مساء الخير، السيدات والسادة ممثلي وسائل الإعلام.
على مدى الأسابيع والأيام الماضية، لم يطرأ أي تغير ملموس على الطريقة التي تتكشف فيها فصول الحرب في غزة.
ليس ثمة حماية فعالة للمدنيين.
ويتواصل القصف الإسرائيلي المكثف والعمليات البرية. وتشير التقارير إلى مقتل ما يزيد عن 20,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
وفي هذه الأثناء، تواصل حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل.
وأُجبر نحو 1.9 شخص – 85 بالمائة من سكان غزة – على الرحيل عن منازلهم.
والنظام الصحي على شفا الانهيار. وتتعامل المستشفيات في الجنوب مع ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية. وهي لا تكاد تزاول عملها في الشمال.
وقد وصف أحد الزملاء الصمت المميت في مستشفى لا يوجد فيه دواء ولا علاج للمرضى والمصابين فيه.
ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، تلوح مجاعة واسعة النطاق في الأفق.
ويواجه أكثر من نصف مليون شخص – ربع السكان – ما يصنفه الخبراء على أنه مستويات كارثية من الجوع.
فأربعة من أصل خمسة من أشد الناس جوعًا في أي مكان في العام هم في غزة.
والمياه النظيفة شحيحة.
وخلصت اليونيسف إلى أن الأطفال المهجرين في الجنوب لا يحصلون إلا على 10 بالمائة من المياه التي يحتاجون إليها.
في هذه الظروف البائسة، من غير المستغرب أن الكثير من الناس لا يستطيعون انتظار توزيع المساعدات الإنسانية وأنهم ينتزعون ما يمكنهم انتزاعه من شاحنات المعونات.
وكما حذرت من قبل، فإن النظام العام عرضة للانهيار.
يخبرني العاملون في المجال الإنساني، ممن خدموا في مناطق الحروب والكوارث حول العالم – وهم أناس رأوا كل شيء – أنهم لم يروا شيئًا يشبه ما يرونه اليوم في غزة.
لقد بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية ردًا على الهجمات الإرهابية المروعة التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لا شيء يمكن أن يبرر تلك الهجمات أو الاختطاف الوحشي الذي طال نحو 250 رهينة. وأنا أكرر دعوتي لإطلاق سراح جميع هؤلاء الرهائن على الفور ودون شروط.
ولا شيء يمكن أن يسوّغ استمرار إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه الأهداف المدنية في إسرائيل، أو استخدام المدنيين دروعًا بشرية.
ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن لهذه الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي أن تبرر أبدًا العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، كما أنها لا تعفي إسرائيل من التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي.
سيداتي وسادتي الصحفيين،
يقيس الكثيرون فعالية العملية الإنسانية في غزة على أساس عدد الشاحنات الواردة من الهلال الأحمر المصري والأمم المتحدة وشركائنا، والتي يُسمح لها بتفريغ المعونات على الحدود.
هذا خطأ.
إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الطريقة التي تعتمدها إسرائيل في تنفيذ هذا الهجوم تضع عقبات هائلة أمام توزيع المعونات الإنسانية داخل غزة.
وإن عملية فعالة لتقديم المعونات تستدعي الأمن، وعاملين يستطيعون أن يؤدوا عملهم في أمان وقدرات لوجستية واستئناف النشاط التجاري.
وهذه العناصر الأربعة لا وجود لها.
أولًا، الأمن.
إننا نقدم المعونات في منطقة حرب.
فالقصف الإسرائيلي المكثف والقتال الذي تدور رحاه في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان في شتى أرجاء غزة يهدد حياة المدنيين والعاملين في مجال تقديم المعونة الإنسانية على السواء.
لقد انتظرنا 71 يومًا لكي تسمح إسرائيل أخيرًا بإدخال المعونات إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم.
ثم قُصف هذا المعبر حينما كانت الشاحنات في المنطقة.
ثانيًا، تتطلب العملية الإنسانية عاملين في وسعهم أن يعيشوا ويعملوا في أمان.
لقد قُتل 136 من زملائنا في غزة في غضون 75 يومًا – وهو أمر لم نشهده في تاريخ الأمم المتحدة مطلقًا.
فلا مكان آمنًا في غزة.
إنني أحيّي النساء والرجال الذين جادوا بأرواحهم، وأشيد بالآلاف من العاملين في مجال تقديم المعونة الإنسانية الذين يخاطرون بصحتهم وحياتهم في غزة، حتى في هذا الوقت الذي أتحدث فيه.
لقد أُجبر معظم موظفينا على الرحيل عن منازلهم. ويقضي جميع هؤلاء الساعات في كل يوم وهم يكافحون في سبيل البقاء وإعالة أسرهم.
إنها معجزة أنهم يملكون القدرة على مواصلة العمل في ظل هذه الظروف.
ومع ذلك، فهؤلاء الزملاء أنفسهم يعملون على توسيع نطاق العمليات الإنسانية في جنوب غزة لدعم الناس الذين يقيمون هناك، في ذات الوقت الذين يحاولون فيه تقديم المساعدة لسيل المهجرين الذين يصلون من الشمال – ولا شيء معهم.
إنهم الآن يقدمون المعونات في رفح وغرب خانيونس ودير البلح والنصيرات في الجنوب، ويبذلون أقصى ما في وسعهم للوصول إلى الشمال على الرغم من التحديات الهائلة، ولا سيما الأمن.
وفي هذه الظروف المروعة، لا يمكنهم سوى تلبية جزء صغير من الاحتياجات.
ثالثًا، اللوجستيات.
يجب تفريغ كل شاحنة تصل إلى كرم أبو سالم ورفح، ثم يعاد تحميل حمولتها من أجل توزيعها في شتى أرجاء غزة. ونحن أنفسنا نملك عددًا محدودًا وغير كافٍ من الشاحنات المتاحة لهذا الغرض.
فقد دُمر العديد من مركباتنا وشاحناتنا أو تُركت عقب إخلائنا القسري والعاجل من الشمال، ولكن السلطات الإسرائيلية لم تسمح لأي شاحنات إضافية بالعمل في غزة. وهذا يعوق عملية تقديم المعونات إلى حد كبير.
ويكتنف الخطر الشديد تقديم المعونات في الشمال بسبب النزاع الدائر والذخائر غير المنفجرة والطرق التي أصابتها أضرار فادحة.
وفي كل مكان، يجعل انقطاع الاتصالات على نحو متكرر من المستحيل تقريبًا تنسيق توزيع المعونات وإطلاع الناس على كيفية الوصول إليها.
رابعًا وأخيرًا، استئناف الأنشطة التجارية أمر أساسي.
إن الرفوف فارغة، والمحافظ خالية، والمِعَد خاوية. ولا يعمل إلا مخبز واحد في غزة كلها.
إنني أحث السلطات الإسرائيلية على رفع القيود عن النشاط التجاري على الفور.
ونحن مستعدون لتوسيع نطاق ما نقدمه من دعم المنح النقدية للأُسر الضعيفة – التي تعد أكثر أشكال المعونات الإنسانية فعالية. ولكن هناك القليل جدًا مما يمكن شراؤه في غزة.
السيدات والسادة الإعلاميين،
في هذه الظروف التي وصفتها، يعد وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية السبيل الوحيد للشروع في تلبية الاحتياجات الماسة لدى الناس في غزة وإنهاء الكابوس المستمر الذي يعيشونه.
يحدوني الأمل في أن قرار مجلس الأمن اليوم قد يساعد في تحقيق هذا أخيرًا، ولكن ثمة حاجة إلى ما هو أكثر بكثير على الفور.
وإذ أتطلع إلى المدى البعيد، فإنني أشعر بخيبة أمل شديدة من الملاحظات التي يدلي بها كبار المسؤولين الإسرائيليين، والتي تشكك في حل الدولتين.
إن حل الدولتين، وبقدر ما يبدو عليه من الصعوبة اليوم، هو السبيل الوحيد إلى السلام الدائم بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولية والاتفاقيات السابقة.
وأي اقتراح بخلاف ذلك يحرم الشعب الفلسطيني من حقوق الإنسان والكرامة والأمل، ويثير الغضب الذي يمتد إلى ما هو أبعد من غزة بكثير.
كما يحرم إسرائيل من مستقبل آمن.
وقد ظهرت آثار ذلك بالفعل.
فالضفة الغربية بلغت نقطة الغليان.
ويعرض تبادل إطلاق النار في كل يوم عبر الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل الاستقرار الإقليمي لخطر جسيم.
والهجمات والتهديدات التي يوجهها الحوثيون في اليمن للملاحة في البحر الأحمر تؤثر على الملاحة، بما تنطوي عليه من إمكانية الإضرار بسلاسل التوريد العالمية.
وعدا عن المنطقة المجاورة، فإن النزاع يستقطب المجتمعات ويغذي خطاب الكراهية ويؤجج التطرف.
وكل ذلك يشكل تهديدًا هائلًا ومتزايدًا للسلم والأمن العالميين.
سوف نواصل أداء دورنا على الرغم من اشتداد النزاع وتزايد الرعب.
لن نستسلم.
ولكن في الوقت نفسه، لا بد للمجتمع الدولي من أن يتكلم بصوت واحد: من أجل السلام، ومن أجل حماية المدنيين، ومن أجل إنهاء المعاناة ومن أجل الالتزام بحل الدولتين – مسنودًا بالأفعال.
شكرًا لكم.
نيويورك، 22 كانون الأول/ديسمبر 2023