أشكركم، سيدتي الرئيسة، وأرحب بالفرصة التي أتيحت لي لإطلاع مجلس الأمن على آخر المستجدّات بشأن الأزمة الإنسانية.
لقد تحققت أسوأ مخاوفنا بين عشية وضحاها. فاستُؤنفت الغارات الجوية في شتّى أرجاء قطاع غزة. وثمة تقارير غير مؤكدة تشير إلى مقتل مئات الأشخاص.
وأصدرت القوات الإسرائيلية أوامر إجلاء جديدة، وغدا سكان غزة يعيشون في خوف شديد مرة أخرى.
ودُمرت المكاسب المتواضعة التي تحققت في أثناء وقف إطلاق النار.
ولا يزال العاملون في المجال الإنساني على الأرض، وأنا على اتصال وثيق معهم، يقفون على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم المنقذ للحياة للناجين وتنفيذ مهمتنا الإنسانية. وينبغي أن يُسمح لنا بأن ننجز مهمتنا.
سيدتي الرئيسة، لقد زرتُ الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل خلال الشهر الماضي والتقيت بالناجين والعاملين في الخطوط الأمامية والسلطات.
ففي إسرائيل، عقدت لقاءً مع الناجين من الهجمات المروعة التي قادتها حماس على كيبوتس نير عوز في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولن أنسى زيارتي إلى هناك أبدًا - حيث قُتل واحد من كل أربعة أشخاص أو أُخذ رهينة.
وفي الضفة الغربية، التقيتُ بأسر هُدمت منازلها وتواجه تهديدات يومية بالإخلاء والتهجير القسريين.
وفي الوقت نفسه، تزامنت زيارتي مع بعض أفضل الأيام التي عاشتها غزة مؤخرًا: فقد كان وقف إطلاق النار ساريًا. وكان العاملون في المجال الإنساني يرسلون مئات الشاحنات في كل يوم، مما أسهم في إنقاذ الأرواح وإعادة بث الأمل.
وقد أثبتنا أنه عندما يُسمح لنا بذلك، فإننا نستطيع أن نقدم المعونات على نطاق واسع.
ليس بعد الآن.
فاليوم، يؤسفني أن أبلغكم أنه فضلًا عن الغارات الجوية المكثفة التي استُؤنفت منذ يوم 2 آذار/مارس، منعت السلطات الإسرائيلية إدخال جميع الإمدادات المنقذة للحياة - الغذاء والدواء والوقود وغاز الطهي - لـصالح 2.1 مليون شخص. وقوبلت طلباتنا المتكررة لنقل المساعدات العالقة في معبر كرم أبو سالم برفض اتّسم بطابع منهجي.
فالغذاء يتعفن والأدوية تنتهي صلاحيتها.
ولم يجرِ إطلاق سراح أي رهائن آخرين. ولم تتواصل سوى عمليات الإجلاء الطبي وتناوُب العاملين في المجال الإنساني، حتى إن تلك العمليات توقفت اليوم.
وقد عملنا، في خلال فترة وقف إطلاق النار، على زيادة الدعم بعد أكثر من سنة من تقديم المساعدات على نطاق محدود للغاية وعلى نحو متقطع. إن تعليق إدخال المعونات والسلع التجارية يقوّض التقدم الذي أحرزناه خلال تلك الفترة الوجيزة. ويجري الآن ترشيد الموارد الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
وقطعت إسرائيل إمدادات الكهرباء عن محطة تحلية المياه في جنوب غزة، مما حدّ من حصول 600,000 شخص على المياه النظيفة.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعًا كبيرًا. كما تضاعفت أسعار الخضروات في شمال غزة ثلاث مرات عما كانت عليه في الأصل. وأغلقت ستة مخابز يدعمها برنامج الأغذية العالمي أبوابها بسبب نقص غاز الطهي.
وتحذّر منظمة الصحة العالمية من أن المخاطر التي تهدد الصحة العامة لا تزال مرتفعة للغاية، بما تشمله من الأمراض المعدية الناجمة عن الاكتظاظ وسوء حالة منشآت الصرف الصحي.
وسيكون لهذا الحصار الشامل الذي فُرض على المعونات المنقذة للحياة والسلع الأساسية والبضائع التجارية أثر كارثي على سكان غزة، الذين ما زالوا يعتمدون على تدفق المساعدات إلى القطاع بوتيرة منتظمة.
سيدتي الرئيسة،
بالنظر إلى العزلة التي فُرضت على غزة – مرة أخرى – باتت قدرتنا على تقديم المساعدات والخدمات الأساسية تتسم بقدر أكبر من الصعوبة.
ومستويات تمويل الاستجابة منخفضة للغاية.
ونحن نشهد قيودًا متزايدة تُفرض على المنظمات غير الحكومية الشريكة التي تتبوأ أهمية حاسمة في عملية الإغاثة - وليس ذلك في غزة وحدها، بل في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلّة.
فمنذ أن دخل التشريع الذي أقره الكنيست حيز النفاذ والسريان رسميًا في 30 كانون الثاني/يناير 2025، ما عاد في وسع الموظفين الدوليين في وكالة الأونروا الانتقال إلى غزة والخروج منها.
كما انخفضت المبالغ النقدية التي يمكن أن يُدخلها العاملون في المجال الإنساني إلى غزة إلى نصف المستويات السابقة التي كانت عليها، وبقدر يقلّ بشوط بعيد عما هو مطلوب حتى لتغطية النفقات الأساسية لدورة عمل مدتها ستة أسابيع.
وفي 9 آذار/مارس، اعتمدت السلطات الإسرائيلية قواعد جديدة في تسجيل المنظمات غير الحكومية الدولية التي تقدم المعونات الإنسانية للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلّة.
وسوف تفرض هذه القواعد، في حال إنفاذها، شروطًا صارمة وتعطّل عمليات الإغاثة إلى حد كبير.
وينظر الكنيست الإسرائيلي أيضًا في مشروع قانون ينص على فرض ضرائب مرهِقة على التبرعات التي تقدمها دول ثالثة للمنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، بما فيها المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان.
وإذا ما نُفذ هذا القانون، فسوف يزيد من تراجع عدد المنظمات الشريطة التي تملك القدرة على تنفيذ تدخلات الحماية.
ويشارك العديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية في دعاوى قانونية لها صلة بهدم المنازل والإخلاء القسري. كما تنفذ هذه المنظمات أنشطة تأمين الحماية من العنف الذي يمارسه المستوطنون.
وما زلنا نعطي ما تبقى لدينا لمن هم في أمسّ الحاجة إليه في غزة. فنحن ننقل المياه بالصهاريج حيثما استطعنا ذلك، ونقدم حصصًا غذائية مخفضة ونوزع مواد المأوى.
ونواصل دعم المستشفيات بالإمدادات وفرق الطوارئ الطبية وإجلاء المصابين إلى المستشفيات في غزة.
وأفاد شركاؤنا في قطاع التعليم بأن نحو 631 مكانًا مؤقتًا للتعليم تزاول عملها الآن في شتّى أرجاء غزة وتقدم الدعم لما يزيد عن 172,000 طالب وطالبة.
ولكن ليس في وسعنا أن نواصل هذا العمل لفترة أطول ما لم تُفتح المعابر مرة أخرى لإدخال المعونات.
سيدتي الرئيسة،
لقد أثبت وقف إطلاق النار الذي دام 42 يوماً ما هو ممكن.
فقد تيسر لنا أن نقدم المعونات ونوسّع نطاقها بسرعة وفعالية.
وأُطلق سراح 30 رهينة وثمانية رهائن متوفين و583 معتقلًا فلسطينياً خلال تلك الفترة.
وتمت السيطرة على النشاط الإجرامي في غزة، مما حدّ من نهب قوافل المساعدات الإنسانية على يد المسلّحين الفلسطينيين.
وكان أكثر من 4,000 شاحنة من شاحنات المساعدات تدخل غزة في كل أسبوع.
ووصلنا إلى ما يربو على مليوني شخص.
وأُنشئت 540 نقطة لتوصيل المياه.
ووزع شركاء الأمم المتحدة في مجال العمل الإنساني وغيرهم 113,000 خيمة على الأسر.
وتخطّينا الأهداف التي وضعناها للتطعيم ضد شلل الأطفال، إذ وصلنا إلى أكثر من 600,000 طفل.
وجرى توسيع نطاق [رعاية] الأمومة لدعم 5,000 ولادة. ووُزعت الآلاف من مجموعات لوازم ما بعد الولادة على الأمهات والمواليد الجدد.
وهذا يثبت ما هو ممكن عندما يُسمح لنا بإنجاز عملنا.
ولا يمكننا، بل يجب ألا نقبل، العودة إلى الظروف التي كانت سائدة قبل وقف إطلاق النار أو الحرمان التام من الإغاثة الإنسانية.
يجب حماية المدنيين. ولا بد من تلبية احتياجاتهم الأساسية. ويجب احترام القانون الدولي.
سيدتي الرئيسة،
يساورني قلق بالغ، كذلك، إزاء حماية المدنيين في الضفة الغربية. فالحالة هناك تشكّل أزمة ملحّة ينبغي معالجتها بما تقتضيه من الاهتمام الدولي الضروري.
فمنذ بداية هذه السنة، قُتل 95 فلسطينيًا، من بينهم 17 طفلًا، وأُصيب 869 آخرين، بمن فيهم 179 طفلًا.
وجدّد الجيش الإسرائيلي عملياته على نطاق واسع في شمال الضفة الغربية ونشر الدبابات فيها للمرة الأولى منذ عقدين.
وهُجِّر 40,000 فلسطيني من مناطق سكناهم في خضمّ هذه العمليات، بما فيها مخيمات اللاجئين والمدن. ودُمرت البنية التحتية المدنية على نطاق واسع.
وفي المنطقة (ج)، لا تزال التجمعات السكانية الفلسطينية تُجبر على الرحيل عن أراضيها بسبب التوسع الاستيطاني وعنف المستوطنين وهدم المنازل.
وشنّ مئات المستوطنين الإسرائيليين هجمات واسعة النطاق على القرى الفلسطينية، وأحرقوا المنازل ودمروا الممتلكات.
ويعرقل ما يزيد عن 800 عائق أمام الحركة، بما فيها أكثر من 20 بوابة من بوابات الطرق الجديدة، وإغلاق الحواجز بشدة وصول الفلسطينيين إلى أماكن عملهم وحصولهم على الرعاية الصحية والخدمات الأساسية. ولا تزال القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية تمنع آلاف المصلين الفلسطينيين من الوصول إلى الأماكن المقدسة.
سيدتي الرئيسة،
يجب تنفيذ ثلاثة أمور الآن.
أولًا وقبل كل شيء، يجب السماح بإدخال المعونات الإنسانية والسلع التجارية الأساسية إلى غزة. فحجب الأغذية والمياه والأدوية عن الأشخاص الذين يحتاجون إليها أمر غير معقول.
كما إنه يتنافى مع القانون الإنساني الدولي والأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية.
ثانيًا، ينبغي لنا أن نجدد وقف إطلاق النار. فقد قُتل أكثر من 48,000 فلسطيني وبات آلاف غيرهم في عداد المفقودين. وقُتل أكثر من 1,200 إسرائيلي. وأصيب أكثر من 100,000 فلسطيني بجروح، والعديد منهم أُصيبوا بجروح غيرت مجرى حياتهم. فيجب أن تتوقف الأعمال القتالية التي استُؤنفت بين عشية وضحاها.
ويجب وضع حد لمعاناة شعوب المنطقة. ويُعَدّ تجديد وقف إطلاق النار الطريقة الفضلى لحماية المدنيين - في غزة وفي الأرض الفلسطينية المحتلّة وفي إسرائيل - وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين والسماح بإدخال المساعدات والإمدادات التجارية.
ثالثًا، يجب تمويل الاستجابة الإنسانية. فنحن لم نتلقّ سوى 4 في المائة - 4 في المائة - من المبلغ الذي نحتاج إليه. وليس لدينا حتى ما يكفي لكي نتجاوز هذا الربع من هذه السنة.
وفي الختام، أتذكر رسالة رأيتها مكتوبة على لوح أبيض في أحد مستشفيات غزة، وقد كتبها طبيب قُتل في وقت لاحق، وهي رسالة بعثت الصدمة في نفسي: «من يبقى حتى النهاية سيروي القصة. لقد فعلنا ما في وسعنا. تذكّرونا.»
السيدة الرئيسة، الزملاء في مجلس الأمن،
هل نملك القدرة على أن نقول إننا فعلنا ما في وسعنا؟
شكرًا لكم.