ساهمت منظمة أوكسفام في كتابة هذه المقالة بدعم من مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية
ما يزال العجز الحاد في إمدادات الكهرباء في قطاع غزة، وما يقترن به من غياب البنية التحتية الملائمة لشبكات الصرف الصحي، يتسبب في تصريف 100-108 مليون لتر من مياه الصرف الصحي ذات المعالجة الرديئة في البحر كل يوم.[1] ويسبب هذا الوضع مخاطر صحية وبيئة جسيمة، ولا سيما خلال فصل الصيف، حيث تُعد السباحة في البحر إحدى الأنشطة الترويحية القليلة المتاحة أمام سكان قطاع غزة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تمثل الأمراض المرتبطة بالمياه أكثر من ربع الأمراض، وهي السبب الرئيسي الذي يقف وراء إعتلال صحة الأطفال في قطاع غزة.[2] وقد يطرأ المزيد من التدهور على تشغيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي في المستقبل القريب بسبب فجوات التمويل التي تواجه برنامج وقود الطوارئ الذي تنفذه الأمم المتحدة لتشغيل المولدات الإحتياطية في المنشآت الحيوية، فضلًا عن تشديد الحصار مؤخرًا.
وقد تراجعت مستويات تلوث مياه الصرف الصحي التي صُرِّفت في مياه البحر الأبيض المتوسط خلال النصف الأول من العام 2018 بنحو 20 بالمائة بالمقارنة مع الفترة الممتدة بين شهريْ نيسان/أبريل وكانون الأول/ديسمبر 2017. ويعزى السبب الرئيسي وراء ذلك إلى رفع مستوى دعم وقود الطوارئ وتوريده للمنشآت ذات الصلة. ومع ذلك، تزيد مستويات التلوث الحالية بنحو أربعة أضعاف على المعيار الصحي البيئي الدولي (أنظر الرسم البياني).[3]
ويعكس المؤشر المستخدم في قياس التلوث (وهو الطلب البيولوجي على الأكسجين) وجود ميكروبات مُمْرِضة وغير ممرضة ناشئة عن مياه الصرف الصحي، ومخلفات المجاري، والعمليات الصناعية، والنشاط الزراعي والحياة البرية، والتي يمكن أن تتكاثر في جسم الإنسان وتسبب المرض.[4] ويُعدّ الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض أو العدوى بعد الإتصال بالمياه الملوثة.
وقد أعلنت سلطة جودة البيئة في غزة أن الشواطئ في مدينة غزة، وهي الوجهة الرئيسية للسياحة الداخلية، وفي محافظة رفح، عالية التلوث. وتشكل هذه الشواطئ ما نسبته 75 بالمائة من كل شواطئ قطاع غزة، ويُنصح بشدة بعدم السباحة في هاتين المنطقتين.[5]
ويُعتبر نقص إمدادات الكهرباء السبب الرئيسي الذي يقوض تقديم خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. فمنذ شهر نيسان/أبريل 2017، وعقب تفاقم الإنقسام الداخلي الفلسطيني، لا يورَّد إلى غزة سوى 4-5 ساعات من الكهرباء في اليوم، بعد أن كانت تصل إلى 8-12 ساعة قبل ذلك. ويتم شراء ما يربو على 85 بالمائة من إمدادات الكهرباء المتاحة حاليًا من إسرائيل، بينما يتم إنتاج النسبة المتبقية محليًا في محطة توليد الكهرباء في غزة، التي لا يعمل فيها سوى توربين واحد من أصل أربعة توربينات بسبب شح الأموال اللازمة لشراء الوقود. وقد توقفت معظم إمدادات الكهرباء من مصر خلال العام 2018 بسبب عدم تصليح خطوط التغذية.
محطات المعالجة: تعمل فوق طاقتها، وتنقصها الطاقة اللازمة لتشغيلها وتعاني من سوء الصيانة
كان يوجد في قطاع غزة أربع محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي حتى وقت قريب. وكان بعض هذه المحطات يعالج كميات من مياه الصرف الصحي على نحو يفوق القدرة المقررة له بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، كانت محطة وادي غزة في المحافظة الوسطى مصممة لمعالجة 14,000 لتر مكعب من مياه الصرف الصحي في اليوم كحدّ أقصى، غير أن ما يصل إليها حاليًا يقرب من 17,000 متر مكعب. وبسبب العجز الهائل في إمدادات الكهرباء، تعتمد هذه المحطات إعتمادًا كبيرًا على المولدات الإحتياطية التي تعمل على الوقود لتشغيلها بقدرات محدودة. وفضلًا عن ذلك، تسبب سوء الصيانة الناجم عن شح التمويل، ونقص قطع الغيار التي يُمنع أو يتأخر دخولها في ظل الحصار، في تقويض عمل هذه المحطات. وتصنّف إسرائيل حتى 23 مادة أساسية من المواد اللازمة للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية باعتبارها مواد "مزدوجة الإستخدام". وفي الوقت الذين يمكن فيه إستيراد هذه المواد عبر آلية إعادة إعمار غزة، فإن هذه العملية تتصف بطول أمدها وبصعوبتها.[6]
ونتيجة لذلك، يجري تصريف مياه الصرف الصحي ذان المعالجة السيئة من المحطات التي لا تستوفي المعايير المطلوبة مباشرةً في البحر يوميًا، مما يتسبب في تلويث الشواطئ على نطاق واسع. كما تشكل الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لهذه المنشآت تهديدًا دائمًا بفيضان مياه الصرف الصحي في المناطق المحاذية لأحواض الصرف الصحي ومحطات ضخها. وقد تجسد هذا التهديد في يوم 4 أيار/مايو 2018، حينما إنهار أحد الجدران الإستنادية لأحد أحواض الصرف الصحي في محطة المعالجة في مدينة غزة (الشيخ عجلين) بعد إنقطاع الكهرباء لفترة طويلة، مما أدى إلى فيضان 15,000 متر مكعب من مياه الصرف غير المعالجة إلى المنطقة الزراعية القريبة منها.
وفي شهر نيسان/أبريل 2018، بدأ العمل على تشغيل محطة حديثة وكبيرة جديدة (وهي محطة معالجة مياه المجاري الطارئ في شمال غزة)، والذي كان تمّ تشييده على مدى فترة قاربت عقدًا كاملًا، بقدرة قصوى تبلغ 35,000 متر مكعب في اليوم. وعلى خلاف المحطات الأخرى، تستفيد هذه المحطة من خط كهربائي مخصص لها من إسرائيل، مما يسمح لها بالعمل على مدار الساعة تقريبًا. ويعاد تصريف مياه الصرف الصحي المعالجة، التي تستوفي المعايير الدولية، إلى خزان مائي جوفي، دون تصريفها في البحر.[7]
ما تزال الأمم المتحدة، وبدعم من الجهات المانحة، تنسّق إمدادات وقود الطوارئ لتشغيل المولدات الإحتياطية في قطاع غزة منذ العام 2013. وقد تكفّل ذلك بتأمين الحدّ الأدنى من الخدمات الصحية المنقذة للحياة وخدمات المياه والصرف الصحي على الرغم من النقص الحاد في إمدادات الطاقة. وقد إرتفع عدد المنشآت الحيوية التي تحتاج إلى الدعم بالوقود من 189 منشأة في شهر نيسان/أبريل 2017 إلى 249 منشأة في الوقت الراهن، بما فيها أربع محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي ومحطات الضخ التابعة لها.
وتتولى المجموعات ذات الصلة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مراجعة قائمة المنشآت التي يجري إختيارها شهريًا على أساس توفر إمدادات الكهرباء، وتغير الإحتياجات والأولويات. وقد أعد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لوحة متابعة دينامية وسهلة الإستخدام (وهي متاحة إلكترونيًا) لتمكين أصحاب المصلحة من تتبع التطورات التي تطرأ على إمدادات الكهرباء وبرنامج وقود الطوارئ وتحليلها.
وتواجه آلية وقود الطوارئ نقصًا حادًا في التمويل. وما لم يقدَّم تمويل جديد بصورة عاجلة، فقد يتوقف توزيع هذا الوقود بحلول منتصف شهر آب/أغسطس، مما يهدّد بتقليص حادّ في عمل المنشآت التي يدعمها أو إنهيارها. ومن بين منشآت المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية التي تعتمد على وقود الطوارئ، فمن المحتمل أن تكون محطات معالجة مياه الصرف الصحي أول المنشآت المتضررة بالنظر إلى أن آبار المياه ومضخات المياه المستخدمة لتزويد المياه تحتل مرتبة الأولوية في العادة. ومن المطلوب تأمين مبلغ إضافي قدره 4,5 مليون دولار بصورة عاجلة لضمان إستمرار توزيع وقود الطوارئ حتى نهاية العام 2018. وفي يوم 17 تموز/يوليو 2018، منعت إسرائيل دخول الوقود وغاز الطهي، وهي مواد تُستخدم في قطاع غزة الذي يعاني من شح الطاقة للتعويض عن النقص المزمن في إمدادات الكهرباء. وفي يوم 24 تموز/ يوليو 2018، سُمح بدخول وقود الغاز بصورة جزئية إلى غزة. [8]
يأتي الصيف بوعوده المحمّلة بالسباحة التي يرتاح بها المرء من الحرارة والرطوبة، وبقضاء الليل بطوله وإحتساء القهوة وتجاذب أطراف الحديث على الشاطئ. وقد بات شاطئ غزة أكثر من مجرد متنفس للهروب من الحرّ الشديد في الصيف، بل صار يشكل وسيلة للتكيف مع ساعات إنقطاع الكهرباء الطويلة. ويُعتبر مشهد العائلات التي تسترخي على الشاطئ وأطفالها الذين يتراكضون حولها مشهدًا مألوفًا على إمتداد ساحل غزة في شهور الصيف، غير أن هذا النشاط بات يتعرّض لتهديد متزايد من إرتفاع مستويات التلوث في مياه البحر. وقد توفر برك السباحة بديلًا صحيًا، ولكنّ عددها قليل ولا تستطيع غالبية العائلات تحمُّل تكلفتها.
وبالنسبة لأحلام شرف، التي تبلغ من العمر 38 عامًا وهي أم لثمانية أطفال تتراوح أعمارهم من ثلاثة أعوام إلى 12 عامًا، يمثل البحر جانبًا من حياتها وحياة أطفالها. فهم يقطنون في منزل صغير في مخيم دير البلح للاجئين، بمحاذاة البحر المتوسط. وبالنظر إلى قلة المنشآت الترويحية في هذه المنطقة، يُعدّ اللعب على الشاطئ الخيار الأول المتاح أمام أطفال أحلام، ولا سيما خلال عطلة الصيف. وتقول أحلام: "لا أقوى على منع أطفالي من اللعب هناك. فهم يحبون أن يسبحوا ويمضوا وقتهم على الشاطئ. فنحن والبحر جيران منذ سنوات طويلة."
وتشير أحلام إلى أن خط المجاري القريب من الشاطئ يصرّف مياه الصرف الصحي كل يوم، حيث تسبب ذلك في تحويل لون المياه إلى لون أسود حالك. وهي تعتقد أن أطفالها يعانون من العديد من الأمراض الجلدية بسبب السباحة في البحر. والشاطئ ضروري بالنسبة للأطفال، وحرمانهم من الخيار المتاح لهم بالسباحة فيه أمر لا نقاش فيه. وحسبما يقول إسماعيل، إبن أحلام الذي يبلغ 11 عامًا من عمره: "إنني أحب البحر بكل بساطة". ويعاني زوج أحلام من إعتلال صحته، وهو يعمل في مجال النظافة في أيام قليلة بالشهر، حيث يجني 10-15 شيكلًا في اليوم. ولا يسمح هذا الوضع الإقتصادي البائس لأسرة أحلام بتحمل تكاليف برك السباحة الخاصة، والبحر هو الخيار الوحيد أمام أطفالها لقضاء أيام الصيف الطويلة.
[1] OCHA. United Nation-Assisted Emergency Fuel Distributions, 2013-2014. June 2018.
[2] Report of a field assessment of health conditions in the oPt. WHO. February 2016.
[5] سلطة جودة البيئة، نيسان/أبريل 2016.
[7] قبل إنشاء هذه المحطة الجديدة، كانت مياه الصرف الصحي المجمعة في شمال غزة تصرّف في عدد من الأحواض.