طرأ تراجع ملموس على عدد الفلسطينيين الذين سُمح لهم بالوصول إلى غزة والخروج منها خلال العام 2017، بالمقارنة مع العام 2016. ولم يزل التنقل عبر إسرائيل يشهد تراجعًا منذ منتصف العام 2016 على معبر إيرز. كما طرأ تراجع على تنقُّل الفلسطينيين عبر معبر رفح، الخاضع للسيطرة المصرية، خلال هذا العام من المستوى المتدني الذي كان عليه في الأصل. ومع تصاعد حدّة الإنقسام الداخلي الفلسطيني، فرضت وزارة الصحة في السلطة الفلسطينية قيودًا على التنقّل لأغراض طبية خلال معظم العام 2017، حيث عملت الوزارة على تأخير الدفعات المستحقة على المرضى الذين جرى تحويلهم للعلاج الطبي خارج غزة أو تعليقها.
وقد زادت هذه المستجدات من تفاقم عزلة قطاع غزة عن بقية أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي، مما أدى إلى فرض المزيد من القيود على الحصول على العلاج الطبي الذي لا يتوفر في القطاع، والتعليم العالي والحياة الأسرية والإجتماعية، والوظائف والفرص الإقتصادية، إضافة إلى إعاقة أدراك طائفة من حقوق الإنسان. كما فُرضت القيود على تنقّل الموظفين الوطنيين الذين يعملون لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية خلال العام 2017، مما أدى إلى عرقلة تنفيذ العمليات الإنسانية.
وعقب التوصّل إلى إتفاق المصالحة الفلسطينية الذي جرى توقيعه في يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر، سلّمت سلطات حماس السيطرة على الجانب الفلسطيني من معابر إيرز وكرم أبو سالم ورفح للسلطة الفلسطينية في يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر، وأزالت حاجز "أربع-أربع" الذي كانت تديره وتتحكم بالوصول إلى معبر إيرز من خلاله. وحتى هذا اليوم، لم ينتج عن هذه المستجدات أي أثر ظاهر على تنقّل الفلسطينيين من غزة عبر المعابر التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية والمصرية.
تراجع خروج الفلسطينيين من غزة عبر معبر إيرز، الذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية، بنسبة تقترب من 50 في المائة خلال العام 2017 بالمقارنة مع العام 2016: ففي المتوسط، بلغ عدد الفلسطينيين الذين كانوا يخرجون من قطاع غزة نحو 7,000 فلسطيني كل شهر (حتى يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر)، مقارنة ب13,200 فلسطيني عبروا الى خارج غزة خلاله كل شهر في العام 2016. وقبل إندلاع الإنتفاضة الثانية في العام 2000، كان عدد الفلسطينيين الذين يخرجون من غزة كل شهر يزيد على نصف مليون فلسطيني، ولا سيما للعمل في إسرائيل. وقد تقلصت أعداد تصاريح العمل التي تُمنح للفلسطينيين من غزة منذ ذلك الحين على نحو متزايد ، وجرى تعليق إصدارها نهائيًا في العام 2006.
معبر إيرز: المعابر مع إسرائيل
وشملت القيود الأخرى التي فرضتها السلطات الإسرائيلية في العام 2017 على محظورات إضافية طالت المواد التي يحملها الفلسطينيون الذين يغادرون غزة عبر معبر إيرز، ولا سيما الأجهزة الإلكترونية (بإستثناء الهواتف النقالة)، ومستلزمات النظافة والمواد الغذائية. وفي شهر أيار/مايو 2017، جرى تمديد الوقت اللازم لدراسة طلبات التصاريح ’غير المستعجلة‘ لمغادرة غزة من 23 إلى 50-70 يوم عمل. ولا تشمل هذه الفترة أيام الجمعة والسبت أو غيرهما من أيام العط.
لمعبر إيرز أهمية حيوية في تنقل الفلسطينيين بالنظر إلى أنه يتحكم في حركة الأشخاص بين قطاع غزة والضفة الغربية. فبموجب سياسة ما تزال قيد التنفيذ منذ إندلاع الإنتفاضة الثانية في شهر أيلول/سبتمبر 2000، والتي جرى تشديدها بعد شهر حزيران/يونيو 2007 في أعقاب إستيلاء حماس على غزة، لا يتأهل سوى الأشخاص الذين يقعون ضمن فئات معينة تحددها إسرائيل للحصول على تصاريح الخروج، شريطة إجتيازهم الفحص الأمني. وفي السنوات القليلة الماضية، باتت هذه الفئات تشمل المرضى المحوَّلين للعلاج الطبي خارج غزة ومرافقيهم، والتجار وموظفي المنظمات الدولية والحالات الإنسانية الإستثنائية.
بحلول نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بلغ معدل الموافقة على طلبات التصاريح التي يقدمها المرضى الفلسطينيون للسفر عبر معبر إيرز ما نسبته 54 في المائة ، بعد أن كان يسجل 62 في المائة في العام 2016. وهذا هو أدنى معدل للموافقة على طلبات التصاريح منذ العام 2006 بعدما شرعت منظمة الصحة العالمية في رصد وصول المرضى من غزة. ويتوازى هذا التراجع مع زيادة تدريجية في العدد الكلي للتحويلات وطلبات التصاريح المرتبطة بها إلى مستشفيات الضفة الغربية بسبب تشديد القيود على السفر عبر معبر رفح.
وقد جرى تأخير معظم الطلبات التي لم يحالف أصحابها النجاح في الحصول على تصاريح خلال العام 2017، مما يعني أنها لم تحظَ بالدراسة في الوقت المطلوب، دون أن تُرفض لدواعٍ أمنية. وبعبارة أخرى، لم يجرِ تلقي رد على تلك الطلبات بحلول التواريخ المحددة لمواعيد المرضى في المستشفيات، مما أجبرهم على تأمين مواعيد جديدة بدل المواعيد التي فاتتهم وتقديم طلبات أخرى للحصول على التصاريح. وقد ينطوي التأخير، في حالات مثل علاج السرطان، على مضاعفات تهدّد حياة المرضى وصحتهم. ووفقًا للمعايير الإسرائيلية الجديدة التي دخلت حيّز التنفيذ في شهر أيار/مايو 2017، يُشترط على المرضى تقديم طلبات غير مستعجلة قبل 20 يوم عمل على الأقل من التواريخ المقررة لمواعيدهم في المستشفيات، وهو ما يزيد الوقت المشروط في السابق إلى الضعف.
معدلات الموافقة المالية على التحويلات الطبية (عدد المرضى)*
إضافة إلى ما تقدم، تسبّب البطء الذي يواكب دراسة طلبات الحصول على الموافقة المالية من وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله في عرقلة تحويلات المرضى من غزة، وذلك في سياق إستفحال الإنقسام الداخلي الفلسطيني. وعلى مدى الشهور القليلة الماضية، طرأت زيادة على عدد وثائق التغطية المالية الصادرة لصالح المرضى، ولكنها لم تبلغ المستويات التي كانت عليها قبل شهر نيسان/أبريل 2017.[1]
عدد التصاريح السارية (رجال الأعمال)
إنعكس إتجاه التراجع الذي شهده هذا العام على رجال الأعمال بوجه خاص، حيث إرتفعت نسبة رفض الطلبات التي قدموها للحصول على التصاريح بصورة متزايدة منذ منتصف العام 2016. ووفقًا للهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية، لم يكن سوى 551 تاجرًا لديهم تصاريح تجارية سارية المفعول حتى شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، وهو ما يشكل إنخفاضًا بنسبة 85 في المائة بالمقارنة مع المتوسط الذي بلغ 3,600 تصريح في أواخر العام 2015 (أنظر الرسم البياني).
والعديد من أولئك الذين يُمنعون من الدخول إلى إسرائيل الآن هم من رجال الأعمال البارزين في صناعات الأثاث والملابس والمواد الغذائية، والصناعات الزراعية وصناعة البلاط وغيرها. وكانت هذه القطاعات توظّف فيما مضى عددًا كبيراً من العمال في الإقتصاد الذي يعاني من الكساد في غزة، وكانت تتمتع بعلاقات قديمة العهد مع نظيراتها في إسرائيل والضفة الغربية، وعلى إمتداد العالم كذلك. وقد أدّى الحصار المفروض منذ عشرة أعوام، والذي إقترن مع ثلاث حالات تصعيد مدمرة والإنقسام الداخلي الفلسطيني، إلى تقويض قدرة مشاريع الأعمال على التكيف، وقد تجبر هذه الإنتكاسة الأخيرة العديد منها على إغلاق أبوابها بصورة نهائية.
يجب على الموظفين المحليين لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، شأنهم شأن الفلسطينيين كافة، الحصول على تصاريح للخروج من غزة عبر معبر إيرز. ويخضع تنقّل العاملين في المجال الإنساني من قطاع غزة وإليه لقيود متزايدة تعوق قدرتهم على الإشراف على العمليات والتدريب على الوجه المطلوب. وفي شهر أيلول/سبتمبر 2017، أبلغت السلطات الإسرائيلية الوكالات بأن الوقت اللازم لدراسة التصاريح طويلة الأمد سيمتد إلى 55 يوم عمل وتصاريح السفر إلى الخارج إلى 70 يوم عمل. ويُعَدّ هذا تغيير في الفترة التي كانت تبلغ 14 يومًا في مطلع العام 2017، والتي جرى تمديدها إلى 26 يومًا قبل صدور هذا الإعلان الأخير. ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، يشكّل هذا التأخير جانبًا من إجراءات الفحص الأمني التي باتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تُجريها على نحو أكبر من الصرامة. ومن جانب آخر، جرى تمديد الحدّ الأقصى لسريان الفحص الأمني من ستة أشهر إلى تسعة أشهر.
حتى العام 2013، كان معبر رفح مع مصر هو المعبر الوحيد الذي يستخدمه الفلسطينيون في غزة، بسبب القيود العسيرة المفروضة على المعابر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ولم يزل معبر رفح مغلقًا إلى حد كبير، حتى أمام المساعدات الإنسانية، منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014، وذلك في أعقاب هجمات شُنّت على القوات المصرية في سيناء. وكما هو الحال بالنسبة لمعبر إيرز، لا تستطيع سوى فئات معينة، بما فيها المرضى والطلبة وحملة التأشيرات الأجنبية، أن تسجل على قائمة إنتظار تديرها السلطات في غزة إلى حين إعادة فتح المعبر. ويزيد عدد المسجلين في هذه القائمة على 20,000 شخص في الوقت الراهن.
وخلال العام 2017، لم يُفتح معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية إلاّ في حالات إستثنائية لمدة 36 يومًا، بالمقارنة مع 44 يومًا في العام 2016. وفي المقابل، سُجل خروج 17,000 شخص بالمقارنة مع 26,000 شخص في العام 2016 و151,000 في العام 2013.
وفي العام 2017، لم يغادر سوى 1,222 مريضًا عبر معبر رفح لأغراض العلاج الطبي. وكان المتوسط الشهري للأشخاص الذين يغادرون عبر المعبر لأسباب صحية يبلغ 4,000 شخص قبل إغلاقه في العام 2014.
معبر رفح: العبور في كلا الاتجاهين
"كان مشروعي أحد أفضل المشاريع في غزة، ولكن لا يكاد يوجد لدينا الآن عمل يكفي لبقائه قائمًا"، يقول غازي مشتهى، وهو صيدلاني ويملك مصنعًا لإنتاج البوظة. ويعمل مشتهى في هذه الصناعة لمدة تزيد على 45 عامًا. وكان يملك مصنعين لإنتاج البوظة في مدينة غزة ومنطقة إيرز الصناعية السابقة، التي أزالتها إسرائيل في سياق ’خطة فك الإرتباط‘ التي نفذتها في العام 2005.
"لفترة تزيد على 45 عامًا، لم أواجه أي عقبة تقريبًا في الوصول إلى إسرائيل والضفة الغربية، ولم يُرفض التصريح الذي كنت أحمله للخروج إلى إسرائيل على الإطلاق. وقد أقمت علاقات تجارية جيدة جدًا مع نظرائي الإسرائيليين وكنت وكيل شركة طبية إسرائيلية في غزة على مدى 28 عامًا. وكانت منتجاتنا من البوظة تتمتع بتنافسية عالية، بل كانت تُعَد منتجًا حلالًا وتدخل إلى الأسواق الإسرائيلية، حيث كنت أبيع حتى 95 في المائة من منتجاتنا فيها.
"وفي العام 2016، لم أحصل على تصريح لأسباب أمنية، ولم أعد قادرًا منذ ذلك الحين على السفر إلى خارج غزة، على الرغم من أنني كنت أسافر لأغراض تجارية، وليس لأغراض شخصية. وفي الماضي، كنت أوظّف عددًا يصل إلى 120 عاملًا، أما الآن فليس لدي سوى من 50 إلى 60 عاملًا. ولا يعمل هؤلاء العمال على أساس يومي لأن قدرتنا الإنتاجية تراجعت من 20 طنًا في العام 2015 إلى طن واحد فقط. لقد تكبدتُ خسارة فادحة منذ العام 2005، وما تزال لديّ ديون أعجز عن تحصيلها من الوكلاء الإسرائيليين.
"كما تشكّل الكهرباء تحديًا هائلًا: فخلال هذا الصيف، لم نتمكن من إنتاج البوظة على الإطلاق. وفضلًا عن ذلك، فنحن لا نستطيع الحصول على قطع الغيار، التي كنا نستوردها من الولايات المتحدة. ولا نستطيع أن نتحمل تكاليف هذه القطع الآن. ونحن نستهلك ما يتراوح من 8 إلى 10 آلاف لتر من السولار في الشهر لكي نعوّض عن إنقطاع الكهرباء لفترات طويلة؛ نحن لا نملك هذه الأموال، ولكننا ما نزال نسعى إلى البقاء."
كانت م. ن.، أم لأربعة أطفال وتبلغ 40 عامًا من عمرها، تشارك في إعتصام نظّمه على بوابة معبر رفح طلاب ومرضى وأزواج إنفصلوا عن بعضهم البعض وغيرهم من ذوي الحالات الإنسانية إحتجاجًا على حرمانهم من حقهم في السفر.
أثناء الأعمال القتالية التي شهدها العام 2014، فقدت م. ن. 24 فردًا من أفراد أسرتها الكبيرة ، بمن فيهم طفلها الذي كان يبلغ ثلاثة أعوام من العمر في حينه. وأُصيبت إبنتها ياسمين، وعمرها الآن 13 عامًا، بجروح، وهي تعاني منذ ذلك الحين من مرض السكري الذي ينطوي على مضاعفات خطيرة، بما فيها خلل في القلب. وتقول م. ن.: "بالنظر إلى أنه كان يجري إدخال ياسمين إلى وحدة العناية المكثفة بصورة منتظمة ولأنها لا تستطيع الحصول على العلاج المناسب في غزة، فقد قررنا أن نبحث عن علاج لها خارج القطاع"،
"وقبل عامين، حاولنا أن نعالج ياسمين في أحد مستشفيات الضفة الغربية، ولكن الطلبات التي قدمناها للحصول على تصريح رُفضت لأسباب لم تُفسَّر لنا على الإطلاق. وبعد ذلك، قررنا أن نعالج ياسمين في الخارج. ولحسن حظنا، فقد إهتدينا إلى شخص وافق على مساعدتنا على تغطية بعض المصاريف، ولكن معبر رفح مغلق دائمًا.
"سجّلنا لدى مكتب تسجيل المسافرين وتم إقرار أسمائنا. ولسوء الحظ، أُدخلت ياسمين إلى وحدة العناية المكثفة خلال هذه الفترة ولم نتمكن من مغادرة غزة. وفي شهر شباط/فبراير 2016، سجلنا مرة أخرى، ولكن لم تُدرج أسماؤنا على قائمة المسافرين حتى آخر مرة فُتح فيها المعبر في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017. وأُبلِغنا أن حافلتنا كان من المقرر أن تكون الأولى التي تمر في يوم محدد، ولكن أُقِرّت قائمة جديدة بالمسافرين في المساء الذي سبق ذلك اليوم، على الرغم من أن أسماءهم لم تكن مسجلة في مكتب التسجيل.
"لقد دفع هؤلاء الأشخاص مبلغًا كبيرًا من المال لهيئات معينة وعبَرت حافلاتهم، ولم تعبر حافلتنا. وقد حاول زوجي أن يسهّل سفرنا عبر معبر رفح، ولكن طُلب منه أن يدفع 3,000 دولار عن كل واحد منا. وهذا مبلغ كبير لا نستطيع أن نتحمله. وعلى أي حال، فأنا لست مستعدة لإنفاق مصاريف السفر التي إدخرناها على الرشاوى.
إننا نواجه وضعًا صعبًا للغاية. فقد أمضينا عامين حتى عثرنا على شخص يكفل ياسمين، وينتابنا الفزع من فقدانها الآن."
[1] التقارير الشهرية الصادرة عن منظمة الصحة الدولية حول تحويلات المرضى من قطاع غزة، تشرين الأول/أكتوبر 2017.