لقد مر أكثر من شهر كامل ولم تدخل إلى غزة قطرة واحدة من المساعدات.
لا طعام، ولا وقود، ولا دواء، ولا إمدادات تجارية.
وبإغلاق باب المساعدات، أعيد فتح أبواب الفواجع.
غزة اليوم ساحة قتل - والمدنيون في دوامة موت لا تنتهي.
وبعض الحقائق واضحة منذ الهجمات الإرهابية الفظيعة التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
أولا وقبل كل شيء، نحن نعلم أن وقف إطلاق النار ناجع.
فوقف إطلاق النار سمح بإطلاق سراح الرهائن.
ووقف إطلاق النار ضمن توزيع المساعدات المنقذة للحياة.
ووقف إطلاق النار أثبت أن مجتمع العمل الإنساني قادر على الوفاء بالتزاماته.
فعلى مدار أسابيع - سكتت أصوات البنادق، ورُفعت الحواجز، وانتهت أعمال النهب - وتمكّنا من إيصال الإمدادات المنقذة للحياة إلى كل جزء من قطاع غزة تقريبا.
ثم ما أن انهار وقف إطلاق النار حتى انتهى كل ذلك.
وتبدد ما كان من أمل لدى العائلات الفلسطينية في غزة وعائلات الرهائن في إسرائيل – وقد تأكد ذاك لي بالشكل الملموس أمس عندما التقيت مرة أخرى بأسَر رهائن.
هذا هو السبب الذي ظل يدفعني إلى الإلحاح على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وإلى وقف دائم لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل كامل.
في أوقات مثل هذه، يجب أن نتحلى بالصراحة التامة .... صراحة بشأن الوضع الراهن.
ففي ظل إغلاق نقاط العبور إلى غزة ومنع مرور المساعدات، حلت الكارثة مكان الأمن ولم تعد لنا قدرة على إيصال المساعدات.
وكما أعلن رؤساء المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في بيان مشترك يوم أمس: ”إن التصريحات التي تقول إن هناك الآن ما يكفي من الغذاء لإطعام جميع الفلسطينيين في غزة بعيدة كل البعد عن الواقع على الأرض، وإن الكمية المتاحة من السلع الأساسية تنخفض بحدة“.
ويجب أن نكون واضحين أيضا بشأن الالتزامات.
فإسرائيل، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، تقع عليها التزامات لا لبس فيها بموجب القانون الدولي - بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
حيث إن الفقرة 1 من المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أنه ”من واجب دولة الاحتلال ضمان حصول السكان على المؤن الغذائية والإمدادات الطبية“.
وتنص الفقرة 1 من المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه ”من واجب دولة الاحتلال أن تعمل [...] على صیانة المنشآت والخدمات الطبیة والمستشفیات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحیة في الأراضي المحتلة“.
وتنص كذلك على أن يُسمح لأفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم.
وتنص الفقرة 1 من المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه ”إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به وسائلها“.
لا شيء من ذلك يحدث اليوم.
فليس ثمة إمكانية لإدخال أي إمدادات إنسانية إلى غزة.
وفي الوقت نفسه، تتراكم عند نقاط العبور المواد الغذائية والأدوية ومستلزمات الإيواء، وتظل المعدات الحيوية عالقة هناك.
وينص القانون الدولي الإنساني أيضا على الالتزام باحترام موظفي الإغاثة الإنسانية.
وأود هنا أن أقول كلمة خاصة في حق هؤلاء الأبطال الذين يعملون في مجال الإغاثة الإنسانية في غزة. فهُم يعملون تحت نيران البنادق ومع ذلك يبذلون كل ما في وسعهم ليواصلوا الطريق الذي اختاروه - طريق إغاثة الناس.
إن وكالات الأمم المتحدة وشركاءَنا مستعدون وعازمون على الوفاء بالتزاماتنا.
ولكن السلطات الإسرائيلية خرجت في الآونة الأخيرة بـ ”آليات ترخيص“ لإيصال المساعدات من شأنها أن تشدد التحكم في المساعدات وتكبلها بقسوة حتى آخر سعرة حرارية وآخر ذرة دقيق.
ولْأكن واضحا هنا: نحن لن نشارك في أي ترتيبات لا تحترم المبادئ الإنسانية احتراماً كاملاً: أي مبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلالية والحياد.
يجب إفساح المجال لإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق.
ويجب أن يُمنح العاملون في تقديم المساعدة الإنسانية الحمايةَ المكفولة لهم بموجب القانون الدولي.
ويجب أن تُحتَرم حرمةُ مباني الأمم المتحدة وأصولِها.
وأدعو هنا مرة أخرى إلى إجراء تحقيق مستقل في مقتل العاملين في تقديم المساعدة الإنسانية - بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة.
ويجب أن نتمسك بمبادئنا الأساسية. فالدول الأعضاء في الأمم المتحدة يجب عليها أن تتقيد بالالتزامات التي يلقيها القانون الدولي على عاتقها. ويجب أن تأخذ العدالةُ والمحاسبةُ مجراها عندما لا تتقيّد بتلك الالتزامات.
قد يعجز العالم عن إيجاد كلمات يصف بها ما يجري في غزة، ولكن أبدا لن نهرب من وجه الحقيقة.
فالوضع الحالي إنما يسير في طريق مسدود – في حالة لا يمكن البتة تقبلها في حكم القانون الدولي وسجل التاريخ.
ولن يزداد الأمر إلا سوءا في ظل احتمال تحوُّل الضفة الغربية المحتلة إلى غزة أخرى.
لقد حان الوقت لإنهاء تجريد المدنيين من إنسانيتهم ولحماية المدنيين وإطلاق سراح الرهائن وضمان تقديم المساعدات المنقذة للحياة وتجديد وقف إطلاق النار.
شكراً لكم.