لقد أمضيتُ اليومين الماضيين هنا في غزة، أتحدث إلى الناس الذين تحمّلوا معاناة لا يمكن تخيُلها على مدى أحد عشر يومًا من الأعمال القتالية.
والتقيتُ مع عدة أُسر تكبدت أضرارًا فادحة في الجولة الأخيرة من الأعمال القتالية. التقيت ايضا أبًا فقد زوجته وأربعة من أطفاله الخمسة وشهدتُ بأم عيني الأسر المهجرة التي دُمرت منازلها عن بكرة أبيها.
وقد دُمرت عدة أماكن كانت لا يُستغنى عنها فيما مضى لتقديم الخدمات الأساسية أو لحقت بها الأضرار، بما فيها مختبر طبي كان يؤمّن فحوصات الإصابة بفيروس كورونا. وتضررت خطوط مياه الصرف الصحي، مما يهدد بانتشار الأمراض. وأصابت الأضرار مركز الرعاية الصحية الأولية الوحيد في الشمال – الذي شهد أفضل معدل لتقديم التطعيم – إلى حد بات معه غير قادر على خدمة المجتمع المحلي – وكل ذلك في خضم وباء عالمي.
ودُمر مستودع للوازم الزراعية – ومعه محاصيل موسم كامل على الأقل، مما يهدد الأمن الغذائي – ويشكل خطرًا على الصحة والبيئة. كما قمت بزيارة إحدى المدارس العديدة المتضررة. ويزيد هذا الضرر من تعقيد امكانية وصول الأطفال إلى التعليم، بالإضافة إلى الانقطاعات التعليمية الموجودة مسبقًا المتعلقة بفيروس كورونا.
ومن الرسائل التي تكرّرت على مسامعي أن الناس في غزة تعرضوا لصدمة فاقت كل ما سبقها: الفتيات والفتية والنساء والرجال. فالضربات على شدتها لم تتوقف. وعدد هائل من البيوت فُقدت والأحبة قضوا نحبهم. لقد أخبرني عدد ليس بالقليل من الناس بأنهم يشعرون بالعجز – وما عاد لديهم من أمل. ويقول الآباء إنهم لا يستطيعون طمأنة أطفالهم بأن هذا لن يحصل مرة أخرى. وكيف يتسنى لهم ذلك بعد العديد من الحروب؟
وبينما نترحّم على أرواح من قضوا في غزة، فلا يغيب عن بالنا أولئك الذين يعانون في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، حيث يتصاعد العنف كذلك ويسفر عن إصابة الآلاف من الناس بجروح. فأولئك أيضًا يحتاجون إلى الدعم. كما قُتل أطفال وبالغون في إسرائيل كذلك، أو أصيبوا بجروح أو تعرضوا للصدمة بفعل الهجمات الصاروخية العشوائية التي لم يسبق لها مثيل في حدتها.
ويعمل مجتمع العمل الإنساني جاهدًا لإحضار المواد الأساسية، بما فيها الغذاء والدواء والوقود. وفي هذا الأسبوع، سوف أطلق نحو 18 مليون دولار من صندوق التبرع الإنساني للارض الفلسطينية المحتلة، وسوف يطلق منسق الإغاثة في حالات الطوارئ في نيويورك مبلغًا إضافيًا قدره 4 مليون دولار لاستعادة قدرة الناس على الحصول على الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية والمياه.
وفي الأيام المقبلة، سوف نطلق مناشدة مالية مشتركة بين الوكالات الانسانية لدعم جهودنا على صعيد معالجة الاحتياجات الإنسانية الجديدة. ويجب أن نملك القدرة على تنفيذ خطة الدعم التي أعددناها بحذافيرها. ولا غنى عن الدعم السخي من شركائنا المانحين من جميع المناطق، مثلما هو وصول العاملين في المجال الإنساني وتقديم المساعدات للمحتاجين دون عوائق. علينا أن نقوم بدورنا.
لقد تسبب التصعيد في تفاقم وضع إنساني مفجع أصلًا في غزة، حيث نجم عن 14 عامًا من الحصار والانقسام الداخلي، إلى جانب تكرار الأعمال القتالية. فعلينا ضمان تقديم الدعم لمواصلة الوفاء بالاحتياجات التي كانت قائمة من قبل، وبما يشمل تلك الناشئة عن الجائحة المستمرة.
ولكي يكون الدعم الذي نقدمه فعالًا في نهاية المطاف، ينبغي ألا نألو جهدًا لنضمن أن هذه المأساة لن تتكرر. ويجب تعزيز وقف إطلاق النار مع الجميع وتفادي الاستفزازات. وينبغي إخضاع أولئك الذي ينتهكون القانون الدولي الإنساني للمساءلة. ويجب إتاحة أفق سياسي يعالج الأسباب الجذرية التي تقف وراء استمرار النزاع.
إن الإمكانيات التي تزخر هذه المنطقة الساحلية بها هائلة. وينبغي السماح لأقتصادها بالعمل على الوجه الأكمل. ويجب أن تُفتح غزة ويعاد ربطها ببقية أنحاء فلسطين، بما فيها القدس الشرقية. وأؤكد مجددًا دعوة الأمين العام للقادة الإسرائيليين والفلسطينيين لإعادة إطلاق حوار جدي لتحقيق حل عادل ودائم للجميع.
وأخيرًا، أود أن أعرب عن شكري لجميع زملائي من مجتمع العمل الإنساني: المنظمات غير الحكومية، والعاملون في الخطوط الأمامية، وبالطبع أولئك العاملون في الأمم المتحدة. فالعديد منهم يعرّضون حياتهم للخطر وهم يخدمون غيرهم. فأوجه الشكر إليهم على التزامهم الراسخ وعلى وتضحياتهم.
للمزيد من المعلومات، توجه الى هذه الصفحة: ochaopt.org/ar/crisis