيه إلى أن التدريب العسكري سيستمر لمدة أربعة أسابيع.
21 حزيران/يونيو: بدأ تدريب عسكري بعدما وضع الجيش أهدافًا قرب المناطق المأهولة بالسكان في مسافر يطا. ومنذ بدء هذا التدريب العسكري، فرضت القوات الإسرائيلية المزيد من القيود على تنقل أبناء التجمع السكاني حتى في الأيام التي لا يجري فيها ذلك التدريب.
يُعدّ سكان مسافر يطا من بين أكثر السكان ضعفًا في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية بسبب نظام التخطيط التقييدي القائم على التمييز. فقد أصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر الهدم أو «وقف العمل » التي طالت معظم المنازل وحظائر المواشي وخزانات المياه والبنية التحتية في التجمعات السكانية بحجة بنائها دون الحصول على رخص البناء، التي يعد الحصول عليها أمرًا من ضرب المستحيل، مما عطل تطوير السكن اللائق والبنية التحتية وسبل العيش فيها.
يعيش أبناء التجمعات السكانية في هذه المنطقة برمتها في حالة من الخوف الدائم. ففض اً عن التهديد بهدم منازلهم، ليواجه هؤلاء السكان العنف على يد المستوطنين الذين يستوطنون في بؤرة استيطانية قريبة منهم، حيث يغلقون الطرق في المنطقة ويعتدون على الرعاة ويضرمون النار في أكوام القش والمراعي، ويقوضون الأمن المادي لهؤلاء السكان، ويؤثرون سلبًا على صحتهم العقلية والنفسية والاجتماعية، ويتسببون في تدني مستوى معيشتهم ويزيدون من اعتمادهم على المساعدات الإنسانية. وتشكل أنشطة الرعي مصدر الدخل الرئيسي لدى هذه التجمعات، ولكن إمكانية الوصول إلى المراعي تقلصت بسبب الأنشطة العسكرية والاستيطانية. ويزيد هذا الحال من الاعتماد على العلف الذي شهدت أسعاره ارتفاعًا هائ اً خلال الحرب في أوكرانيا.
لا تزال المنظمات الإنسانية والمانحون يقدمون المساعدات لأبناء التجمعات السكانية في مسافر يطا للوفاء باحتياجاتهم الأساسية، بما فيها المياه والكهرباء، والحيلولة دون ترحيلهم قسرًا عن تجمعاتهم. ومع ذلك، تعوق السلطات الإسرائيلية هذه المساعي بإصدار أوامر الهدم أو «وقف العمل ،» ومصادرة المركبات والمعدات وفرض القيود على إمكانية الوصول إلى الأراضي ووصول العاملين في المجال الإنساني إلى هذه المنطقة. وقد صدرت أوامر لا يزال يُنتظر تنفيذها بهدم المدارس الأربعة في المنطقة، والتي شُيدت كلها بدعم من المانحين الدوليين، وهذا هو حال العيادات الأربعة التي تشغّلها الفرق الصحية المتنقلة. ومن شأن الإخلاء أن يفضي إلى تعاظم الاحتياجات الإنسانية التي ينبغي الوفاء بها لضمان حماية الناس وقدرتهم على الحصول على الخدمات الأساسية.
يفرض القانون الدولي الإنساني حظرًا مطلقًا على الترحيل القسري للمدنيين من الأرض الفلسطينية المحتلة أو داخلها. ويتعين على السلطات الإسرائيلية أن تضع حدًا لجميع التدابير القسرية، بما فيها عمليات الإخلاء والهدم المزمعة وإجراء التدريب العسكري في المناطق السكنية.
الجدول 1: عدد الأشخاص والمباني المعرضة لخطر الترحيل القسري والهدم في مسافر يطا
مصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
القانون الدولي وحالة مسافر يطا
يشكل الإخلاء القسري الناجم عن عمليات الهدم انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في السكن اللائق والمياه والصرف الصحي، والصحة والتعليم والخصوصية.[5]
قد يرقى الإخلاء القسري الذي يفضي إلى التهجير، في حال إنفاذه، إلى مستوى الترحيل القسري، الذي يعدّ مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، وهو لهذا جريمة حرب.[6] كما يثير أي إخلاء ينفَّذ في هذا السياق القلق إزاء التهجير التعسفي الذي تحظره المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي.[7]
فيما يخص الترحيل القسري، لا يشير مصطلح «القسر » «على وجه الحصر إلى القوة المادية وإنما قد يشمل التهديد باستخدامها أو القسر الناشئ مثلاً عن الخوف من العنف والإكراه والاحتجاز والاضطهاد النفسي وإساءة استخدام السلطة ضد الشخص المعني، أو الأشخاص، أو أي شخص آخر أو استغلال بيئة قسرية. » كما ورد ذلك أي عناصر الجريمة التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية في تعريف التهجير والترحيل القسري.
تجيز المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة إجلاء الأشخاص المحميين مؤقتًا إذا اقتضى أمنهم ذلك أو لأسباب عسكرية قهرية. ولكن مناطق إطلاق النار الإسرائيلية تخدم غرضًا رئيسيًا هو التدريب العسكري. ونظرًا إلى أنه ليست هناك أعمال قتال جارية فعلاً في الضفة الغربية المحتلة، فهي لا ترقى إلى مستوى الأسباب العسكرية الحتمية أو الضرورة المطلقة للعمليات العسكرية التي قد تبرر أي عملية إجلاء للسكان أو مصادرة الممتلكات الخاصة أو تدميرها.[8] وأيًا كان الأمر، لا يمكن لأي عمليات إجلاء جائزة إلا أن تكون مؤقتة. فوفقًا للمادة 49، «يجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في القطاع المعني. »
كما يرد حظر مماثل على الترحيل القسري في القانون الدولي العرفي. فبموجب القاعدة 129 التي تقررها دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي التي وضعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، «لا يقوم الأطراف في نزاع مسلح دولي بترحيل السكان المدنيين أو نقلهم قسرًا، بصورة كلية أو جزئية، من أرض محتلة إلا إذا اقتضى ذلك أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكرية قهرية.
إن عمليات الإخلاء المتواصلة التي تطال الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني على مدى 55 عامًا من الاحتلال يغير الواقع على الأرض ويتعارض مع القانون الدولي الإنساني القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي تعدّ ملزِمة قانونيًا. ويبدو أن القرار الذي أصدرته المحكمة العليا في 4 أيار/مايو بشأن مسافر يطا جزء من سياسة أعمّ تنفذها إسرائيل في الأرض التي تحتلها لاستخدام المناطق العسكرية المغلقة، مما يؤدي إلى مصادر أراضي الفلسطينيين ومنازلهم وهدمها، والسماح في بعض الحالات بإقامة المستوطنات وتوسيعها. ويفاقم هذه الشواغل ما جرى توثيقه من حالات شهدت تحويل أراضٍ من مناطق لإطلاق النار إلى مستوطنات.[9]
تزيد الأنظمة والسياسات والممارسات الإسرائيلية التي تُلحق الضرر بالفلسطينيين في مناطق إطلاق النار الإسرائيلية أو بجوارها من تفاقم البيئة القسرية،[10] التي تضع تجمعاتهم السكانية تحت ضغط هائل لكي يرحل أبناؤها عنها، وهو ما يمثل خطرًا داهمًا بالترحيل القسري.
كما تقلص المناطق العسكرية المغلقة مساحة الأراضي التي يملكها الفلسطينيون ملكية خاصة ومراعيهم وتفرض قيودًا جمة على تنقلهم وسبل عيشهم، مما يثير القلق إزاء الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان.[11]
[3]تقرير الأمين العام بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل، 23 أيلول/سبتمبر 2021 ، الفقرات 55 - 50 .
[5]مقتبس عن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن المستوطنات، (72/564/A)، الفقرة 49 . وانظر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المواد 11 و 12 و 13 ، والتعليق العام رقم 7: الحق في السكن اللائق (المادة 11 (1) من العهد): الإخلاء القسري.
[6]مقتبس عن التقرير الأخير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بشأن المستوطنات، انظر (76/336/A)، الفقرتان 39 و 57 . وانظر اتفاقية جنيف الرابعة، المادتان 49 (1) و 147 ؛ ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8(2) (ب)(8).
[7]المبدأ التوجيهي 6(ب). كما تنص هذه المبادئ التوجيهية على أنه «على الدول التزام خاص بمنع تشريد الشعوب الأصلية والأقليات والفلاحين والرعاة وغيرهم من الجماعات التي تعتمد اعتماداً خاصاً على أراضيها ولها تعلق وجداني بها » (المبدأ التوجيهي 9).
[8]مقتبس عن التقرير الأخير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بشأن المستوطنات، انظر (76/336/A)، الفقرة 55 .