عنف المستوطنين وضعف إنفاذ القانون من جانب السلطات الإسرائيلية شكلا مخاوف طويلة الأمد وقوضا الأمن المادي وسبل العيش الزراعية لعشرات الآلاف من الفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية وأوجدا الحاجة إلى المساعدة والحماية من جانب الجهات الفاعلة الإنسانية، خاصة للفئات الضعيفة مثل الأطفال والنساء. وتشمل التدخلات الإنسانية التي تنسقها مجموعة الحماية نشر تواجد وقائي في المناطق العالية الخطورة؛ ودعم نفسي اجتماعي للضحايا؛ وتركيب بنية تحتية وقائية (انظر دراسة حالة)؛ وتوثيق القضايا والدعاوى؛ والاستشارة القانونية.
زاد عنف المستوطنين خلال النصف الأول من عام 2017 بعد تراجع دام لثلاث سنوات. فقد وثق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية خلال هذه الفترة 89 حادثة نسبت إلى مستوطنين إسرائيليين أسفرت عن ضحايا بين الفلسطينيين (33 حادثا) أو ألحقت أضراراً بالممتلكات الفلسطينية (56 حادثة).[2] وبالمتوسط الشهري، يمثل ذلك ارتفاعا بنسبة 88 بالمائة مقارنة مع عام 2016. وأسفرت هذه الحوادث عن مقتل ثلاثة فلسطينيين[3] وإصابة 48 فلسطينيا بجراح، من بينهم سبعة أطفال، فضلا عن الأضرار التي لحقت بأكثر من 2,700 شجرة و52 مركبة، من بين نتائج أخرى مترتبة.
لا تشمل هذه الأرقام الحوادث التي تنطوي على تهديد وترويع، أو تعدي على الممتلكات الخاصة، أو القيود التي يفرضها المستوطنون الإسرائيليون على الوصول والتي لم تسفر عن وقوع إصابات أو أضرار. وعلى الرغم من أن مثل هذه الحوادث أكثر تكراراً، فإنه من الصعب رصدها بانتظام.
وقد أشار جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك) الى هذا التطور أيضا، والذي يدعو، وفقا لتقارير الإعلام الإسرائيلي، الحكومة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمنع المزيد من التدهور.[4]
حدثت الزيادة في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين إلى جانب زيادة كبيرة في الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين. وسجل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية خلال النصف الأول من عام 2017، 172 حادثة أسفرت عن إصابات أو أضرار في ممتلكات المستوطنين الإسرائيليين. وبالمتوسط الشهري، يشكل ذلك ارتفاعا يزيد عن ثلاثة أضعاف مقارنة مع عام 2016 (112 حادثا).[5] وشكل ما يقرب من 95 بالمائة من هذه الحوادث إلقاء الحجارة على مركبات تسافر في الضفة الغربية، والبقية تتعلق بإلقاء زجاجات المولوتوف وإطلاق النار (أربع حوادث لكل منهما). وأسفر ذلك عن إصابة 49 مستوطنا إسرائيليا وإصابة العشرات من السيارات بأضرار.
وأفادت التقارير أن بعض الهجمات التي شنها المستوطنون خلال هذه الفترة نفذت "ردا على" إخلاء السلطات الإسرائيلية قسرا لمستوطنة عمونا في شباط/فبراير 2017.[6] وقد جاء ذلك بعد معركة قانونية مطولة انتهت بقرار صادر عن المحكمة العليا الإسرائيلية يأمر بإزالة المستوطنة لكونها تأسست على أراضي فلسطينية خاصة.
وشملت الأنواع الرئيسية للحوادث التي وقعت ضد الفلسطينيين خلال النصف الأول من عام 2017 إلقاء الحجارة على المنازل الفلسطينية والمركبات المسافرة؛ والاعتداء الجسدي؛ واقتلاع الأشجار أو إتلافها؛ وإشعال النار في ممتلكات زراعية؛ وغير ذلك من أعمال التخريب ضد الممتلكات. ومثلما حدث في السنوات السابقة، شهدت محافظة نابلس العدد الأكبر من الحوادث (34 بالمائة)، تليها الخليل، والقدس ورام الله. وغالبية الحوادث في منطقة نابلس وقعت في ست قرى،[7] تشكل موطنا لما يقرب من 20,000 فلسطيني، تحيط بمستوطنة يتسهار والبؤر الاستيطانية المتاخمة لها.
وعلى سبيل المثال، وصلت مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين المسلحين من مستوطنة يتسهار قريتي حوارة وعوريف (نابلس) في 22 نيسان/أبريل 2017، ورشقوا عددا من المنازل والمركبات بالحجارة: في حوارة، أصيب ثلاثة فلسطينيين بجراح، بينهم امرأة عمرها 72 عاما دخلت المستشفى نتيجة لذلك. وفي عوريف، تسبب الهجوم في اشتباكات مع السكان المحليين، تدخل بعدها الجنود الإسرائيليون بإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على الفلسطينيين. وأصيب خمسة فلسطينيين بجراح، أحدهم على أيدي مستوطنين وأربعة على أيدي الجنود، وأصيب منزل وعدد من المركبات بأضرار.
وفي نفس المنطقة، أطلق مستوطن إسرائيلي في 18 أيار/مايو، النار باتجاه فلسطيني عمره 21 عاما وقتله بعد أن أوقف فلسطينيون ينظمون مظاهرة تضامنا مع السجناء الفلسطينيين سيارته وقذفوها بالحجارة. وقد أعقب الحادث سلسلة من هجمات المستوطنين، بما في ذلك إشعال النار بالمحاصيل الفلسطينية وقذف السيارات بالحجارة.
إن إسرائيل، بوصفها القوة القائمة بالاحتلال، ملزمة بحماية المدنيين الفلسطينيين من جميع أعمال العنف أو التهديدات بالعنف، بما في ذلك من جانب المستوطنين الإسرائيليين، وضمان التحقيق في الهجمات بشكل فعال ومحاسبة الجناة. وشكل وجود ثغرات في هذا الصدد مصدر قلق طويل الأمد للمجتمع الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
أوجزت وزارة العدل الإسرائيلية في تقرير صدر في حزيران/يونيو 2017 سلسلة من التدابير التي اعتمدتها السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة أسهمت في الحد من عنف المستوطنين ومستويات أعلى من المساءلة.[8] وتشمل هذه التدابير إنشاء وحدة الجرائم القومية في منطقة يهودا والسامرة في عام 2013؛ واستخدام "الأوامر التقييدية" ضد المستوطنين المشتبه في قيامهم بتخطيط هجمات، والتي تحظر الدخول إلى الضفة الغربية أو الاحتجاز بموجب أوامر إدارية؛ وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة في "مناطق الاحتكاك" خلال موسم قطف الزيتون. واعتقلت الشرطة الإسرائيلية مؤخرا زعيم مجموعة مستوطنين متطرفين وأدانته بالتحريض على العنف.[9]
وبالإضافة إلى التراجع في هجمات المستوطنين منذ عام 2013، حدث ارتفاع تدريجي، وفقا لوزارة العدل، في نسبة القضايا المتعلقة بعنف المستوطنين التي أدت إلى محاكمة الجناة المشتبه فيهم: من 19 بالمائة من القضايا التي تم التحقيق فيها في عام 2013 إلى ما يقرب من 30 بالمائة في عام 2015.[10] ولكن، يبدو أن أرقام وزارة العدل تدمج هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين وهجماتهم ضد القوات الإسرائيلية، مما يعيق تحليل الاتجاهات المتعلقة بالمساءلة في حالات الضحايا الفلسطينيين.
ويشير تقرير صدر مؤخرا عن منظمة يش دين، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان، قد وثق شكاوى بشأن عنف المستوطنين قدمها فلسطينيون لدى الشرطة الإسرائيلية منذ عام 2005، إلى أنه لم يكن هناك أي تقدم في المساءلة.[11] وصل فقط 8 بالمائة من ملفات التحقيق التي رصدتها المنظمة بين عامي 2013 و2016، إلى قرار نهائي (20 من أصل 245)، وأدت إلى محاكمة الجناة. وتم إغلاق التحقيقات الأخرى المتبقية ونسبتها 92 بالمائة، وكانت الأغلبية قد أغلقت على أساس أن "الجاني مجهول". وكان معدل الاتهام خلال هذه الفترة هو تقريبا نفس المعدل في عام 2005 عندما بدأت ييش دين بتتبع هذا المؤشر.
يعتبر وادي رأس الطويل (الذي يشير إليه المستوطنون الإسرائيليون باسم وادي شيلو) بين محافظتي رام الله ونابلس نقطة ساخنة لعنف المستوطنين. وكانت هذه المنطقة منذ أواسط التسعينات محورا لأنشطة الاستيطان المكثفة، بما في ذلك إنشاء ست مستوطنات غير شرعية (بؤر استيطانية)، بعضها على أراضي فلسطينية خاصة، وذلك بدعم غير رسمي من السلطات الإسرائيلية.[12] وفي حين انخفض عدد هجمات المستوطنين التي أدت إلى سقوط ضحايا أو أضرار في الممتلكات في السنوات الأخيرة (انظر أعلاه)، لا يزال الفلسطينيون يواجهون اعتداءات المستوطنين التي تقوض أمنهم وسبل عيشهم. وافق الجيش الإسرائيلي في أيار/مايو 2017 على حدود مستوطنة إضافية (أميشاي) سيتم إنشاؤها في هذه المنطقة يزعم نقل المستوطنين الذين تم إخلاؤهم من مستوطنة عمونا إليها. انظر الخريطة.
تقع قرية عين الرشاش (عدد السكان ما يقرب 90) بالكامل في المنطقة (ج)، ويقع جزء منها ضمن منطقة مخصصة "كمنطقة إطلاق نار" للتدريب العسكري إلى الجنوب الشرقي من وادي رأس الطويل. وهي واحدة من 46 تجمعا بدويا في وسط الضفة الغربية المعرضة لخطر الترحيل القسري بسبب بيئة قسرية تشمل الحرمان من البنية التحتية للخدمات الأساسية؛ وهدم المنازل ومباني سبل العيش على أساس عدم وجود تراخيص بناء؛[13] والتدريب العسكري في المنطقة المجاورة؛ والترهيب المنتظم من المستوطنين الإسرائيليين.
يعيش سامي، 40 عاما،[14] في قرية عين الرشاش الغربية (المعروفة أيضا باسم خربة جبعيت)، والتي هي الأكثر عرضة لعنف المستوطنين. قال سامي: "يريد المستوطنون إجبارنا على الرحيل، نحن في كفاح مستمر معهم. إنهم يمنعوننا من الوصول إلى أرضنا، ويسرقون أغنامنا، ويلاحقون أطفالنا وهم في طريقهم إلى المدرسة ويسلطون الأضواء مباشرة على خيامنا في الليل بينما يغنون ويرقصون [...] وقعت في العام الماضي في الديون واضطررت إلى بيع بعض من أغنامي لشراء ما يقرب من 120 طنا من العلف لأن المستوطنين منعونا من الوصول إلى آبار المياه الخاصة بنا أو زراعة الشعير".
وبعد إجراء عملية تقييم، قدمت منظمة إسعاف أولي الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في الضفة الغربية في آب/أغسطس 2016 لسكان هذه القرية مولدا للكهرباء، ونظام إضاءة. وخزانين للمياه؛ ووحدة كاملة من الأسيجة للماشية لكل أسرة.
وأبرزت فاطمة، زوجة سامي، في زيارة متابعة في نيسان/أبريل 2017 التحسن: "الحياة أسهل مع خزانات المياه على بعد خطوات من خيمتي. في السابق، كان علينا أن نجلب المياه من الآبار في الحقل، وكنا عرضة لمضايقات المستوطنين. جاء المستوطنون ليلا إلى فنائنا الأمامي أيضا، وتجولوا، ونشروا الفوضى، وألقوا بأشياء وأرعبونا. اعتدنا الاختفاء في خيامنا لحراسة أطفالنا الصغار حتى يغادر المستوطنون. ومنذ أن حصلنا على المولد والأضواء، توقف المستوطنون عن الوصول ليلا. ويمكننا المولد كذلك من شحن هواتفنا النقالة، ونكون على اتصال مع الآخرين ونطلب المساعدة إذا لزم الأمر".
[2] تصنف الحوادث التي تؤدي إلى وقوع ضحايا (وفيات أو إصابات) وأضرار بالممتلكات على أنها "حوادث إصابات".
[3] اثنان من القتلى كانا شخصين أطلق المستوطنون النار عليهما خلال عمليتي طعن ودهس مزعومتين.
[4] أليكس فيشمان، "الإرهاب اليهودي يرفع رأسه من جديد"، يديعوت أحرنوت للأخبار، 14 حزيران / يونيو 2017.
[5] مصدر الحوادث التي تستهدف المستوطنين الإسرائيليين هو في الأساس وسائل الإعلام الإسرائيلية.
[6] ووصفت الهجمات التي شنها المستوطنون ضد الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية في هذا السياق أيضا بهجمات "دفع الثمن".
[7] بورين، وعوريف، وحوارة، ومادما، وعصيرة القبلية وعين عبوس.
[8] وزارة العدل الإسرائيلية، تحقيقات ومحاكمات إسرائيل للجرائم ذات الدوافع الأيديولوجية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، حزيران / يونيو 2017.
[9] يوتام بيرغر، "حاخام من الضفة الغربية يمثل أمام المحكمة بتهمة التحريض على العنف ضد العرب"، هآرتس، 14 حزيران / يونيو 2017.
[10] وزارة العدل الإسرائيلية، المصدر نفسه، صفحة 8.
[11] ييش دين، تطبيق القانون على المدنيين الإسرائيليين في الضفة الغربية، ورقة بيانات، شباط / فبراير 2017.
[12] وثقت لجنة لتقصي الحقائق عينتها حكومة إسرائيل (المعروفة أيضا باسم لجنة ساسون بعد أن تولت رئاستها تاليا ساسون) الدعم الحكومي لإنشاء بؤر استيطانية غير مصرح بها بعناية، وقد نشرت استنتاجاتها في عام 2005.
[13] هدمت السلطات الإسرائيلية 43 مبنى في 15 شباط / فبراير 2016، منها 10 مساكن و25 مأوى للحيوانات وثمانية مطابخ خارجية.
[14] تم تغيير الأسماء في دراسة الحالة هذه لحماية الأفراد.